الكثافة التي تواجد بها العلم التونسي أمس على امتداد شارع الحبيب بورقيبة قد تجعل المراقبين يعتقدون أن الجماهير الغفيرة التي ملأت أهم شارع في العاصمة قد اجتمعت من أجل الاحتفال بذكرى عيد الاستقلال.. وليس للتظاهر من أجل المطالبة بدولة مدنية والتنديد بالتهديد الذي تواجهه حقوق المرأة والحريات الشخصية ومكتسبات مجلة الأحوال الشخصية.. وخاصة للتذكير بالمطالب الشعبية للثورة التونسية.. وعلى غرار المناسبة الوطنية السابقة رفعت الجماهير الغفيرة في ذكرى عيد الاستقلال شعارات ذكرت من خلالها مسؤولي حكومة "الترويكا" بمطالب الثورة التي مرّ عليها أكثر من سنة ولم تتحقق بعد فنادت ب"الشعب يريد دولة مدنية " و"شغل حرية كرامة وطنية " وحرية ..حرية .." وفي تفاعل للمحتجين مع الوضع العام والتجاذبات التي تشهدها الساحة السياسية أكدوا على مطلب مدنية الدولة وعلى رفضهم اي اعتماد للشريعة الاسلامية كمصدر أساسي للدستور وذلك بالتأكيد على أن "تونس تونس مدنية.. لا خلافة لا رجعية " و"الشعب يريد دستورا ديمقراطيا" وبالروح بالدم نفديك يا علم.".. و"الشعب يريد موعدا انتخابيا" و"تونس تونس للجميع لا للفتنة والتشريع". وفي هذا الاطار رأى شكري بلعيد أمين عام حركة الوطنيين الديمقراطيين أن "نزول كل هذه الجماهير الغفيرة تحت الراية الوطنية هو تأكيد على مسألتين وهما: تونس برموزها وبنمط عيش شعبها غير قابلة للتقسيم بل هي بيتنا المشترك وأننا اليوم نحتفل لأن تونس باتت مهددة في مدنيتها وفي مكاسب شعبها وفي أهداف ومطالب ثورتها واسس ديمقراطيتها الوليدة ولذلك كان العنوان الجامع هو الدفاع عن تونس دفاعا عن الديمقراطية والدولة المدنية ضدّ الاستبداد والدكتاتورية". واعتبرت الباحثة والجامعية رجاء بن سلامة أن "صياغة دستور ديمقراطي يعني اعتماد مبادئ حقوق الانسان والاتفاقيات الدولية كمرجع واضح وليس الشريعة الاسلامية التي تحيل الى مرجعيات غامضة ومختلفة.. فهل سيتم اعتماد شريعة الوهابية أو شريعة الفقه المالكي أو الحنفي أو شريعة السلفية الجهادية.. "وأضافت: "ان كلمة الشريعة كلمة فضفاضة قوية من الناحية العاطفية تحتمل كل التأويلات وتفتح على كل المراجع.. يمكننا اعتماد القيم الاسلامية النبيلة السمحة كمصدر للدستور لكن الشريعة لا يمكن أن تكون مصدرا لدستور دولة مدنية باعتبارها خاضعة لاجتهادات بشرية ومصالح أشخاص بعينهم". ورأت المبدعة المسرحية فاطمة سعيدان "أن الشعب التونسي يواجه ضبابية في المواقف وفي التصريحات تهدف الى تغير وجه تونس.. في حين أن التونسي باختلافاته لا يمكن ان يتعايش الا في دولة مدنية.." وبينت سعيدان "أنه من المخجل أن نناضل اليوم على مكتسبات لدينا سلفا.." وان "الثورة قد قامت من أجل الحرية والكرامة والشغل وليس من أجل تهديد مكتسبات المرأة وحرية ملبسها.." وأشارت الى أن النظام السابق قد ترك فراغا فكريا وايديولوجيا وثقافيا واليوم تونس في حاجة الى ثورة ثقافية. وقالت حفيظة شقير أستاذة القانون الدستوري "اريد دولة مدنية تحترم مبادئ الثورة ومبادئ الحرية ومبادئ كرامة الانسان.. ويكفينا من هذا الحديث عن الشريعة.. فالمبادئ الانسانية المشتركة التي نتقاسمها مهما اختلفت انتماءاتنا الايديولوجية هي القادرة على الحفاظ على مبادئ الدولة المدنية". غاب الاحتفال من شوارع المدينة؟؟ وبكثير من التأثر عبر السينمائي إبراهيم بلطيف عن استغرابه لغياب أيّة ملامح احتفالية في الشارع التونسي وتساءل: "في فترة حساسة استثنائية يمرّ عيد الاستقلال دون أيّة ملامح للفرحة؟ لماذا هذه الاستقالة من قبل مؤسسات الدولة المجالس المحلية والبلديات ؟.. لم نشهد غياب العلم التونسي من الاحتفالات الوطنية حتى في عهد المخلوع.. فلماذا هذا التغييب اليوم؟" ومن ناحيته قال أحمد بن عبد الله متقاعد "منذ خروجنا من أحيائنا السكنية لم نر أيّة ملامح للاحتفال بعيد الاستقلال ولا نفهم هذا التهاون من قبل السلطات المعنية في التعامل مع عيد وطني له قيمة وطنية هامة". وأشار شاكر هاني أستاذ ان "للشعب التونسي أولوية تحقيق أهداف ثورته وهي الشغل والكرامة والعدالة الانتقالية والتنمية الجهوية. وتجدر الإشارة الى أن المسيرة التي انتظمت بشارع الحبيب بورقيبة قد شارك فيها عدد من منظمات المجتمع المدني وكانت ذات توجه حقوقي مدني بالأساس رغم تواجد عديد التمثيليات الحزبية..