السينما التونسية حاضرة بفيلمين في الدورة التأسيسية للمهرجان الدولي للفيلم القصير بمدينة تيميمون الجزائرية    بطولة انقلترا: مانشستر سيتي يكتسح ليفربول بثلاثية نظيفة    الصندوق العالمي للطبيعة بشمال إفريقيا يفتح باب التسجيل للمشاركة في النسخة الثانية من برنامج "تبنّى شاطئاً"    مدير "بي بي سي" يقدم استقالته على خلفية فضيحة تزوير خطاب ترامب    هل نقترب من كسر حاجز الزمن؟ العلم يكتشف طريقاً لإبطاء الشيخوخة    بنزرت ...مؤثرون وناشطون وروّاد أعمال .. وفد سياحي متعدّد الجنسيات... في بنزرت    صفاقس : نحو منع مرور الشاحنات الثقيلة بالمنطقة البلدية    نبض الصحافة العربية والدولية ... مخطّط خبيث لاستهداف الجزائر    "التكوين في ميكانيك السيارات الكهربائية والهجينة، التحديات والآفاق" موضوع ندوة إقليمية بمركز التكوين والتدريب المهني بالوردانين    حجز أكثر من 14 طنًا من المواد الغذائية الفاسدة خلال الأسبوع الأول من نوفمبر    ساحة العملة بالعاصمة .. بؤرة للإهمال والتلوث ... وملاذ للمهمشين    توزر: العمل الفلاحي في الواحات.. مخاطر بالجملة في ظلّ غياب وسائل الحماية ومواصلة الاعتماد على العمل اليدوي    بساحة برشلونة بالعاصمة...يوم مفتوح للتقصّي عن مرض السكري    أندا تمويل توفر قروضا فلاحية بقيمة 40 مليون دينار لتمويل مشاريع فلاحية    العاب التضامن الاسلامي (الرياض 2025): التونسية اريج عقاب تحرز برونزية منافسات الجيدو    أيام قرطاج المسرحية 2025: تنظيم منتدى مسرحي دولي لمناقشة "الفنان المسرحي: زمنه وأعماله"    قابس: حريق بمنزل يودي بحياة امرأة    الليلة: أمطار متفرقة ورعود بأقصى الشمال الغربي والسواحل الشمالية    كاس العالم لاقل من 17 سنة:المنتخب المغربي يحقق أكبر انتصار في تاريخ المسابقة    الانتدابات فى قطاع الصحة لن تمكن من تجاوز اشكالية نقص مهنيي الصحة بتونس ويجب توفر استراتيجية واضحة للقطاع (امين عام التنسيقية الوطنية لاطارات واعوان الصحة)    رئيس الجمهورية: "ستكون تونس في كل شبر منها خضراء من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب"    الجولة 14 من الرابطة الأولى: الترجي يحافظ على الصدارة والهزيمة الأولى للبقلاوة    نهاية دربي العاصمة بالتعادل السلبي    شنيا يصير كان توقفت عن ''الترميش'' لدقيقة؟    عاجل: دولة أوروبية تعلن حظر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال دون 15 عامًا    احباط تهريب مبلغ من العملة الاجنبية يعادل 3 ملايين دينار..#خبر_عاجل    عاجل : فرنسا تُعلّق منصة ''شي إن''    رحيل رائد ''الإعجاز العلمي'' في القرآن الشيخ زغلول النجار    جندوبة: الحماية المدنية تصدر بلاغا تحذيريا بسبب التقلّبات المناخية    تونس ستطلق مشروع''الحزام الأخضر..شنيا هو؟''    حريق بحافلة تقل مشجعي النادي الإفريقي قبل الدربي    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    الديربي التونسي اليوم: البث المباشر على هذه القنوات    أعلاها 60 مم: كميات الأمطار المسجلة خلال ال24 ساعة الماضية    المنتخب التونسي تحت 23 عاما يلاقي وديا السعودية وقطر والامارات من 12 الى 18 نوفمبر الجاري    عاجل: النادي الافريقي يصدر هذا البلاغ قبل الدربي بسويعات    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    أول تعليق من القاهرة بعد اختطاف 3 مصريين في مالي    عفاف الهمامي: كبار السن الذين يحافظون بانتظام على التعلمات يكتسبون قدرات ادراكية على المدى الطويل تقيهم من أمراض الخرف والزهايمر    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    الطقس اليوم..أمطار مؤقتا رعدية بهذه المناطق..#خبر_عاجل    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رجل دولة حارب الجهل والفقر.. ووضع شعبه على طريق الحداثة.. ولكن!
ملفات "الصباح": الذكرى 12 لرحيل الزعيم بورقيبة

«أب حنون لكنه متسلط» - محامي بورقيبة: هكذا خطط بن علي لإبعاد الرئيس عن الحكم - تمر اليوم إثنتا عشرة سنة على رحيل الزعيم الحبيب بورقيبة باني الدولة الحديثة الذي تميزت فترة حكمه بعهدين متباينين الاول تلا الاستقلال
وتمثل في وضع أسس الدولة الحديثة ومحاربة الفقر وتعميم التعليم والصحة المجانيين بينما كانت الفترة الثانية أقل اشراقا وشهدت تكريسا أكبر للدكتاتورية وللجهوية وقد كان لمرض وخرف الزعيم دور في السقوط في منحدر أدى الى وصول خليفته السيء الذكر إلى الحكم في هذا الملف الذي بين أيديكم اليوم محاولة لالقاء الاضواء على مراحل من حياة بورقيبة وتونس اللذين ارادهما الرجل مقترنين على طريقة "زواج مسيحي" لاطلاق فيه وعلى شخصيته.
إعداد: رفيق بن عبد الله سعيدة بوهلال سفيان رجب كمال بن يونس ريم سوودي إيمان عبد اللطيف لمياء الشريف

الأستاذ الطاهر بوسمة : في الفترة البورقيبية أضعنا فرصتين لتعديل النظام الرئاسي والتخلص من الحزب الواحد
" الفكر البورقيبي هو فكر مستنير يمكن الاستئناس به ولكن تطور الزمان وانتشار التعليم والثقافة وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية يحول دون الرجوع إلى تطبيق نفس الأساليب التي ربما كان لها مبرر في ذلك الوقت، فليس لأي كان أن يدعي العصمة والوصاية على الشعب التونسي إذ من حقه أن يباشر شؤونه بنفسه بواسطة انتخابات حرة شفافة نزيهة.
الزعيم الحبيب بورقيبة شخصية استثنائية، له من الكفاءة والمقدرة وبُعد النظر ما أهّله إلى الزعامة، فكان يمتاز بالجرأة وكان لا يخاف أبدا، أول لقاء لي ببورقيبة عن قرب لما كنت معتمدا بحمام بورقيبة التي تبعد 500 متر عن الحدود الجزائرية حيث كان يزورها الزعيم، وهي شجاعة منه في تلك الظروف، بعد أن أعدّ بها مكانا متواضعا للتداوي بالمياه الطبيعية وهي أول تجربة لاستغلال المياه الصالحة لعلاج الحنجرة التي جرّبت لأول مرة على رئيس الجمهورية وكانت هذه جرأة ثانية وشجاعة منه أيضا.
للزعيم بورقيبة سحر خاص بالنسبة للمواطنين، أقول هذا لأنني حضرت الاستقبالات الشعبية وأغلب المعارضين كانوا يتصورون أن هذه الاستقبالات يقع تجييشها بوسائل النقل والاستقطاب، وأنا أقول وأعترف سواء لما كنت واليا على الكاف أو معتمدا على عين دراهم بأنه أسهل إعداد لاستقبال شخصية سياسية وحضور الجمهور كانت زيارة الزعيم الحبيب بورقيبة فلم نكن نحتاج لجلب الجمهور لا ترهيبا ولا ترغيبا، فقد عملت في الإدارة على مدى عشرين سنة لم نكن نحتاج خلالها لا للتزييف ولا للتزويق ولا للتزوير، ومثل ذلك بالنسبة للانتخابات في بداية الاستقلال، كانت قائمات الجبهة القومية تفوز بالأغلبية سواء في المجلس التأسيسي أوفي البرلمان أو في المجالس البلدية بالرغم من وجود قائمات الحزب الشيوعي وبعض قائمات المستقلين، فالفوز بالأغلبية كان نتيجة أن التحالفات في الجبهة الوطنية تقع قبل الانتخابات وتجمع كل القوى الحية مما يحول دون نجاح قائمات الأحزاب الأخرى أو قائمات المستقلين.
أول هزة
يمكن القول بأن أول الهزات في النظام البورقيبي بدأت منذ مؤتمر بنزرت 1964، بعد تخليص تونس من رواسب الاستعمار وإبدال نظام الحكم من نظام ملكي إلى نظام جمهوري في 25 جويلية 1957، حيث وقع تغيير اسم الحزب وأصبح يسمى بالحزب الاشتراكي الدستوري بعد أن كان الحزب الحر الدستوري وذلك باتخاذ نظام اقتصادي اشتراكي يرتكز أساسا على قطاعات ثلاثة عام وخاص وتعاضدي، إلا أن تلك التجربة التي تعهد بتنفيذها خاصة وزير الاقتصاد الأستاذ أحمد بن صالح لم تكن محل إجماع وتم الرجوع عنها سنة 1969 بحجة أن قطاع التعاضد تغول على بقية القطاعات العام والخاص فكانت أول نكسة في الحكم في تونس ترتب عنها تغيير في السياسات التونسية وإبدال الحكومة بعد أن كان ترأسها الباهي الأدغم بالهادي نويرة.
في أواخر 1970 وقع حل الديوان السياسي وتشكيل هيئة قامت بإعداد مؤتمر الحزب الذي تمّ في أكتوبر 1971 وسمي بمؤتمر المنستير الأول، فانقسم الدستوريون وكنت في ذلك الوقت حاضرا بصفتي واليا على الكاف كملاحظ وكان من نتائجه خروج عديد المناضلين عن الخطّ الذي كان يسير عليه بعض المتشددين وقد ساندهم الرئيس بورقيبة في ذلك التشدد.
الفرصة الضائعة
كانت نية الإصلاحيين هي الالتزام بالانتخاب داخل الحزب في كل مستوياته وإدخال مزيد من الديمقراطية في الحياة السياسية إلا أن الرئيس بورقيبة رأى أن الوقت لم يحن بعد وهو ما استوجب مساندة الشق المتشدد الذي استقر على الحكم برئاسة الهادي نويرة ولاكتساب شرعية لهذا التمشي انعقد مؤتمر المنستير الثاني سنة 1974 لتكريس ذلك التمشي.
وأرى شخصيا أننا بذلك فوتنا على أنفسنا فرصة للتخفيف من النظام الرئاسي ونظام الحزب الواحد ونظام الصوت الواحد، وزاد على ذلك ما اقترحه البعض في مؤتمر 1974 من ضرورة تقليد الرئيس بورقيبة الرئاسة مدى الحياة الشيء الذي أفقد تونس ديمقراطية كان يُمكن لها أن تنميها وتخرج من نظام الحزب الواحد وقد تجنبها أحداث الخميس الأسود يوم 26 جانفي 1978 حيث وقع صدام بين الحزب والإتحاد العام التونسي للشغل الذي أراد زعيمه الحبيب عاشور الانفصال عن العضوية في الديوان السياسي واستقلالية المنظمة عن الحزب فكانت سببا في تلك الأحداث.
كما أنه في سنة 1974 وبالتحديد يوم 12 جانفي قام الزعيم الحبيب بورقيبة بالإمضاء على اتفاقية الوحدة الاندماجية مع ليبيا دون الرجوع إلى المؤسسات الشرعية ولكن تلك الوحدة وقع إفشالها ولم تر النور مما خلق شيئا من التوتر بين تونس وليبيا في تلك الفترة، فسعى القذافي إلى الأخذ بثأره وكوّن مجموعة من المغامرين دخلت عبر التراب الجزائري إلى قفصة في 26 جانفي 1980 محاولة زعزعة النظام وهو ما نتج عنه العديد من الضحايا وخلفت انهيار الوزير الهادي نويرة الذي أصيب بجلطة أفقدته إمكانية مواصلة الحكم مما استوجب تغييره بالوزير محمد مزالي الذي تمكن من تعديل المسار بتطهير المناخ السياسي والاجتماعي وإطلاق سراح كل المسجونين السياسيين بما فيهم قادة الإتحاد العام التونسي للشغل وتحرير الإعلام ومحاولة بناء ديمقراطية في تونس.
الفرصة الثانية الضائعة
وكان مؤتمر 1981 أكسب شرعية لذلك المسار حيث أعلن الحبيب بورقيبة في خطاب الافتتاح بأنه لا يرى مانعا من وجود تنظيمات سياسية بشرط أن تنبذ العنف والتعصب وهذا ما مكن من رفع التحجير عن الحزب الشيوعي والترخيص إلى حزب الديمقراطيين الاشتراكيين بقيادة السيد أحمد المستيري.
وقد وقع حل مجلس النواب إراديا، بعد تنظيم انتخابات اللجنة المركزية التي تشمل 80 عضوا وهي أعلى سلطة في الحزب وقد كنت من الفائزين، للقيام بانتخابات تعددية نزيهة وشفافة كان ذلك في نهاية سنة 1981، إلا أن الشق المتصلب في الحزب والحكومة لم ير في ذلك التمشي ما يُناسبه فأثروا على الرئيس الحبيب بورقيبة وزينوا له تزوير تلك الانتخابات وبالتالي رجعت حليمة إلى عادتها القديمة.
فأرى شخصيا أنها كانت الفرصة الثانية التي كان بالإمكان أن تُجنب تونس الإنزلاقات ومنها الاستيلاء على الحكم ليلة 7 نوفمبر 1987 بحجة أن الرئيس أصبح عاجزا عن أداء مهامه بشهادة طبية ثبت أنه لم يقع فحص الرئيس قبلها ولكن وقع ذلك كله ليلا تحت جنح الظلام واستولى الوزير الأول زين العابدين بن علي على الحكم بحجة الشغور في منصب رئيس الجمهورية، لكن" الشاهية" تغلبت على الجنرال بعد أن أكد في بيان السابع من نوفمبر على ضرورة إخراج تونس من الديكتاتورية ومن الحكم الفردي والتداول على السلطة ولكنها كانت وعودا كاذبة آلت بنا إلى ما عانته تونس طيلة 23 سنة من الحكم الفردي الجائر الخارج عن القانون والذي اتضح أنه تمثل في عصابة سرقة واستيلاء على مقدرات وخيرات تونس وبدون حساب.

المناضل رشيد التراس: بورقيبة حداثي تقدمي فرض التعليم.. حقوق المرأة..وطور المجتمع
"الزعيم الحبيب بورقيبة كان رجلا حداثيا.. يتوق لتطوير ذهنيات الناس والنهوض بهم، وكان تحسين مظهرهم وحالتهم الاجتماعية هاجسه الأكبر وحلما ظل يراوده طيلة حياته ".. هذا ما أكده الدكتور والمناضل رشيد التراس في حديث معه عشية احياء ذكرى وفاة الزعيم بورقيبة
وقال المناضل الذي كان أحد قادة معركة الجلاء ببنزرت متحدثا عن شخصية الراحل الحبيب بورقيبة :" بورقيبة زعيم أحببناه واحترمناه وعملنا معه طويلا واستأنسنا بآرائه وتجاربه.. فلما كنت مسؤولا عن الحزب في مدينة بنزرت ثم كاتبا عاما للشعبة الدستورية بمنبليي في فرنسا ثم عضوا في اللجنة العليا للشعبة الدستورية بتونس، كنت أحب في الزعيم نضاله وصموده وصبره ومثابرته وتضحياته التي مكنت البلاد من التخلص من غياهب الاستعمار وتنسّم عبير الحرية"..
وأضاف :" لما كنت طالبا بباريس كنت اتقد حماسة كلما استمعت إلى خطاباته الاسبوعية التي كان يلقيها أمام الطلبة هناك، وكنت أتنازل عن حضور بعض التربصات التي يجب علي القيام بها في المستشفيات الفرنسية، لكي أجد ما يكفي من الوقت لتوزيع خطاباته على جميع الطلبة التونسيين في فرنسا وعلى بقية طلبة جمعية شمال افريقيا.. وهي خطابات كانت تشحننا نحن الشباب بالاندفاع وحب الوطن"..
واستدرك الدكتور التراس :"لكن سرعان ما بدأت أكتشف زلات الزعيم وأخطاءه.. إذ كانت حرب بنزرت التي ساهمت فيها وكنت أحد قادتها وشاهدا عليها، أحد أبرز هذه الأخطاء، لأنه لم يقع الاستعداد لها كما يجب، ونتيجة لذلك بدأ نجم بورقيبة الذي كان يبهر العين يأفل، ومع تكرر الأخطاء وتعددها، صرت أحترز منه"..
وأضاف الدكتور التراس :" زيادة على حرب بنزرت، ارتكب الزعيم أخطاء أخرى لا تقل عنها وقعا، على غرار إقرار سياسة التعاضد التي سرعان ما فشلت، ثم اضطهاده للطلبة الذين عارضوا سياسته وتوجهاته، خاصة جماعة حركة آفاق اليسارية المعروفة ب "برسبكتيف".. إذ تعسف الزعيم على أعضائها وعذبهم في السجون ومراكز الإيقاف".
وقال الدكتور رشيد التراس ان بورقيبة انتهى منذ اقراره الرئاسة مدى الحياة.. ولعل ما ضاعف الأزمة هو تعكر حالته الصحية وتدهورها من سنة إلى أخرى إلى أن بلغت الدولة مرحلة شديدة من الضعف.
وأمام هشاشة وضعه الصحي أحاط بالزعيم أناس وأقارب لا علاقة لهم بالسلطة لكنهم صاروا يحكمون ويتدخلون في جميع شؤون البلاد، وظل الوضع مترديا إلى سنة 1987عندما تسلم بن علي مقاليد السلطة.. لكن للأسف لا أحد من البورقيبيين الذين تلعلع أصواتهم الآن بخصال بورقيبة احتج أو نظم مظاهرة للتنديد بما وقع..
حملات قومية
وإجابة عن سؤال يتعلق بالسبب الذي جعله يعتبر بورقيبة حداثيا، أجاب الدكتور التراس أن الزعيم الراحل قام بعدة حملات قومية لنشر التعليم وفرضه فرضا.. كما نظّم العديد من الحملات القومية لتحسين الهندام والمظهر والمسكن والقضاء على الأكواخ وأخرى للنهوض بوضعية المرأة وتحسيسها بحقوقها التي تضمنها لها مجلة الأحوال الشخصية.
كما اهتم الزعيم التقدمي، بالتنظيم العائلي، ونفى الدكتور التراس أن يكون بورقيبة فرض سياسة تحديد النسل على النساء بالقوة، وقال في هذا الصدد:" بصفتي طبيب نساء وتوليد، كنت أشتغل في مجال التنظيم العائلي، ولم يكن عدد الأطباء في هذا الاختصاص يتجاوز وقتها العشرة.. لكننا كنا مقبلين باندفاع لا يوصف على العمل.. وواجهنا في البداية رفضا كبيرا من الناس حتى أننا حينما كنا نتنقل إلى الأرياف كان الأهالي يتعمدون إطلاق سراح كلابهم لمنعنا من الوصول إلى أكواخهم خوفا من هذا الذي يسمى التنظيم العائلي.. لكن بفرض بورقيبة تعليم المرأة، تطور المستوى الثقافي للتونسيات، وساهم ذلك في انتشار الوعي بأهمية التعليم والصحة لديهن، وأدركت المرأة بفضل الحملات التحسيسية التي كنا نقوم بها ومن تلقاء نفسها أيضا أنها بتحديدها النسل يمكنها أن تتمتع بحياتها أفضل وأن تحافظ على صحتها وترعى أبناءها وتشتغل أيضا"..
وقال محدثنا إنه لاحظ بعد سنوات من ممارسته المهنة أن عدد الأطفال بالنسبة لكل امرأة بدأ يتقلص.. ففي البداية كان لأغلب من يفحصهن من النّساء سبعة أو ثمانية أطفال لكل امرأة، ثم انخفض العدد وأصبحت تعوده نساء أنجبن ثلاث أو أربع مرات فقط، وهو مؤشر جيد انعكس إيجابيا على نوعية الحياة.
وأضاف الدكتور أن نجاح سياسة التنظيم العائلي وزيادة على الترحيب الذي كانت تلقاه من الزعيم بورقيبة، مرده أيضا تجند الأطباء التونسيين المختصين في النساء والتوليد ومثابرتهم واعتبارهم هذا العمل رسالة.. ولعل ما يؤكد هذا القول هو أن التنظيم العائلي نجح في الولايات الساحلية التي عمل فيها أطباء تونسيون أكثر من الولايات الداخلية التي كان أطباء النساء والتوليد فيها أجانب.

المؤرخ خالد عبيد: لنتعظ من الماضي حتى لا تتكرر أخطاؤه مرة أخرى
ما يمكن ملاحظته أن الموقف من بورقيبة بات محل سجال وجدل فبعضهم يريد أن يكون محاكما لهذا الزعيم والبعض الآخر يريد أن يكون مدافعا مستميتا عنه.
بوصفي مؤرخا أريد أن أنأى بنفسي عن هذه التجاذبات التي أعتقد مخلصا أنها لن تفيدنا في أن ننظر إلى المستقبل، بل إنها تشدنا أكثر إلى الماضي الأليم ونعني خاصة ما أسميه بفترة "التكيّن" الوطني أي بدايات دولة الاستقلال.
لقد أصبح بورقيبة في ذمة التاريخ وهنا أريد أن أفرق بين فترتين، فترة النضال الوطني والتي اكتسب فيها شرعية تاريخية لن تجد من المؤرخين الأكاديميين من يشكّك فيها، وفترة بناء الدولة والتي حدثت في بداياتها تجاوزات بل وأذهب أبعد من ذلك فهي جرائم. وهنا أقول لكل من يدافع عن البورقيبية بصفة عمياء أن الاعتراف بما حدث وتقبل ما حدث في تلك الفترة يعتبر موقف قوة وليس ضعفا.
كما أقول لكل من يجرّم البورقيبية ويخوّن أنه لافائدة من ذلك فالوقوف على الأطلال والدعاء بالويل والثبور لن ينفعنا حاليا كي ننظر إلى الأمور برويّة وتمعن. فلا يجب أن نقع في نفس ما وقع فيه نظام الحبيب بورقيبة.
بالنسبة لي أنا ضدّ شيطنة الرموز كما أنني ضدّ تسييس التاريخ، فرغبتي هي أن نتّعظ كلنا من الماضي الأليم وما خلفه من أحقاد ذاكريّة، وذلك من خلال محاولة فهم ما جرى آنذاك وتحديد المسؤوليات التاريخية وفق آليات العدالة الانتقالية حتى ينتهي هذا الجرح الدامي في ذاكرتنا الجماعية، والأهم من كل ذلك حتى لا يتكرّر أبدا -حاليا أو في المستقبل- ما حدث في الماضي.
إن الرجوع بقوة الآن إلى ما بات يعرف بالبورقيبية أو اليوسفية أي الشيء وضدّه، هو تعبير عن أننا نعيش كتونسيين حالة مرضية ننزع فيها إلى البحث عن القائد الملهم والزعيم الأوحد، وقد احتدّ الأمر هذه الأيام أكثر فأكثر أمام ما يعيشه التونسي من واقع لا فائدة في الإفاضة فيه مما جعله يحنّ إلى المنقذ الافتراضي أمام غياب المنقذ الحقيقي.
وهو ما يعني أننا لم نتخلص بعد من وصاية "الآخر الفرد" على "نحن الجمع"، فهل أن قدرنا كتونسيين أن نبقى دائما نبحث عن هذا المنقذ؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.