في اجماع قلما يحدث, تحول احياء يوم الارض في الذكرى السادسة والثلاثين بالأمس الى تأييد شعبي دولي للشعب الفلسطيني في ملحمته النضالية ضد اخر وأفظع أنواع الاحتلال المتبقي في العالم، بل الحقيقة أن كل الحشود التي تسابقت من مختلف أنحاء العالم للانضمام الى تلك المسيرة الحاشدة باتجاه القدسالمحتلة قد أوقعت اسرائيل في موقع لا يخلو من الاحراج ازاء الرأي العام الدولي عموما والغربي خصوصا... وهو الذي ما انفك حتى وقت قريب يردد ما تروجه الة الدعاية المسخرة لخدمة الاحتلال الاسرائيلي والتسويق له بأنه الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الاوسط. ورغم سقوط آخر أوراق التوت التي تواري عورة الاحتلال منذ وقت طويل بفعل المجازر والجرائم الموثقة والمتكررة على مدى عقود في حق الشعب الفلسطيني فقد وجدت سلطات الاحتلال الاسرائيلي المتعاقبة في عقدة الذنب الاوروبية حصنا يدفعها للمضي قدما في فرض سياسة الاستيطان والتهويد والتهجير القسري. دعوات المقاطعة والفتاوى الصادرة على ألسنة الدعاة من الفنادق الفاخرة في العاصمة القطرية بتحريم زيارة القدس واعتبار ذلك مرادفا للتطبيع مع السجان لم تثن النشطاء عن الانضمام الى المسيرة الفلسطينية لانقاذ وحماية ما بقي من أرض فلسطين التاريخية ورمز نضالها القدس. بالأمس تحولت كل الانظار الى فلسطين وتطلعت الذاكرة البشرية الى تلك الرقعة من الارض مهد الانبياء ومسرى الرسول الكريم لتتأمل مسيرة شعب لا يكاد يمر عليه يوم دون أن تمتد قافلة شهدائه لتروي بدمائها الارض التي بها يتمسكون ويرفضون التنازل عنها وتتضاعف فيه أعداد جرحاه وأسراه وأيتامه. لقد كان الصراع ومنذ صدور وعد بلفور الذي منح ما لا يملك لمن لا يستحق يدور حول الارض عنوان كرامة الشعوب وأصلها ووجودها ولم يكن يوم الارض الذي شهد مقتل عدد من الفلسطينيين الذين وقفوا أمام قوات الاحتلال رافضين المزيد من مصادرة وتهويد الأراضي، وما هذا إلا تأكيد على جذور الصراع الحقيقي بكل أبعاده السياسية والتاريخية والحضارية.. من مجزرة قبية الى دير ياسين ومجازر القدس والخليل وحيفا ويافا وصولا الى صبرا وشاتيلا وغزة وبيروت والجولان وغيرها لم تتوقف الالة الحربية الاسرائيلية في استهداف أصحاب الارض وممارسة كل أنواع التطهير العرقي والابادة الجماعية المكشوفة حينا والمقنعة حينا أخر, فلم تتردد اسرائيل في اللجوء الى كل أنواع الاسلحة المحرمة دوليا لاستباحة الارض والدم والعرض وزاد تواطؤ المجتمع الدولي وتجاهله وتردده في ردع ومحاسبة مجرمي الحرب من المسؤولين السياسيين العسكريين الاسرائليين في استهتارهم واستهزائهم بالقوانين والاعراف الدولية وانتهاك أبسط القوانين المتعارف عليها في اتفاقيات جينيف لحماية حقوق الانسان في حالات الحرب والسلم.. مسيرة يوم الارض وان حملت في طياتها رسالة واضحة للعالم عن اصرار الشعب الفلسطيني وارادته التي لا تكسر في استعادة حريته وحقه في السيادة والاستقلال وأكدت أن حقوق الفلسطينيين لا تسقط بالتقادم فانه لا يمكن بأي حال من الاحوال أن يغيب عن الانظار الواقع المأساوي لمختلف فئات الشعب الفلسطيني من الضفة الى القطاع الى أوكار المستوطنات وجدار العار الذي يعزل مدينة القدس ويمزق شمل أبنائها ويهدد مصيرها ويطمس هويتها كل ذلك في غياب التضامن المادي المطلوب لدعم صمود الفلسطينيين وتحفيزهم على البقاء على الارض التي اليها ينتمون. خلال المؤتمر الثالث لمنظمة التعاون الاسلامي دعا قادة الدول العربية والاسلامية الى دعم صندوق القدس لتعزيز صمود أهلها وحماية المقدسات من التهويد, وارتفعت آنذاك دعوات بمشاركة مسلمي العالم بالمساهمة بدولار واحد لتمويل جهود حماية القدس. الا أن المؤسف أن تلك الدعوات لم يتجاوز صداها جدران قاعة المؤتمر ولم تثمر حتى الان القليل ولا الكثير, واليوم فان نقاط استفهام كثيرة تحيط بصندوق القدس الذي بعث منذ تسعينات القرن الماضي تحت رعاية المغرب لحماية ما بقي من مدينة القدس.. ورغم كل الامكانيات والثروات والطاقة التي تزخر بها الارض العربية الغنية بالنفط والغاز فانها لم تهتد الى ما اهتدت اليه دول غربية وآسيوية عندما قررت أن تقتطع من عائدات كل برميل من النفط نصيب من المال لضمان مستقبل الاجيال القادمة, فمتى يكون لأطفال فلسطين وشباب القدس وغيرهم من المنكوبين والبائسين والمشردين والايتام في عالمنا نصيب من طيبات الارض التي ينتمون لها...