في حالة من التشنج والانفعال.. تسلق أحد الملتحين صباح امس سياج سور جامعة منوبة حتى وصل سطح المبنى اين كان يرفرف العلم التونسي.. وفي سابقة من نوعها جذب الراية الوطنية محاولا تمزيقها غيرأنه استدرك الأمر وحاول تنكيسها فعجزعن ذلك أيضا لان تثبيتها كان محكما.. لم ييأس وواصل محاولة تقليعها لينجح في آخر المطاف.. عندها ربط علمه الأسود وأحكم الرباط. ولتزكية ما بدر منه دعا الشاب الملتحي مناصريه من خارج الكلية ومؤيديه من الطلبة الى التكبير.. ورفع شعار "الشعب مسلم ولا يستسلم".. ما حدث لم يستسغه عدد هام من بقية الطلبة الموجودين داخل الحرم الجامعي وزاد من حالة الاحتقان والتصعيد بين الحاضرين.. وعلا الصراخ والتنديد بفعل المس من قداسة العلم الوطني.. "فلا شيء يبرر التنكيل بالعلم.." وعمت الفوضى المكان.. ووسط حالة الهستيريا التي أصابت الجميع والتجاذبات التي وصلت حد استعمال العنف اللفظي والجسدي.. سعى أحد الطلبة الى التخفيف من الضغط وقام باعادة الراية الوطنية الى مكانها وانزال الراية السوداء.. غير أن حالة الانفعال لم تنطفئ وتواصلت النقاشات الحادة بين الطلبة.. والغرباء عن الجامعة من السلفيين. فاعتبر كاظم وهو تاجر غريب على الجامعة جاء "لنصرة أخيه الذي قام مجلس التأديب بجامعة منوبة بطرده لمدة سنة" أن نزع العلم قام به احدهم في لحظة غضب.. وأضاف باستهزاء: " لا وجود لمشكلة فبما أنه لا خلاف في الدين لماذا نختلف على علم؟". ورأى محمد غنودي من الاتحاد العام لطلبة تونس أن حادثة نزع العلم هي حالة شاذة وما يجري اليوم هو محاولة لزج الطلبة في حالة عنف فيما بينهم.. جميع الطلبة يريدون كرامة الجامعة. وبينت مريم الورغي (ماجستير عربية) أن هناك تصعيدا نحو الأسوء داخل جامعة منوبة وسيبقى الطلبة أكبر المتضررين، من ذلك فطلبة العربية لم يدرسوا منذ 4 أشهر، وعلى السلطات المعنية أن تجد حلا لذلك في أقرب وقت ممكن لتجنب مزيد التصعيد.. وأضاف في نفس السياق نعيم حمدي (طالب سنة ثالثة عربية )أن سلطة الاشراف غائبة، العميد يجلس فوق الربوة والتصعيد متواصل.. واليوم رأينا ان العاطفة الدينية أدت الى نزع العلم والتصعيد نحو العنف المادي.. في حين أشار محمد رفيق علاقي (سنة ثانية تاريخ)الى أن العميد والمجلس العلمي يتحملان المسؤولية في كل ما يجري في الجامعة "فقد قام باحالة 6 طلبة على مجلس التأديب باعتماد تهم باطلة مثل التطاول على الأساتذة وممارسة العنف وتم طرد الطالب لسنة والطالبات الأربع ل6 اشهر. ووصف ضمير بن علية عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام للطلبة أن ما يقوم به الطلبة السلفيون وأنصارهم من خارج الكلية يتنزل ضمن مشروع سياسي وتقوم العناصر السلفية بزج الطلبة داخل هذا الصراع عنوة من أجل ابقاء الفوضى واعادة الاعتصام الى العمادة ونحن كمنظمة سندافع على الكلية. تواصلت التجاذبات داخل الحرم الجامعي بكلية منوبة وتصاعدت النقاشات بين الطلبة لتتحول الى أعمال عنف وضرب.. اتسعت أكثر مع حضور التعزيزات الخارجية للطلبة الاسلاميين.. وأخرجت الصراع من داخل الجامعة الى خارجها.. صراع أعاد الى الأذهان لما اتسم به من حدة المواجهات التي عرفتها الجامعة التونسية في سنوات الثمانينات.. العمادة توضح وقال عميد كلية الآداب بمنوبة الحبيب القزدغلي ل"الصباح" أنه قد اتضح منذ أول أمس أن هنالك رغبة في تفجير الوضع العام داخل الكلية وذلك من خلال الهجمة التي قامت بها المتنقبات اللاتي تم طردهن من قبل مجلس التأديب لستة أشهرعلى مكتب العمادة وعلى شخصي. " وأضاف "أما اليوم أي( أمس ) فقد تبين من خلال نزع هؤلاء الطلبة للعلم التونسي وتغطية مشكاة منوبة رمز العلوم بالأعلام السود أن لهم مشكلة مع العلم ومع الثقافة والتصعيد الذي يمارسونه يتنزل في اطار محاولات تركيع سلطات الاشراف." أما عن عدم تفعيل مقترح الأمن الداخلى الخاص الذي يخضع لسلطة العميد فأوضح القزدغلي أن وزارة التعليم العالي أعلنت عن مبادرتها في تطبيق مقترح انتداب 300 عون مثل ما هو موجود في الدول المتقدمة ولم نر الى اليوم اي بوادر تفعيل." كما بين العميد أن قرار طرد الطلبة يتنزل في اطار تطبيق القانون واحترام التدابير القانونية للجامعة.. علما وان سلطات الاشراف طالبت منذ انطلاق الأحداث داخل الحرم الجامعي بتطبيق القانون واتخاذ الاجراءات القانونية في حق كل المخالفين مهما كان انتماؤهم. أمام المجلس الوطني التأسيسي وإثر هذه الحادثة، دعت حركة «كلنا تونس» إلى التظاهر اليوم أمام المجلس الوطني التأسيسي للدفاع على مكاسب المرأة ومبادئ المواطنة وسيادة تونس. وعبرت الحركة في بلاغ لها أصدرته أمس عن استيائها وغضبها من تعمد بعض الشبان تمزيق العلم التونسي «شباب يمزق علم تونس بكلية الآداب والفنون والعلوم الإنسانية بمنوبة بعد أن داسوا حرمة المؤسسة الجامعية ومقومات مجتمعنا وهويته العربية الإسلامية التونسية دون أية ردة فعل من الحكومة». وأدانت الحركة بشدة هذا العمل الذي اعتبرته «خيانة لتونس ولكل من ناضل من أجل تحرير الوطن حتى يرفرف علمه عاليا وخيانة لكل من ساهم في بناء تونس ولكل من وقف أمام الطغيان وأسقط نظاما مستبدا حتى يجرؤ هؤلاء على استبدال رمز الوطن العزيز برقعة سوداء». وطالبت حركة كلنا تونس رئيس الجمهورية والحكومة بردّة فعل صارمة في مستوى ما حصل من انفلاتات وتجاوزات لا يمكن اليوم السكوت عنها.. كما طالبت المجلس التأسيسي بتحمل كامل مسؤولياته أمام ما يحصل. ودعت إلى التظاهر اليوم الخميس أمام المجلس «لا للدفاع على مكاسب المرأة فحسب بل كذلك للدفاع على مبادئ المواطنة وحرمة الوطن وسيادة تونس». واستغرب البلاغ صمت الحكومة وعدم ردّ الفعل بعد أن «تطاول الداعية المصري على النشيد الوطني التونسي وبعد أن تعرض حقوقيون وصحافيون ومواطنون أحرار إلى العنف اللفظي والجسدي كما أشار إلى غياب أية ردة فعل من الحكومة بعد حملات الثلب والاتهامات بالمؤامرة الصادرة من وزراء ومن مسؤولين من حزب الأغلبية إضافة إلى ظاهرة الاتهام بالخيانة للوطن لكل من أبدى رأيا مخالفا أو نقديا..». ريم سوودي
الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية: إنزال العلم المفدى جريمة في حق الوطن والشهداء نددت رئاسة الجمهورية بحادثة انزال العلم الوطني أمس بكلية الآداب بمنوبة، ووصف الناطق الرسمي باسم رئاسة الجمهورية في بلاغ صدر امس عملية انزال العلم ب«الجريمة في حق الوطن والشهداء». في ما يلي نص البلاغ: « تتابع رئاسة الجمهورية بقلق بالغ ما وصلت إليه الأوضاع في كلية الآداب بمنوبة من توتر شديد أدى إلى اعتداءات بالعنف وتعطيل للدروس. وقد وصل الأمر إلى حد إنزال العلم الوطني من فوق البناية التي تقع في مدخل الكلية وهي عملية تصنف في إطار الاعتداء على أحد أهم الرموز الوطنية الجامعة. إن رئاسة الجمهورية تعتبر أن الاعتداء على العلم المفدى هو اعتداء على أحد رموز الوعي الوطني الجماعي الذي استشهد من أجله تونسيون كثيرون على مر تاريخ نضالنا المشترك ضد الاستعمار والاستبداد، وهو من هذا المنطلق عمل جبان ومدان وجريمة في حق الوطن والشهداء. من هنا فإن رئيس الجمهورية يدعو السلطات الأمنية والقضائية إلى التعامل مع هذه الحادثة وتلك المشابهة لها بأقصى درجات الصرامة والقوة، حتى لا يتجرأ أحد بعد ذلك على المس من الراية الوطنية».