كل المؤشرات والتطورات الميدانية التي تتناقلها وسائل الاعلام لحظة بلحظة حول مجريات الأحداث في سوريا تؤكد يوما بعد يوم أن الثورة التي أشعل فتيلها المواطن البسيط بعدما رزح لعقود تحت الظلم والاستبداد والقهر والكرامة المداسة تحت نعال النظام البعثي الذي استنزف ثروات البلاد والعباد، قد بدأت تسرق منه وتنحرف عن مسارها. لقد جنحت الثورة السورية عن مسارها السلمي منذ أن تحولت التحركات الاحتجاجية المنادية بإسقاط النظام السوري إلى مواجهات مسلحة في أعقاب الاعلان عن تشكيل «الجيش السوري الحر» المتكون أساسا من مجموعة الجنود والضباط المنشقين عن القوات النظامية، بحيث ارتفعت وتيرة العنف وفتح الباب على مصراعيه أمام نظام الرئيس السوري بشار الأسد لاستخدام آلته العسكرية المدمرة بلا قيود لإجهاض الثورة بدعوى التصدي لمخططات ارهابية تسعى لهز استقرار البلاد، ما أدخل سوريا في دوامة العنف والعنف المضاد وبات يخشى أن تتعكر الأمور إلى أخطر من ذلك لتسقط سوريا في شراك حرب أهلية دامية باتت مؤشراتها - للأسف - جلية للعيان، خصوصا في ضوء التنوع الكبير في التركيبة العرقية بالبلاد والتي تخلق مناخا ملائما لذلك. كما أن تدويل الأزمة السورية تحت مظلة الجامعة العربية التي لم تعتبر من درس ليبيا وما أفرزه تدخل «الناتو» من فوضى عارمة، يعد أيضا من المنعرجات المفصلية التي ساهمت في سحب بساط الثورة من تحت أقدام صانعيها، حيث اتُّهمَت بعض الأطراف ببيع ضمائرها والمشاركة - ارتكازا على النعرات الطائفية والعرقية، لنرى سيناريو العراق في السودان وليبيا وسوريا... والقائمة تطول لتشمل كل البلدان العربية بمن فيها تلك التي ساهمت في هذا المخطط عن وعي أو عن غير وعي.. هؤلاء يتناسون أو يتغاضون عن حقيقة أن سعي كل من الولاياتالمتحدة وحلفائها للتدخل في الشأن السوري والاطاحة بنظام الأسد لا يمليه حرص هذه الدول على تحقيق أحلام الشعب السوري بقدر ما هو من أجل تحقيق مصالحها واستقطاب بلد يحظى بموقع استراتيجي، كما أن إصرار روسيا بدورها على المحافظة على النظام البعثي ليس حبا في شخص بشار الأسد، بل لحماية مصالحها الجيوسياسية. ولعل ما زاد الأمور تعقيدا في الآونة الأخيرة، التقارير الروسية التي كشفت عن وجود مجموعات ارهابية قدرت بحوالي 12 ألف مسلح تحارب إلى جانب قوات «الجيش الحر» في أرجاء عدة من سوريا، وقد سبق أن كشفت تقارير أمريكية أيضا عن تواجد تنظيم «القاعدة» اعتمادا على رصد قامت به المخابرات الأمريكية «سي آي آيه» من خلال طلعات جوية استكشافية على المناطق التي تشهد مواجهات مسلحة بين طرفي النزاع، وهو ما حال دون قيام الولاياتالمتحدة بخطوة الاعتراف بالمعارضة السورية ودعمها بالسلاح خشية أن يقع هذا السلاح بين أيدي مجموعات مسلحة معادية لواشنطن كتنظيم «القاعدة». ولعل ما يدفعنا إلى أخذ هذه التقارير على محمل الجد، هو أن «التنظيم» لن يجد مثل هذه الفرصة السانحة وسط الفوضى العارمة للدخول إلى سوريا عبر الحدود التركية اللبنانية كبقية القوات الخاصة التي دخلت سوريا خلسة لإيجاد موطئ قدم في منطقة بالغة الأهمية استراتيجيا، وقد سبق أن أعرب زعيم التنظيم أيمن الظواهري عن تأييده للثورة السورية كما أبدى استعداد «القاعدة» لدعم قوات «الجيش الحر» في حربها ضد نظام الأسد. إن بوادر الحرب الأهلية باتت تطل برأسها وبقوة في سوريا والأيام القليلة المقبلة كفيلة ببيان ذلك، بحيث أن ملامح سيناريو العراق باتت تلوح في الأفق وربما ستكون أكثر كارثية نظرا للموقع الجغرافي لسوريا.