توشك الساعات القليلة القادمة قبل انقضاء موعد الاستحقاق الرئاسي في لبنان ان تدفع هذا البلد باتجاه السقوط في مستنقع جديد لا يبدو له من قرار هذه المرة وذلك ليس بسبب التصريحات والمواقف المتشائمة الصادرة عن مختلف الوسطاء الاجانب واصحاب المبادرات المتوافدين على لبنان من مختلف العواصمالغربية او العربية او الاممية ولكن بسبب الجمود الحاصل منذ اشهر طويلة في المشهد اللبناني نفسه وغياب ادنى مؤشر قد يعكس وجود ارادة فعلية بين الاطراف المعنية لتجاوز اخطر ازمة في لبنان منذ انتهاء الحرب الاهلية فالانتخابات الرئاسية في لبنان تظل ولو ظاهريا شانا داخليا لبنانيا اضافة الى ان اللبنانيين بمختلف اطيافهم الدينية والسياسية اول من سيتحمل انعكاسات وتبعات الفراغ الدستوري في حال استمرار غياب التوافق حول الرئيس الجديد وفقا لاتفاق الطائف الذي اقر تقسيم السلطة في لبنان بين رئاسة الجمهورية ورئاسة البرلمان ورئاسة الوزراء... قبل بضع سنوات وقبل تلك الجريمة البشعة التي استهدفت رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري ومرافقيه وقبل ان يتحول لبنان الى مسرح مفتوح للاغتيالات الموجهة كانت كل المؤشرات ترجح ان يتحول هذا البلد الى هونغ كونغ الشرق الاوسط قبل ان تسقط تلك الرهانات ويدخل لبنان واللبنانيون صراعا ضد المجهول ادى الى ركود الاقتصاد وارتفاع الاسعار وتفاقم الديون وهروب رؤوس الاموال ودخول شباب لبنان وعقوله وادمغته في سباق محموم نحو الهجرة لاسيما بعد الخسائر الجسيمة التي تكبدها لبنان جراء الحرب الهمجية التي شنتها اسرائيل الصيف قبل الماضي على البنية التحتية للبنان لتزيد في تقطيع اوصاله وتمزيقه... للمرة الثالثة على التوالي افاق اللبنانيون بالامس مجددا على وقع انباء تاجيل موعد انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفا للرئيس ايميل لحود الذي تنتهي ولايته بعد يومين بسبب استمرار الخلافات بين الفرقاء السياسيين او ما اصطلح على وصفهم "بالموالاة" و"المعارضة" او بين انصار سوريا وايران من جهة وانصار واشنطن والغرب من جهة ثانية لتتفاقم بذلك مشاعر الخوف والقلق من الحاضر ومشاعر الانشغال بالمستقبل بين اللبنانيين وهي مشاعر لها اسبابها ومبرراتها والحقيقة انه لم يسبق للعالم ان خبر او شهد ما تشهده الانتخابات الرئاسية اللبنانية من تدخلات اقليمية ودولية. واذا كان الجانب الامريكي اختار في هذه المرحلة اللعب من خلف الستار وعدم الظهور بشكل علني ليفسح المجال بذلك لوزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير بالعودة الى لبنان للمرة السادسة على التوالي منذ توليه منصبه قبل ستة اشهر لبحث الازمة اللبنانية فقد كان للامين العام للامم المتحدة بان كي مون نفسه الى جانب الامين العام للجامعة العربية عمرو موسى جولاتهما في لبنان وهو ما من شانه ان يذكر الراي العام بان تاريخ لبنان مع الانتخابات الرئاسية لم يكن يوما من دون حسابات او ضغوطات او تدخلات اقليمية او دولية وانه في احيان كثيرة اخرى لم يكن هذا السباق بمنأى عن العنف والدماء والضحايا والاغتيالات، وقد ادرك اللبنانيون منذ استقلال لبنان سنة 1943 مع الاحد عشر رئيسا الذين انتخبوا حتى الان ان موعد انتهاء اللعبة لم يحن بعد وان حالة الغموض المخيم على المشهد السياسي اللبناني لن يتجلى قريبا بعد ان اكدت الزيارات المكوكية للمسؤولين الاجانب في لبنان ان حجم اللعبة يتجاوز حجم لبنان وحدوده الجغرافية الى ما هو اخطر وأعقد مما تسجله اللقاءات السرية او العلنية للفرقاء في لبنان وهم اكثر من يدرك حجم التحديات والمخاطر المرتقبة في هذا البلد الصغير جغرافيا ولكن الكبير استراتيجيا وامنيا وحضاريا على الصعيدين الاقليمي والدولي...