جاء موسى رحل موسى... جاء كوفور رحل كوفور... جاءت فريزر وستعود فريزر... من كينيا الى لبنان تواصلت جهود الوساطة الدولية التي يقوم بها كل من الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى بين الموالاة والمعارضة في لبنان وتلك التي يتولاها رئيس الاتحاد الافريقي الرئيس الغاني جون كوفور ومن قبله المبعوثة الامريكية فريزر بين الرئيس الكيني مواي كيباكي وخصمه زعيم المعارضة رايلا اودينغا. وكما ان الاتحاد الافريقي فشل في التوصل الى حل للازمة المتفاقمة في كينيا على خلفية نتائج الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل فان جهود الجامعة العربية بدورها ظلت تراوح مكانها بما يؤشر الى استمرار غياب الانفراج السياسي على الساحة اللبنانية التي تسير باتجاه النفق المسدود. واذا كانت الازمة الكينية تنتظر ما يمكن ان يحمله في طياته كوفي عنان الامين العام السابق للامم المتحدة الذي سيتولى مهمة الوساطة الجديدة بدلا من الاتحاد الافريقي فان لبنان سينتظر عودة عمرو موسى اليه في غضون الاسبوع القادم محملا كالعادة بسلاحه المعهود من التفاؤل والصبر الذي لا حد له في محاولاته اليائسة لجمع الاخوة الاعداء ابناء الوطن الواحد الذين فشلوا حتى الان في التوصل الى ارضية مشتركة لتجاوز الخلافات المستمرة بينهما في خضم تواصل التجاذبات الخارجية الظاهرة والخفية لهذا الجانب او ذاك. اصوات كثيرة باتت تحذر من انعكاسات الازمة السياسية في كينيا التي توشك ان تتحول الى بركة من الدماء في حال استمر الوضع على حاله ذلك.. ان الاحداث الاخيرة التي شهدتها كينيا جاءت لتكشف بالاضافة الى التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي يتكبدها اقتصاد البلاد وموجة اللاجئين الجدد الهاربين من دوامة العنف واعمال الخطف والنهب ان بلد الاربعين عرقية يوشك ان يرفع الغطاء الرفيع الذي كان يعكس تجانسا وانسجاما وتوافقا اجتماعيا بين مختلف اطيافه القبلية انما يتجه ببطء ولكن من دون خطى في اتجاه حرب عرقية تهدد بضياع ما تم تحقيقه خلال السنوات القليلة الماضية من استقرار ونمو اقتصادي في منطقة قلما عرفت شرق افريقيا فيها معاني الامن والاستقرار... وبعيدا عن كينيا قد لا يبدو المشهد اللبناني بكل تناقضاته واسباب المخاوف فيه افضل حالا فخلف الهدوء الحذر الذي تشهده الساحة اللبنانية منذ فترة تظل مؤشرات الغليان قائمة وقابلة للانفجار في كل حين مع أي حادث او طارئ يمكن ان يشهده لبنان ولاشك ان مسلسلات التفجيرات والاغتيالات التي كانت تاتي في كل مرة لتعود بالاحداث الى النقطة الصفر ليست بالبعيدة عن اذهان المراقبين والمحللين... التاجيل المستمر لجلسات انتخاب الرئيس لم يعد مفاجاة في لبنان ولعل العكس سيكون صحيحا والتاجيل الحاصل بالامس للمرة الثانية عشرة على التوالي تحول الى ما يشبه النكتة السياسية التي تمنح اللبنانيين فرصة للتشفي من الطبقة السياسية المتناحرة التي باتت مصدر إلهام للمسرحيين والفنانين ممن وجدوا في الازمة الراهنة في لبنان ما يكفي من الاحداث لاستثمارها واستقطاب الشارع اللبناني بكل مكوناته... اكثر من شهر ونصف مر ولبنان لا يزال بدون رئيس رغم التوافق الحاصل حول شخص العماد ميشال سليمان لهذا المنصب والذي يؤجله التوافق المطلوب حول صلاحيات الحكومة...عودة عمرو موسى الى لبنان محملا بمبادرة عربية جديدة في اعقاب اجتماع وزراء الخارجية العرب الاخير لم تكن شرطا كافيا لضمان نجاح مهمته غير اليسيرة في لبنان. فالوساطة ديبلوماسية وفن لا يحذقه الكثيرون واذا كان التفاؤل امرا مطلوبا في كل جهود الوساطة فان في ملكة التاثير على الاخر والاقناع بمواقع الخطا لديه لا يقل شانا عن القدرة على الاستماع لكل الاطراف ولكن ايضا للوساطة حدودها... لا احد طبعا بامكانه ان يشكك في النوايا الجدية لجهود الوساطة العربية او الافريقية او في حقيقة الانشغال الدولي بما يحدث لتجاوز مثل هذه الازمات السياسية التي من شانها ان تكبد شعوبها الكثير وتمنعها من الالتفات الى القضايا المصيرية التي تمنع رقييها ونموها على كل المستويات. والوساطة في مثل هذه الحالات مسؤولية والتزام ومخاطرة ايضا فالنتائج ليست مضمونة سلفا والنجاح ليس بالامر الحاصل ومصداقية الطرف الوسيط تبقى على المحك دوما وعليها ان تكون قابلة لكل التوقعات والاحتمالات... قد يكون لتدخل الجامعة العربية في لبنان وان كان متاخرا اثلج صدور الكثيرين واعاد الثقة بان لبنان جزء من الخارطة العربية وان أي تحرك عربي في اتجاه دفع هذا البلد من حالة الجمود التي يتخبط فيها سيكون امرا ايجابيا ومن شانه سحب البساطات امام بقية التدخلات الخارجية التي تسعى لتغليب طرف على الاخر دون اعتبار للمصلحة الوطنية العليا ولرغبة اغلبية الشعب اللبناني في ذلك... ولكن الحقيقة ايضا ان جهود الوساطة ايا كان مصدرها قد لا يمكنها تحقيق الكثير بدون استعداد من اطراف الخلاف نفسها على تجاوز القطيعة وتوخي اسلوب الحوار والتفاوض بعيدا عن كل التاثيرات والضغوطات والتدخلات الخارجية ايا كان مصدرها. وكما ان اهل كينيا ادرى بمصالحها فان اهل لبنان ادرى بشعابه واللبنانيون يمتلكون من الوعي ما يجعلهم الاقدر على تشريح الوضع واستئصال مواقع الداء من الجسد اللبناني فلبنان الصغير بمساحته لا يمكن ان يضيق باهله وطوائفه الدينية والسياسية على اختلافها والتي كانت ولاتزال من الخصوصيات ديموقراطية لبنان وانفتاحه على الاخر...ليس مهما ان يتاجل الحل اللبناني الى مابعد زيارة الرئيس بوش حتى لا يرتبط نجاح الجهود على راي البعض بجولة الرئيس الامريكي في المنطقة او يعد صفعة لسوريا وايران ولكن الاهم ان ياتي الانفراج... فلبنان بركان هادئ ولكن هدوؤه قد لا يكون الى ما لا نهاية...