«أنا مريض بالكتابة، وهذا المرض يجعلني لا أرضى أبدا عما أكتب .. أنا اكره كتاباتي لذا أضيف لها ما اعتقد انه يحسنها كلما استطعت وفي «جبة الثورة» شكلت من الشاشية إلى البلغة ملامح الكسوة التونسية للرجال عن ثورتنا التي نعتز بريادتها تشبثا بشخصيتنا التونسية.. وحفاظا على كرامتنا وما يميزنا بارتدائنا» جبة الثورة «عن عرب المشرقين». هكذا علق الأديب المختار جنات عما وجه له من أسئلة ونقد خلا ل لقاء أدبي خصت به مجموعته القصصية الصادرة مؤخرا وعنوانها «جبة الثورة» وذلك بنادي مطارحات أدبية بالنادي الثقافي أبو القاسم الشابي مساء السبت. و»جبة الثورة « كما قدمها الدكتور نور الدين بن بلقاسم زاوج فيها مؤلفها بين الثورة و الزي التونسي الأصيل. وجعل للثورة في هذا الكتاب مسارات صنفها الدارس إلى سبعة أصناف هي: الثورة على الاستعمار من خلال قصة « كشطة واربط « التي تحدث فيها عن ثورة الطلبة الزيتونيين التي كانت لها ثلاث جبهات هي مكافحة الاستعمار الفرنسي بالمظاهرات في المدن وبالسلاح في الجبال والمطالبة بتعليم عصري جديد، ومكافحة المشائخ المتزمتين الذين غرقوا في موالاة الكتابة العامة للحكومة الفرنسية.
الثورة ثورات والثائر حاكم
- و الثورة من ظلم الاستعمار من خلال قصة « خلعة سيدي المنصف» -و الثورة على الضعف الجنسي في قصة «كدرون وسبارس» - والثورة على الاستغلال من خلال قصة « قشابية في الشهيلي» التي كانت ثورة في نطاق محدود وهي اقرب إلى الثورة على الوضع منها إلى ثورة على الآخر، - والثورة على الاستبداد وقد بانت جلية في قصة « جبة الثورة «وهي تتناول الثورة التونسية التي أشعلها الشعب ضد الاستبداد السياسي وانتصرت بهروب رأس الاستبداد واختلفت حولها آراء ومواقف أفراد العائلة بين رافض كان متمعشا وفرحان مشجع راغب في تغيير الوضع . في هذه القصة يصبح الثائر هو الحاكم الذي يستجوب الرئيس ويحاكمه.. - الثورة على القديم تناولها المختار جنات في قصة « بلغة جدي « وفيها رأى الكاتب أن ميراث الأجداد الذي تقاتل القوم لأجله في كثير من الأحيان غير محدد المعالم والهوية، وهو ميراث لا قيمة له مثله في ذلك مثل «البلغة « التي لا وزن لها ولا لون وان صورة «البلغة» الباقية في ( سفر البلغة) من ورقته الأخيرة هي التي تمثل مرحلة ظهور الإسلام وما يليها وهي التي على الآباء والأحفاد أن يسيروا على نهجها لأنها المرحلة الأغنى في حياة بني يعرب بن قحطان من حيث الإنتاج الفكري والعلمي والحضاري وكان ذلك منذ أن اخذ الإسلام بيد العروبة الضائعة في الصحراء وجعل منها قائدة لأمم العالم. - من الثورات الظالمة للناس، وفيها يورد ثلاث قصص قصيرة تحدث في الأولى عن مقتل عثمان بن عفان وفي الثانية عن الجرجار وفي الثالثة عن العكرمي وفي هذه القصص لعب قميص او سورية كل واحد منهم دورا مهما جعل الراوي يقرف من جميعها ( القميص والقمشة والسورية ) وقد أشاعت هذه الثورات الثلاث الظلم بين ضحاياها من الفاعلين فيها. وفي مجموعة «جبة الثورة» كذلك ثورات ذاتية تنطلق من ذات الفرد على من يحيط به أو ما يحيط به كالثورة على الحب من خلال قصة «معنقة عيد الميلاد» والثورة على المال من خلال قصة « سطوش الوزير « والثورة على اليأس « في قصة «القفاز. « وقد أكد الدكتور نور الدين بن بلقاسم على أن «جبة الثورة» بنيت على التاريخ والذي منه استلهم إذ ورد فيها التاريخ تواريخ تتمثل في التاريخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والحضاري . لكتابة هذه القصص اعتمد المختار جنات على لغة قال نور الدين بن بلقاسم انها قوية استعملها كأداة للتبليغ على غرار لغة ابن خلدون بالإضافة إلى استعماله لكلمات كثيرة من معجم اللهجة الدارجة وهو معجم بصدد الإهمال من حيث الاستعمال وذلك بالرغم مما في ألفاظه من أبعاد معنوية وابلا غية لا تضاهيها أحيانا بلاغة لأنها بلاغة الاستعمال والتجربة والممارسة اليومية من أمثلة هذا المعجم الطريف « خلج « البلعوط « العضروط « « الترويم « مستنيه» «الشلاكة « « الشرنبيط « ثرم « هج « .
ثراء المعلومة التاريخية واللغة
وقد رأى الكاتب والناقد احمد ممو أن المختار جنات قلمه سيال يرهق ويهرق الحبر الكثير وكتابته فيها التفاصيل والحشو والتفسير المبالغ فيه الذي يحط من قيمة فهم القارئ وان ابتلاءه بمرض الكمبيوتر الذي يسهل عملية التفسيخ وإضافة الأحداث والشخصيات في كل وقت اضر به لان شكل القصة يضيق عن مساره هذا وجعل نصه من النصوص المتحولة وغير الثابتة إلا بصدورها في كتاب.» وعن الهاجس التجريبي لدى المختار جنات رأى الأستاذ احمد ممو أن أهم ما في هذه القصص كلمة «ميراث « أي ما يتركه السلف الصالح للخلف الوارث وما يمكن ان يصنع الخلف من هذا الميراث وقال ممو : « وبن جنات لا ينقصه التخيل بل خياله جامح في تحبير الشخوص والمواقف والاستفادة من خبرته ورحلاته للتعليم والعمل بأغلب مناطق الجمهورية وهذا ساعده على إيجاد النماذج النمطية في استعمالاته للشخوص والمواقف .» وقد اثني الناصر التومي وكان من بين المتدخلين في الجلسة على القدرة اللغوية للمختار جنات والثراء في المعلومات التاريخية والعادات والتقاليد وإطلاق الأسماء الصحيحة على الأشياء والأفعال. وأضاف : « يبدع بن جنات في الوصف وفي شد القارئ رغم ان القصص لم تكن بحبكة او تصعيد درامي او خاتمة مفاجئة ولكن الطرافة والسخرية والانتقال من حدث إلى آخر يرجع إلى 150 سنة إلى الوراء اوجد تشويقا خاصا به» .
هل استفادت المجموعة من إضافة الثورة ؟
ولكن المآخذ على كتابات المختار جنات حسب التومي كثيرة أيضا حيث تتخلل الفقرات التقريرية عندما يتكلم عن الأشياء التاريخية وعن المعلومة كما انه يؤاخذ فنيا لعدم التوحيد بين قصص هذه المجموعة حيث يتحدث عن جامع الزيتونة والكشطة ثم يتحدث عن القادم من الأندلس دون ايجاد علاقة بين بداية القصة ونهايتها علما بان الخيط الذي يربط بين الأحداث لين ورقيق جدا ثم ان القصة الفنية لا تتماشى مع كل هذه الشطحات التي يأتيها وهي غير جائزة في القص الفني أصلا. وبن جنات حسب رأي اغلب المتدخلين في الجلسة عندما أضاف «الثورة «إلى المجموعة القصصية التي كانت جاهزة أسقطها سقطة أضرت بها أما ما اعتقد الناصر التومي انه هنة كبرى أفسدت المجموعة فهو كل هذه التسميات وذكر الأشخاص بأسمائهم (زين العابدين بن علي ، السرياطي ، البوليس الرئاسي الذي يعلم الكل انه لن يخرج من القصر بتاتا ) وقد رأى أن ذكر هذه الأسماء ورط الكاتب وجعل المجموعة «مجموعة الشيء بالشيء يذكر» وأضاف: « و أنا متأكد من أن زين العابدين بن علي لا يعرف الحلاج أصلا كما انه لم يثبت أن صلامبو تزوجت وإنما قتلت قبل أن تتزوج آيارباس وهذا ما أكده الدكتور حسين فنطر».