من إنزال العلم إلى الاعتداءات على أعوان الأمن مرورا بالاعتصامات والتعدي على المخالفين في الرأي بالسبّ والشتم وأشنع النعوت (وهي أفعال الدين منها براء)، لحظات تعيشها بلادنا ولا تزال على وقعها بين الفينة والأخرى. في المقابل فقد انتقدت المعارضة كيفية إدارة الحكومة و تعاملها مع الأحداث؛ وهو ما جعل بعض الأحزاب تتحدث عن علاقة غامضة بين السلفيّين والنهضة التي استنكرت حادثة إنزال العلم في كلية الآداب بمنّوبة مندّدة بهذا السلوك داعية جميع الأطراف الطلابية والجامعية الى التهدئة وتجنب التصعيد في الخطاب والسلوك وفي الإجراءات، ورفض العنف من أي جهة كانت. لكن وأمام هذا التجاذب بين جميع الأطراف يتساءل كثيرون حول نوع العلاقة بين النهضة والسلفيّة الجهاديّة خاصة في ظلّ غياب موقف سياسي واضح من الحكومة تجاه ما اعتبره عديدون «هجمة جهادية» . ؟ وقد نقلت بعض المواقع الالكترونية تصريحا ل «أبو عياض» الناطق الرسمي باسم السلفية الجهادية بتونس وأحد شيوخها فأكد فيه أن الجماعة تقرّ بأن ما ارتكبه الطالب بخصوص إنزال العلم «فعل خاطئ واندفاع غير محسوب يعود سببه الى احتقان كبير في كلية منوبة بسبب اليساريين وخاصة عميد الكلية». وشدد أبو عياض على أنه لا يمكن محاسبة مرتكب الخطإ بخطإ قائلا :»إن من يريد المحاكمة فليحاكم المجموعات التي رفعت علما يحمل «المنجل والمطرقة» في بنقردان او من طلب تدخلا فرنسيا في تونس . غياب الوضوح ندّدت حركة النهضة بالحادثة (إنزال العلم) . ودعت جميع الأطراف الطلابية والجامعية الى التهدئة وتجنب التصعيد في الخطاب والسلوك وفي الاجراءات، ورفض العنف من أي جهة كانت. كما أكدت على ضرورة اعتماد الحوار للوصول الى حلول مناسبة تضمن حرمة الجامعة وحقوق الطلبة وحرياتهم. بدوره وفي محاضرة قدمها في مركز الدراسات الإسلامية والديمقراطية أكد رئيس حركة النهضة راشد الغنّوشي قائلا :»السلفيّون أبناؤنا وهم ثمرة نظام ديكتاتوري». صمت رسمي يقول محسن مرزوق :»يثير الصمت الرسمي إزاء كل تجاوزات السلفيين (الاعتداء على المثقفين،إمارة سجنان ، ما حدث في جندوبة ، إنزال العلم ، الاستيلاء على جامع الفتح بالعاصمة..) تساؤلات عميقة خاصة أن ردها كان سريعا و واضحا في أحداث أخرى. إن تساهل الحكومة مع العديد من التجاوزات يفهم منه نوع من التعاون بينها و بين الظاهرة السلفية رغم الحديث الكثير عن تطبيق القانون.» ويشدد محدثنا قائلا :» نشهد الآن تطور ظاهرة سياسية عنيفة اتخذت من العنف وسيلة لمعاملة مخالفيها حيث أصبحت في شكل ميليشيات منظمة تعتدي على من يسب الحكومة حتى إنها أصبحت ذراعا لها. فلم أر يوما السلفيين ينشطون ضد النهضة او يعتدون على الوزارات الراجعة لها بالنظر بل يعملون ضدّ أطراف معادية للحركة(النهضة).» وطالب مرزوق النهضة بضرورة الحسم في هذا الموضوع عبر الدعوة الى تفعيل القانون لأن ظاهرة العنف السياسي متى تطورت «ستأكل حتى من أطلقها «. كما دعا الداخلية الى تطبيق القانون والشباب السلفي الى الابتعاد عن هذا التمشي الذي لا يخلف إلا الخراب. سياسة الصالحين يقول الدكتور محمد أمين القراوي مختص في علم الاجتماع السياسي:»اعتقد أن داخل اللعبة السياسية لا أساس لسياسة الصالحين وهم قلة على طول الأزمان والعصور. وبعد عذابات طويلة وإقصاء شديد لكل الأحزاب يمينا ويسارا قد يخاف بعضهم زوالهم من جديد لذلك فهم يلتجؤون إلى إعداد قوة خفية تحميهم من كل خطر.» ويضيف:» إن محاولة استغلال بعض الأطراف من اليمين أو اليسار للشباب عيب كبير وخطأ سياسي فادح، يتوجب على كل عاقل فتح باب الحوار مع هذا الشباب وإقناعه أن الوطنية لا تهدى ولا تباع.» إن مستقبل تونس وأمنها واستقرارها رهينان تضافر جهود جميع الأطراف وإحساسهم بالمسؤولية وبالوطنية من اليمين إلى اليسار مرورا بباقي مكونات المجتمع المدني حتى تستكمل أهداف الثورة التي دفعت أمهات تونسيات فلذات أكبادهن من أجلها ومن أجل العلم وكرامة التونسي وحريته.