الانقلابات العسكرية بما تعنيه من سطو همجي مسلح على الحكم وحل لمؤسسات الدولة وتعليق العمل بالدستور وأخذ حريات المواطنين وأمن الوطن رهينة ستبقى على ما يبدو وإلى أن يأتي ما يخالف ذلك «اختصاصا» إفريقيا صرفا مع الأسف ... فها أن الأخبار القادمة أمس من جمهورية مالي تشير إلى قيام مجموعة من العسكريين بمهاجمة القصر الرئاسي ومحاصرة الرئيس أمادو توري والسيطرة على مقر الإذاعة والتلفزيون واعتقال عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين ثم إعلان استيلائهم على الحكم... المتحدث العسكري باسم الانقلابيين أشار بحسب ما تناقلته وكالات الأنباء العالمية إلى أن الدافع إلى الانقلاب هو عدم قيام الرئيس المطاح به وحكومته بحل مشكلة «الطوارق» وسلبيته أمام تنامي أنشطة تنظيم «القاعدة» في البلاد... ربما يكون قد شاب أداء الحكومة المالية بعض القصور سواء في المجال الأمني أو الاجتماعي أو السياسي أو غيره... ولكن هذا لا يمثل اطلاقا مبررا للانقلاب على الحكم المدني وعلى الشرعية الدستورية والتحرك عسكريا للانقضاض على الحكم... فالمؤسسة العسكرية خاصة في الأنظمة الجمهورية ومالي نظامها جمهوري دورها معلوم ومحدد... أما وقد وقع المحظور وأبت مجموعة من العسكريين يقودهم نقيب بالجيش المالي إلا أن يكونوا «أوفياء» ل«التقليد» الإفريقي السيء ممثلا في الخيار الانقلابي العسكري المتخلف فإنه يبقى مطلوبا من الشعب المالي ألا يرضخ لهذا النوع من الحكم بالإكراه ومن قواه الوطنية الحية أن تعرف كيف تتحرك ميدانيا وسلميا من أجل الدفاع عن النظام الجمهوري والشرعية الدستورية لا فقط لأنه لا خير يرجى من نظام حكم عسكري انقلابي ولكن أيضا لأن التجربة التاريخية كثيرا ما أثبتت كذب وعود الانقلابيين (المتحدث باسم قادة الانقلاب في مالي وعد بأنه سيتم لاحقا تسليم السلطات إلى حكومة منتخبة). أيضا،،، يبقى مطلوبا من المجتمع الدولي أن يقود من جهته حملة «مقاومة» سياسية شرسة لإسقاط حكم الانقلابيين وحماية الشعب المالي وحريته.. حملة لا تقتصر على اطلاق بيانات الإدانة والتعبير عن «القلق البالغ» مما آلت إليه الأوضاع في مالي وإنما تتعداها إلى أخذ اجراءات تضييق عملية ضد الحكم العسكري الجديد في مالي دفاعا عن مبادئ الشرعية الدستورية وقواعد النظام الجمهورية المدني... إن قضايا الأمن والاستقرار والتنمية لم تعد تمثل في عالم اليوم شأنا «داخليا» بالنسبة لأية دولة أو نظام مهما كانت طبيعته وإنما هي عبء إقليمي ودولي مشترك يجب أن تتقاسم حمله المجموعة الدولية كافة كل من موقعه وبحسب قدراته وإمكانياته... فالسلام والأمن العالميين أضحيا اليوم مرتبطين جوهريا بمستوى درجة الاستقرار والأمن والتنمية وطبيعة الحكم في كل بلد ودولة من بلدان ودول العالم... وعسى أن يكون انقلاب الأمس في مالي ضربة بداية لكي تقطع القارة الإفريقية وإلى الأبد مع «تقليد» الانقلابات العسكرية وأن يكون حافزا للشعوب الإفريقية للتحرك عند الاقتضاء لإفشال أية محاولة مهما كانت طبيعتها تريد أن تطيح بتجربة وليدة في الحكم المدني الديمقراطي...