الحكاية بدأت بتداول وسائل الاعلام الوطنية وعلى نطاق واسع تصريحا مثيرا منسوبا للفريق رشيد عمّار رئيس أركان الجيوش الثلاثة مفاده انه «عما قريب سيصفر معلنا انتهاء فترة الاستراحة».. هذا التصريح الذي تبين لاحقا انه مكذوب ومختلق ولا «ساس» له ولا «راس» تلقفته بسرعة صحافة الفزاعات والارباك والتحريض لانها رأت فيه ضمنيا «بشائر» تحول في موقف المؤسسة العسكرية من الثورة المباركة وما نتج عنها من مكاسب تاريخية ومن حقائق سياسية جديدة على ارض الواقع.. فها هو رشيد عمار الرجل الاول في هذه المؤسسة الوطنية العتيدة التي انحازت الى الشعب ولم تخذله في ساعة العسرة وانتصرت لثورته على الديكتاتورية والفساد... ها هو بحسب هذا الخبر المكذوب يعلن بلغة كلها غموض واستعلاء.. لغة غريبة بالكامل عن شخص رشيد عمار نفسه وعما عرفه عنه الشعب التونسي من وضوح وصدق وشجاعة وتواضع انه ينوي «التدخل» وانه سيصفر (هكذا) معلنا نهاية فترة الاستراحة.. اما لمصلحة من تنوي المؤسسة العسكرية «التدخل» فالجواب معروف.. فبما ان اعلام الفزاعات والحقد الايديولوجي هو من روج وبحماس منقطع النظير للخبر فان المتضرر المنتظر من هذا «التدخل» لن يكون على الارجح سوى اولئك الذين شفع لهم تاريخهم النضالي المشرف لدى التونسي فاستأمنهم سياسيا ومن خلال انتخابات ديمقراطية فريدة من نوعها وغير مسبوقة في تاريخ تونس المعاصر على «امانة الثورة». بعبارة اخرى المتضرر من هذا «التدخل» لن يكون سوى الفريق السياسي الذي هو في الحكم اليوم وكذلك التجربة الديمقراطية ذاتها فضلا عن عموم التونسيين من مختلف الشرائح والولايات الذين جاءتهم الثورة بالفرج ورفعت عنهم الظلم والقهر والغبن فأصبحوا اعزة في وطنهم بعدما كانوا مقموعين ومحرومين حتى من ابسط حقوقهم الفردية والعامة... لذلك ربما اختلق اعلام الفزاعات والتحريض والارباك هذا الخبر المشبوه المذكوب وجعل يروج له على نطاق واسع... الطريف في «المسألة» ان اول من جاء بهذا «النبإ» زميل صحفي يوصف عادة بانه مطلع وقدير وقد عرف كيف «يؤصله» ويجعل له «قاعدة» يستند اليها.. فالجلسة التي قيلت فيها عبارة «عما قريب سأصفر معلنا نهاية فترة الاستراحة» كانت مضيقة ولم يشهدها سوى وزيرين (رجل وامرأة) وهو ما يضفي على الخبر صبغة «سري للغاية» ويجعله مسلما به لدى من يصله على اعتبار انه لا مجال للاستفسار حوله لدى اطراف اخرى... لا نريد ان نحمل هنا على زملاء لنا في المهنة نحترم تجربتهم وسنهم ولكننا فقط وبعد ان وقفنا على سعة خيالهم في مجال اختلاق الاخبار والتصريحات المثيرة والمربكة التي لا اساس لها من الصحة فاننا ننصحهم بان يعرضوا موابهم الفذة وخدماتهم الجليلة هذه على تلك الفضائيات الاخبارية العربية التي اضحت تعيش على هذا النوع من المادة الاعلامية المفبركة باتقان كلمة وصورة .. اما في تونس ف«المشكلة» ان كل الناس اضحت تعرف «بعضها».. فالشعب التونسي يعرف مثلا من هو الفريق رشيد عمار.. والفريق رشيد عمار يعرف بالمقابل لا فقط من هو الشعب التونسي بل وايضا ماذا يريد تحديدا الشعب التونسي وليس ما تريده صحافة الفزاعات.