خلال 24 ساعة فقط.. وفاة 21 شخصًا    قرار قضائي بتجميد أموال شركة بيكيه لهذا السبب    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    خطير/بينهم تونسيون: قصر يتعرّضون للتعذيب في أحد السجون الإيطالية..    جلول: أفكر جديا في الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.    عاجل/ تعطل الدروس بالمدرسة الإعدادية ابن شرف حامة الجريد بعد وفاة تلميذ..    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يواصل التحضيرات بجنوب إفريقيا    اليوم النظر في شرعية القائمات الثلاث المترشحة لإنتخابات جامعة كرة القدم    كانت متّجهة من العاصمة الى هذه الجهة: حجز مبلغ مالي على متن سيارة اجنبية    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الأربعاء 24 أفريل 2024    مفزع/ حفل زفاف يتحول الى مأساة..!!    تحول جذري في حياة أثقل رجل في العالم    الاتحاد الأوروبي يمنح هؤلاء ''فيزا شنغن'' عند أول طلب    جنوب إفريقيا تدعو لتحقيق عاجل بالمقابر الجماعية في غزة    التمديد في مدة ايقاف وديع الجريء    توقيع اتفاقية تعاون بين وزارة التشغيل وبرامج ابتكار الأعمال النرويجي    ماذا ستجني تونس من مشروع محطة الطاقة الكهروضوئية بتطاوين؟    شكري الدجبي يطالب بمواصلة العمل بالإجراء الاستثنائي لفائدة الفلاحين    البطولة الإفريقية للأندية البطلة للكرة الطائرة: ثنائي مولودية بوسالم يتوج بجائزة الأفضل    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة بقطاع غزة..    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    قفصة: الاطاحة بمروجي مخدرات وحجز كمية من المواد المخدرة    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    اختناق عائلة متكونة من 6 أفراد بغاز المنزلي..    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    لطفي الرياحي: "الحل الغاء شراء أضاحي العيد.."    الحماية المدنية: 21 حالة وفاة و513 إصابة خلال 24 ساعة.    %39 زيادة رصيد الخزينة العامة.. دعم مكثف للموارد الذاتية    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    بطولة كرة السلة: برنامج مواجهات اليوم من الجولة الأخيرة لمرحلة البلاي أوف    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    الطقس اليوم: أمطار رعديّة اليوم الأربعاء..    أريانة: إزالة 869 طنا من الفضلات وردم المستنقعات بروّاد    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    رسالة من شقيقة زعيم كوريا الشمالية إلى العالم الغربي    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    الألعاب الأولمبية في باريس: برنامج ترويجي للسياحة بمناسبة المشاركة التونسية    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    عاجل/ منها الFCR وتذاكر منخفضة السعر: قرارات تخص عودة التونسيين بالخارج    إكتشاف مُرعب.. بكتيريا جديدة قادرة على محو البشرية جمعاء!    يراكم السموم ويؤثر على القلب: تحذيرات من الباراسيتامول    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لم ألمس منه أبدا رغبة في الحكم.
محمد (صالح) الشلي يتحدث عن الحبيب عاشور كما لم يفعل من قبل: تعرفت عليه لأول مرة بعد الافراج عنه من منفاه في المحرس
نشر في الشعب يوم 13 - 03 - 2010

بمناسبة الاحتفال بذكرى وفاة الزعيم النقابي والوطني الحبيب عاشور، لم نجد، للحديث عنه، افضل من دعوة احد المناضلين الذي عايشوه وعملوا تحت امرته ليكشف لنا ولمن لم يعرفه من المناضلين الشبان خفايا نضالات الرجل ورحلة عمره بين النضالين النقابي والحزبي وخاصة دوره في المعارك السياسية الكبيرة التي شهدتها البلاد والازمات التي شهدها الاتحاد سواء منها الداخلية اوالمفروضة عليه ضيفنا في هذه الحلقة هو الاخ محمد الشلي المعروف لدى عامة النقابيين باسم صالح الشلي الكاتب العام السابق للنقابة العامة لاعوان ديوان البحرية التجارية والموانىء، فكان معه الحديث التالي:
س / بدأنا معه الحديث من حيث يجب ان يبدأ فسألنا ه ان يقدم نفسه للاجيال الجديدة من النقابيين ويذكر بماضيه من قد يكون نسيه من بين اصدقائه ورفقائه وأفرادعائلته .
ولدت في قرقنة سنة1934 وبعد دراستي الابتدائية، انخرطت في سلك التعليم الزيتوني بصفاقس وتعرفت على الناشطين من منظمة صوت الطالب الزيتوني التي كانت تناضل من أجل عدة مطالب. فقد كان الطلبة الزيتونيون لا يترددون عن شن الاضرابات وتنظيم المظاهرات واغتنام اي مناسبة من المناسبات للقيام باضرابات كان بعضها عشوائيا. ونتيجة لذلك، انقسمت المنظمة فانشقت جماعة عن صوت الطالب وكونوا بمساعدة الحزب الحر الدستوري منظمة موازية سموها كتلة الدفاع عن المطالب الزيتونية. في الأثناء، بعث الإتحاد العام لطلبة تونس في فرنسا وتكونت له عدة فروع في تونس. كما تكونت فروع في صفاقس بالمعهد الفني والمعهد الثانوي وكذلك أيضا في المعهد الزيتوني حيث تم تكوين الفرع (الذي كنت عضوا في هيئته) بعد جهد جهيد وبعد اصطدام مع منظمة صوت الطالب.
س / كيف تعرّفت على الأخ الحبيب عاشور وفي أي ظروف؟
كان الاخ الحبيب عاشور في ذلك الوقت منفيا في مدينة المحرس او بالأحرى تحت الاقامة الجبرية تنفيذا للحكم الصادر ضده عقب احداث 5 أوت 1947، فبمجرد تعيين الجنرال بوايي ديلاتور Boyer de latour مقيما عاما في تونس، قرر الإفراج عن الأخ الحبيب عاشور ضمن سلسلة من الاجراءات بادر باتخاذها لتهدئة الاجواء في البلاد نتيجة تصاعد وتيرة النضال الوطني. في نفس الفترة تقريبا، دعاني الأخ الصادق بسباس الذي كان قد التحق بجريدة الصباح الى أن أحل محله كمراسل لجريدة الزيتونة التي كان يديرها الشيخ الشاذلي النيفر بمساعدة عمر شاشية وجمع الاشتراكات لفائدتها.
لذلك وبعد الإفراج عن الأخ الحبيب عاشور، انعقد اجتماع في دار الإتحاد بحضور الاخ أحمد بن صالح كاتب عام الاتحاد آنذاك فحضرته كمراسل صحفي لنقل ما دار فيه لجريدة الزيتونة. وبهذه المناسبة بالذات، تمكنت من التحادث مع الاخ الحبيب عاشور حيث قدمت له تهاني بالافراج.
ثم وبحكم مسؤوليتي في اتحاد الطلبة، كنت أتردد خلال ساعات الفراغ على مقر الجامعة الدستورية إما للقاء الطلبة أو للإجتماع الدوري أو للإجتماعات المشتركة مع الفروع الأخرى.وهناك تعرفت على جل المسؤولين عن الشعب وأعضاء الجامعة الدستورية، ان لم أقل كلهم .
وأذكر انه في احدى المرات، دعاني رئيس شعبة صفاقس المدينة الى مكتبه وأعلمني بتاريخ انعقاد المؤتمر قائلا : ان بورقيبة المنفي في جزيرة لاقروا بعث رسالة إلى الحزب طالبا انتخاب الحبيب عاشور رئيسا للشعبة مكان المرحوم الهادي شاكر وأنه (بورقيبة) غير راض على مساهمة صفاقس في النضال الوطني وأضاف رئيس الشعبة أني أطلب منك أن تساعدني لنبعد الحبيب عاشور. وفي هذا الاطار كلفني بإعداد قائمة اسمية لبعض معارفي من الطلبة أو من غيرهم فأسلم لهم بطاقات انخراط (مجانا) لتمكينهم من حضور المؤتمروتشكيل أغلبية قادرة على ضمان فوز الاعضاء القدامى.
بعد تردد، قبلت القيام بالمهمة وبعد أيام سلمته قائمة بها أسماء وهمية لاشخاص غير موجودين اطلاقا، فسلمني يومين قبل المؤتمر 255 بطاقة و 255 استدعاء لحضور الأشغال.
وفي يوم المؤتمر الذي عقد بمعصرة بوريشة طريق قرمدة (شعبة صفاقس المدينة أكبر شعبة تعد آنذاك حوالي 1500 منخرط) تمكنت من الدخول متخفيا من باب خلفي بمساعدة أحد المعارف.
حضر المؤتمر المرحوم الطيب المهيري وترأس أشغاله، فبعد الخطب والتقرير الأدبي والنقاش الذي كان حادا، طلبت الكلمة وسلمت للسيد الطيب المهيري البطاقات والإستدعاءات قائلا له انا فلان طالب بالمعهد الزيتوني حالتي المادية معروفة ولا يمكنني أخذ هاته البطاقات ودفع مقابلها وهي التي سلمها لي رئيس الشعبة محمود كريشان ليضمن نجاحه ويبعد أحد المترشحين. وقد فعلت ذلك ليس نكالة في الشخص عن مبادئ الحزب.
تواصل المؤتمر واثر الانتخابات وفرز الاصوات، كان الحبيب عاشور في مقدمة الناجحين لكنه، يوم توزيع المسؤوليات، امتنع عن الحضور رغم الحاح الطيب المهيري والمنجي سليم وعلالة البلهوان وحسبما علمت فيما بعد انه قال أنا جئت للتوحيد لا للتفريق ومكاني في الإتحاد وليس هنا، فوقع توزيع المسؤوليات وأسندت رئاسة الشعبة للدكتور أحمد علولو.
طبعا ترتب عن صنيعي في مؤتمر الشعبة انعكاس سيىء على حياتي المدرسية. ففي احدى المناسبات، أقامت فروع المعاهد الثلاثة التابعة لإتحاد الطلبة سوقا خيرية كنت ضمن ناشطيها، واثناء النشاط، اتصل بي قيم المعهد وسلمني رسالة فحواها قرار طردي من المعهد من طرف مجلس التأديب لمدة ثلاث سنوات فاتصلت في الحين بالاخ الحبيب عاشور وأعلمته بالقرار وشرحت له أن القضية مفتعلة وليس لها نصيب من الصحة فانا لم استوجب ولم أبحث ولم استدع ولم أحضر مجلس تأديب ولذلك فان القرار ناتج عمّا فعلته في مؤتمر الشعبة. فقام الأخ الحبيب عاشور بالإتصال بمدير المعهد الذي تهرب من شرح الحقيقة. وزاد فاتصل برئيس الحكومة السيد الطاهر بن عمار (المعهد الزيتوني يتبع الوزارة الأولى) وبعث له رسالة مع نسخة من قرار الطرد. كما قام اتحاد الطلبة بنفس الإجراء.
أما الصديق والأخ الصادق بسباس فقد وقف بجانبي ونشر عدة مقالات على صفحات جريدة الصباح مطالبا فيها برفع المظلمة عني وبفتح تحقيق لمعرفة ملابسات القضية.
وهكذا، فقد حرمت من اجتياز امتحان الأهلية بدورة جوان 1955 .لكن نتيجة للتدخلات التي ذكرت ومنها تحول الأخ الحبيب عاشورالى العاصمة لمقابلة السيد الطاهر بن عمار في الوزارة، تحصلت على قرارالغاء الطرد وبذلك تمكنت من اجتياز امتحان شهادة الأهلية في دورة سبتمبر.
بعد ذلك، انتقلت إلى العاصمة لمواصلة التعليم وعملت في أوقات الفراغ مع أسرة جريدة الزيتونة . كما عملت بالإتحاد التونسي للشغل، المنظمة التي انشقت عن الاتحاد العام حيث اتصل بي الأخ الحبيب عاشور ومكنني من العمل مقابل منحة لمساعدتي على مواصلة الدراسة. كما أنني وبعد الإجتماع الذي دعا له الآخوان أحمد التليلي والحبيب عاشور واتفاقهما على توحيد الإتحاد العام التونسي للشغل، ساهمت في عملية توحيد النقابات.
س/ هل اصبحت مسؤولا نقابيا أم بقيت موظفا في الاتحاد بعد توحيده؟
لا هذا ولا ذاك، بل واصلت تعليمي، لكن بعد الإعتداء على ساقية سيدي يوسف يوم 8 فيفري 1958، قررت الحكومة تونسة الاطارات العاملة في المنارات البحرية. فاتصل المرحوم الباهي الأدغم رئيس الحكومة آنذاك ووزير الدفاع الوطني بالاخ الحبيب عاشور وطلب منه المساعدة على انتداب بعض الشبان من أصيلي جزرقرقنة وجربة للعمل بالمنارات البحرية. لذلك استدعاني الأخ الحبيب عاشور وأعلمني بالأمر وعرض علي الاستجابة للطلب. ونظرا لحالتي المادية الضعيفة، انقطعت عن التعليم (وحرمت من اجتيازامتحان شهادة التحصيل) وذهبت للعمل في منار"كاب سيرات ثم منارات أخرى الى ان وقع تعييني في منار ميناء حلق الوادي وكنت، كلما سنحت الفرصة وخاصة خلال أيام العطل، ألاقي سي الحبيب وأتابع أخباره.
س / هل تذكرأحداثا مهمة جلبت اهتمامك، فما هي ومتى حصلت في علاقة بالاخ الحبيب عاشور، الذي هوموضوع حديثنا بمناسبة احياء ذكرى وفاته؟
والله ان المحطات اوالاحداث كما قلت كثيرة لكنني سأمضي بك مباشرة الى سنة 1964 التي شهدت تحولات كبيرة وخطيرة بدأت بمحاولة ضم التعاضديات التي أسسها الاتحاد بالقوة الى التعاضديات التي كان يجري تاسيسها في اطار سياسة التعاضد التي كان السيد احمد بن صالح بصدد تنفيذها. ولما فشلت المحاولة وتصدى الاتحاد، اتخذ مؤتمر الحزب الذي انعقد في بنزرت قرارا باخضاع المنظمات الوطنية الى ادارة الحزب وجعلها خلايا تابعة له، فلما لم يمكن تنفيذ القرارنظرا لتصدي النقابيين، ظهرت الشعب المهنية لمنافسة النقابات، وختمت السلسلة بقرار تخفيض الدينار. في نفس المدة، دعاني الاخ الحبيب عاشورالى العودة الى قرقنة للعمل في نزل تملكه شركة احياء جزر قرقنة كمقتصد فوافقت وشرعت منذ افريل 1965 في العمل بالنزل المذكور. وبعد أيام قليلة، احترقت الباخرة الرابطة بين قرقنة وصفاقس يوم 7 جوان 1965 واثره مباشرة، رفع مجلس الامة الحصانة عن الاخ الحبيب عاشور رغم تدخل المرحوم الاخ احمد التليلي 17 مرة دفاعا عن زميله ورفته من الديوان السياسي مما سهل عملية القبض عليه يوم3 جويلية من نفس السنة وايداعه السجن بعد تحميله مسؤولية حادث الباخرة بما انه كان رئيس مجلس ادارة الشركة المالكة لها ومن الصدف ان رفع الحصانة تم يوم 28 جوان 1965 وهو اليوم الذي توفي فيه المرحوم الطيب المهيري ويذكر ان التليلي زاره في بيته وروى له ما حدث، ويقال انه انفعل ودخل في غيبوبة الى ان فارق الحياة.
س/ هل فعلت شيئا معينا، كيف كانت ردة فعل النقابيين؟
لم اطق البقاء في قرقنة حيث كنت اجد نفسي بعيدا عن مسرح الاحداث فتحولت الى صفاقس لمحاولة عمل اي شيء، اصدار بيانات ولوائح وربما تنظيم مظاهرة اواحتجاج. لكن الشرطة كانت اسرع مني فالقت علي القبض فجر يوم 4 جويلية للتحقيق معي حول كتابات على جدران المدينة نادت بحياة الحبيب عاشور وسقوط بورقيبة والباهي الادغم. وبعد ثلاثة أيام، أخذوني مقيد اليدين في سيارة صحبة عونين من الشرطة الى تونس حيث بدا البحث والتعذيب في آن واحد.
قضيت تسعة أيام تحت التعذيب الذي كان يتم قبل دخول الموظفين ثم بعد الساعة الواحدة وفي الليل يجردونني من ثيابي ويقيدون يدي ويضعونني معلقا بين طاولتين فيما خمسة أعوان يتداولون على الضرب والتعذيب.
كنت من فرط التعذيب، أقول لهم أنا الذي كتبت لكن عند البحث والتحرير أتراجع وأذكر لهم كل شوارع صفاقس شارعا شارعا ما عدا ذلك الذي وقعت فيه الكتابة لأني كنت أجهله. ولوعلمت به قبل القبض علي لكنت صرحت به وليحكموا علي بأي حكم يريدون.
في اليوم الرابع من اقامتي في إدارة الأمن ممددا على " زاورة" تحت حراسة عونين، وحوالي الساعة الخامسة صباحا، سمعت أصوات شرطة التعذيب فصاح العون المكلف بحراستي والجالس أمام الباب "هام جاوا " فالتحق به زميله الجالس بجانب شباك يطل على شارع بورقيبة ليرى ما كان يجري فانتهزت الفرصة وحاولت القاء نفسي من الشباك ولولا عناية الله ويقظة الشرطي الذي جذبني ورمى بي أرضا لكنت انتحرت. لذلك ولما يئسوا مني، أرجعوني إلى صفاقس حيث بقيت في سجن منطقة الشرطة إلى 2 أوت1965 . يومها أعلمني شرطي كان متعاطفا معي أن أمين عام الجامعة العالمية للنقابات الحرة تقابل مع بورقيبة ويقال أن الحبيب عاشور سيطلق سراحه وربما أنت أيضا. وبالفعل استدعاني محافظ الشرطة وأعلمني بقرار الإفراج ومع هذا قال لي سترجع إلي في أقرب وقت لأنك أخفيت الحقيقة وأمربجلب حلاق لحلق ذقني وشعري الذي كان قد طال كثيرا. وصادف ان كان ذلك اليوم موعد الراحة الاسبوعية للحلاقين فقال المحافظ" جيبوه من السماء" لنحرم الشلي من تخليد هذا المنظرفي صورة كلما شاهدها تذكرنا وتذكر ما فعلناه فيه. وفعلا أتوا بحلاق .
س/ ماذا حصل لك بعد هذه المغامرة؟
ذهبت إلى النزل الذي كان يتردد عليه سي الحبيب في قرقنة كلما سنحت الفرصة ورويت له كل شيء . وقد وقع من بعد استدعائي عدة مرات والحديث على نفس التهمة و طلب مني أن أكون مخبرا عن كل ما يقوله سي الحبيب، ولما رفضت أوعزوا إلى مدير النزل لإقلاقي رغم العلاقة التي كانت تربطني.أبيت أن أحرجه فقدمت استقالتي ورجعت إلى العاصمة وبعد فترة من البطالة تمكنت من الرجوع إلى ميناء تونس حلق الوادي وكنت كلما أجد الفرصة ألاقي سي الحبيب وكنا في الحقيقة كلنا نتألم للأوضاع حيث بعد فشل سياسة التعاضد حيث كادت البلاد تذهب إلى الهاوية بعد ان استفحل الفقر والبطالة فلا تصدير ولا توريد، المغازات والمحلات فارغة من السلع وربما يكون عندك فلوس لكن لا تجد ما بها تشتري فالناس باعوا مواشيهم وأرزاقهم وانتشر الفقر وبعض الناس أصيبوا بأزمات والشركات عجزت عن خلاص أجور عمالها ومنها ديوان المواني، بحيث أن الوضع اصبح متوترا للغاية وتزايد التذمر والغليان والنقاشات الحادة والخصومات والخلافات حتى في صلب العائلة الواحدة وخاصة بين المنتفعين من الأزمة والمتضررين وقد نشط أعضاء الشعب لتتبع حركات الناس ونقل أخبارهم وأقوالهم والكثيرون تعرضوا للإستجوابات وحتى المحاكمات.
س / لم يكن هناك نشاط نقابي يذكر، فمتى انفرجت؟
بعد الوضع الذي ذكرته لك، تقرر تجميد سياسة التعاضد وتعيين حكومة أخرى على رأسها المرحوم الهادي نويرة ويقال إنه اشترط لقبول هاته المهمة إرجاع الإتحاد إلى قوته فالإتحاد عندما يكون قويا هو محرك البلاد والإقتصاد ولا يمكن للإتحاد أن يكون كما كان إلا برجوع الحبيب عاشور وفعلا تكونت حكومة الهادي نويرة ورجع الأخ الحبيب عاشور للإتحاد.
س / هل حان الوقت بالنسبة لك للدخول للنقابة؟
لم يخطر الموضوع على بالي في البداية لكن ذات يوم كنت أعمل في مستودع الديوان وفي الأثناء سمعت ضوضاء وصراخا فخرجت أستجلي الأمر فوجدت أحد العملة مغمى عليه وزملاؤه يصبون عليه الماء وهو يرتعد فاستفسرت عن حاله وعن سبب اغمائه فقالوا لي إنه اليوم بلغ عمره الستين وهذا هو آخر يوم عمل له (بعد إعلامه من طرف رئيس المستودع) يعني بعد 30 سنة عمل يتقاعد بدون جراية تقاعد والذي حصل من بعد انه كل يوم خلاص أجرة العمال يأتي للتسول فإذا كان مثل هذا يجري في مؤسسة حكومية فما بالك بما يجري مع الخواص؟
هذا المنظر أثر في كثيرا فقلت في نفسي أن مصيري ومصير 1300 عون في الديوان ربما سيكون مثل الذي جرى لذلك العامل.
وبحكم علاقتي بالأخ الحبيب عاشور الذي أعتبره الأب الروحي، رويت له ما شاهدته فانفعل واتصل بالهادي نويرة وحكى له طويلا عن هاته المواضيع وغيرها ثم نظر إلي وقال لي إذا أردت تغيير هذا الوضع فادخل في النقابة وساهم في تغييره، وفعلا بدأت الإتصالات والإنخراطات وقمنا بالإجراءات اللازمة لعقد المؤتمر رغم عراقيل الإدارة والشعبة المهنية وأنصارها ومرتزقيها.
وفعلا عقدنا المؤتمر في ظروف صعبة وتشكلت النقابة وبدأ النشاط
س / هل ساعدكم ذلك على تحقيق مطالب؟
نعم وأول مطلب خاص بديوان المواني هو قانون 2 سبتمبر 1972 بترسيم جميع الأعوان وإلحاقهم بصندوق التقاعد وقد جاء بعد حادثة العامل الذي اشرت اليه.
كذلك بدأ العمل الجدي من اجل اصدار القانون الأساسي وخاصة ظروف العمل والصحة والسلامة المهنية من جهة أخرى وتحقيق عدة مطالب بفضل السياسة الجديدة للحكومة والغاء القوانين المعرقلة للعمل النقابي. والمصادقة على القانون الاساسي في جوان 1973 وهنا أنوه عند مناقشة هذا القانون مع الادارة والحرص الشخصي ومتعابعته للمصادقة عليه من طرف الحكومة وتحسن المناخ الاجتماعي اثر تحسين الاجور وتحقيق عدة مكاسب لفائدة الاعوان (التأمين الجماعي مطعم زي الشغل خلاص الساعات الاضافية القروض الشخصية قروض السكن) وتعتبر هاته السنوات هي السنوات المكاسب الاجتماعية بالنسبة للعمال.
وفي 76 بعثنا النقابة العامة لديوان المواني القومية وبمساعدة الأخ الحبيب والاخ عز الدين العباسي ر م ع الديوان تمكنا من شراء قطعة أرض لفائدة الأعوان (تعذر بيعها من قبل لعدة مؤسسات كانت بلدية حلق الوادي تعرقل بيعها) وها هو اليوم حي يأوي 300 عائلة من أحسن الأحياء بخير الدين.
س / كيف كانت العلاقة بين الحكومة والإتحاد في ذلك الوقت؟
كانت النقابات كلها تعمل لمزيد من المكاسب بتشريع القوانين اللازمة وتغيير الفصول المجحفة والمعطلة للنشاط النقابي في مجلة الشغل كالفصل 51 الذي يمنع التفاوض.
وكثر النشاط والإنخراطات وامتلأت المكاتب بهيئات النقابات حيث تعقد اجتماعات يومية لتكوين نقابات جديدة واجراء مفاوضات واجتماعات للإحتفال بمكاسب اخرى واعلان اضرابات ومع هذا كانت اجتماعات قطاعية تعقد في مكتب سي الحبيب وبحضوره لنعلمه بكل نشاط نقوم به وبكل ما نتحصل عليه من مكاسب وكل موقف يتطلب تدخلا.
فكان المشجع لمسيرتنا والداعي الى المحافظة على المؤسسة والدفاع عليها وتنميتها وازدهارها وكان يتدخل شخصيا لفائدة كل مؤسسة لدفعها إلى الامام حتى يمكن ضمان مستقبل عمالها وحتى المؤسسات التي أشرفت على الإفلاس تدخل لإنقاذها لضمان الشغل لعمالها والحقيقة ان الحكومة كانت تساعدنا كثيرا في الاستجابة لمطالبنا.
س / والعلاقة بين الحزب والإتحاد؟
زادت كثافة المنخرطين وفتح الاتحاد الباب على مصراعيه امام الشغالين من كل الإتجاهات كما ان فتح دور الإتحاد ونوادي النقابات امام الشباب قلص من نشاط الشعب خصوصا الشعب المهنية التي قامت بدور النقابة زمان الأزمة النقابية فأصبح وجودها صوريا.
لذلك بادر اصحابها بالتذمرات والتشكيات وتحركت العناصر التي كانت مستفيدة من الأزمة والمسنودة من بعض عناصر إدارة الحزب فبدأت بكتابة التقارير والتحذير من نشاط العناصر الناشطة سياسيا في الجامعة سابقا والتي وجدت مكانها في الإتحاد بعدما التحقت بالإدارة والتعليم فتحرك جهاز الإستعلامات في وزارة الداخلية وتكاثرت المضايقات والعراقيل حتى وصل الامر إلى الإيقافات وانتصب البوليس السري قرب نوادي الإتحاد.
هذه العوامل السالفة الذكر أثرت على الهادي نويرة وعلى وزارته فصدرت التعليمات إلى رؤساء المؤسسات حتى يقلصوا من اتصالهم بالنقابات بعد ازدهار الإقتصاد نتيجة السياسة الجديدة وحماس العمال لزيادة الإنتاج الذي شجع بعض المستثمرين من الداخل والخارج على الإنتصاب وتكوين المؤسسات وفتحت الأسواق الخارجية امام السلع التونسية كما فتحت تونس ابوابها لتوريد السلع الأجنبية وملئت المغازات والمحلات بالسلع فأقبل التونسي على الشراء بعدما تحسنت حالته المادية وبدأت مشاريع البناء في كل الإتجاهات (مساكن نزل إدارات) فأصبحت تونس عبارة على حظيرة بناء وازدهرت البنوك وتوسعت وكثر نشاطها بعد الركود التي شاهدته وتكدست بها العملة الأجنبية وفتحت القروض لتمويل المشاريع وقروض البناء للعمال للسكن أو تحسينه فتغير وجه البلاد ونقص معدل الفقر وتحسن البناء التحتي (طرقات) وازدهرت الفلاحة بعدما أضرتها سياسة التعاضد فعمت الخيرات كل المدن ورجعت إلى التونسي ابتسامته وأصبح مطمئنا على مستقبله.
فانطلاقا من 1972 وخلال أربع سنوات جرى تنفيذ السياسة التعاقدية ورغم الظروف الصعبة والشاقة والمفاوضات المراتونية تمكن الإتحاد من التحصيل على مكسب كبير تمثل في المصادقة على 70 قانونا أساسيا للمؤسسات العمومية وعلى 37 عقدا مشتركا اضافة الى العقد الاطاري. لكن هذا الجو لم يظل كثيرا.
فبعد التحصيل على كل هاته المكاسب، قررت الهيئة الإدارية بمناسبة غرة ماي 1976 القيام باحتفالات واستعراضات تشارك فيها كل الإتحادات الجهوية والجامعات والنقابات، وقد تكونت لجنة للتحضير لهذا الاستعراض وكانت كل النقابات في مستوى الحدث فنشطت وقامت بالاعداد اللازم.
انتصبت منصة شرفية بساحة باستور حيث جلس كل المدعوين من شخصيات حكومية وبرلمانية وسياسية وأعراف وفلاحين يتقدمهم السيد الهادي نويرة والاخ الحبيب عاشور.
بدأ الإستعراض بالعربات الرمزية التي تمثل كل قطاع صناعي تجاري بحري فلاحي طيران ترافقها موسيقى نحاسية وشعبية وتأطرها شبيبة عمالية في زي موحد وعلى جانبي الطريق عشرات الآلاف من المواطنين والعمال الذين يهتفون بحياة الإتحاد تحت زغردة النساء فكان يوما يعجز عن وصفه القلم . هذا الإستعراض دام أكثر من الساعتين عند وصول آخر عربة أمام المنصة وإعلان نهاية الإستعراض، ألتفت الهادي نويرة الى الحبيب عاشور فقال له: » آش عطاوك هاذي المؤسسات باش عملتلهم هذا الاشهار فأجابه عاشور بأنها مكاسب لتونس وفخر لها«.
والواضح ان نويرة او على جماعة الشق المتصلب اعتبروا الاحتفال فرصة للاتحاد لاستعراض عضلاته.
وقد علمت أن سي الحبيب تأثر كثيرا من تلك الملاحظة.
بعد ذلك، انتقلنا إلى قصر الرياضة بالمنزه لحضور الإجتماع العام وبقينا ننتظر قدوم الوزير الاول فاذا بموسيقى الجيش تنتصب أمام قاعة الإجتماعات فعرفنا أن الهادي نويرة استنجد ببورقيبة الذي حل واستقبله الوزراء وسي الحبيب وأعضاء المكتب التنفيذي .
لكن في الأثناء ومن شدة الانفعال، أغمي على سي الحبيب ونقل الى مصحة قريبة لاسعافه ولم يحضر هذا الإجتماع وخطب بورقيبة وقال ما أراد.
ومن الطرائف انه بعدما انهى خطابه وبدأ العمال يخرجون رجع إلى المصدح وقال سامحوني عندي بشرى لكم فظنوها مفاجأة مادية لكنه قال نبشركم أن صحتي بخير.
فمنذ ذلك التاريخ بدأ الحزب يسلك سياسة جديدة مع الإتحاد وبدأت الخلافات وأعطيت الأوامر للجان التنسيق لتنشيط الشعب لعرقلة نشاط النقابات.
على صعيد اخر، انه في احدى جلسات مجلس الامة، ناقش الأخ حسن حمودية بعض الفصول من الميزانية فقاطعه الهادي نويرة وقال له كلمتك بالأرقام فجاوبني بالأرقام وزاد فقال كلاما لا يتماشى ولا يليق بقبة البرلمان.
ومباشرة اثر ذلك، وقع الإتصال بالأخ الحبيب عاشور فدعا الى اجتماع تكوّن على اثره مكتب درسات بالإتحاد أختير له أساتذة جامعيون أكفاء في الإقتصاد والمال والاجتماعات فأنتجوا دراسات أقلقت الحكومة وأثرت في مصداقيتها حيث أصبحت أرقامها لدى الإتحاد لا قيمة لها ولا يعول عليها في المفاوضات.
وعندما احتد الخلاف بين الحكومة والإتحاد انعقد اجتماع، باقتراح من الرئيس بورقيبة في ادار الحزب وحضر كل المعنيين بالامر ونوقشت كل الخلافات واقتراحت الحلول الملائمة وصيغت لائحة في هذا المضمار وتوج الإجتماع بحضور الجميع في قصر قرطاج حيث تليت اللائحة وصفق لها بورقيبة الذي أخذ الكلمة وتحدث عن الوفاق وايجاد الحلول لكل المشاكل حتى لا يحصل الخلاف . وفي الأخير بكى قائلا »يا سي الحبيب رد بالك على سي الهادي« وتلت ذلك الاجتماع مأدبة غداء حضرها الجميع.
لكن محمد الصياح مدير الحزب انذاك رمى بالاتفاق جانبا وواصل العمل ضد الاتحاد.
وفي غضون سنة 1976 اتصل بي سي الحبيب وطلب مني إعادة فتح الإتحاد المحلي بحلق الوادي وحدثني عن نشاطه زمن الإستعمار والإضرابات التي قام بها في ذلك الوقت خاصة وانه كان يضم عدة مؤسسات وجمعا كبيرا من العمال، ففرحات كان مغرما به عندما كان يقطن في صلامبو وكان في غالب الأحيان يزوره ليطلع على نشاطه.
وفعلا أمكن الحصول على مقر وكوّنا هيئة وقتية من اعضاء نقابات متواجدة في الجهة كان لي الشرف أن اكون الكاتب العام لها.
وبدأ النشاط والإتصالات بالمؤسسات بين بطاح حلق الوادي وقمرت فوقع تركيز نقابات في كل البلديات ومعامل الخياطة (قانون أفريل 1972) ونزل المرسى قمرت زيادة عن النقابات التي كانت موجودة.
وبذلك توسع النشاط وكان في الحسبان توسيع المقر لكن أحداث 26 جانفي اوقفت كل شيء.
س / كيف بدأت الاحداث؟
تتالت الاحداث فجاءت قضية الجرف القاري بين تونس وليبيا وطرد العمال من ليبيا، وزيارة وفد نقابي على رأسه عاشور الى طرابلس في مرة أولى وثانية.
واعتقادي ان الامر الذي أجج الخلاف هو مقابلة سي الحبيب مع محمد المصمودي في طرابلس بحضور القذافي واشتعال نار حرب الخلافة، وحديث محمد المصمودي في كتاب أو في تصريح صحفي عن الحبيب عاشور كمرشح وزادت المكاسب التي عاد بها سي الحبيب من طرابلس والخاصة بالعملة الفلاحيين فأججت الخلافات التي أدت الى أحداث 26 جانفي.
س / هل يمكن ان تقدم لنا قراءتك الخاصة لهذه الخلافات والاحداث التي تلتها؟
أنا أريد أن أضيف الى اسباب الخلاف، المنحى الاستقلالي لمؤتمر 77 وصعود مستقلين الى المكتب التنفيذي، وتطور محتوى وتوزيع جريدة الشعب، كما أضيف الاستنفار الذي حصل في المطار عند عودة عاشور من ليبيا فكأننا في حالة طوارئ حيث انتشرت الشرطة مدججة بالسلاح.
وفي صيف 1977 وتحديدا في شهر رمضان امتنع البعض من عمال المقاهي السياحية بصفاقس عن تقديم الخمر للأجانب وشجعهم في ذلك المرحوم عبد الرزاق غربال الكاتب العام للإتحاد الجهوي للشغل بصفاقس مما تسبب في مشاكل بين الحكومة والإتحاد فقام الحزب برد الفعل وكالعادة قامت الصحافة والإذاعة والتلفزة بحملة ضد الإتحاد .
يضاف الى ذلك غلاء المعيشة فما اخذناه باليمين افتك أكثرمنه باليسار.
بحيث أن كل الزيادة التي تحصلنا عليها نتيجة نضالنا تبدد نتيجة للغلاء الفاحش في الأسعار.
زد على ذلك الأوامر الذي صدرت للمسؤولين عن المؤسسات بتوقيف الحوار وفي أكتوبر 1977 بارجاع الشعب المهنية إلى سالف نشاطها (توقفت اثر مؤتمر المنستير 1971) وتحريضها على التصدي للعمل النقابي.
ولما انتهت العطل وعاد النشاط الإداري والنقابي وبدات المشاكل بين الإدارة والنقابة وبين الحزب والحكومة والإتحاد. كثرت الاجتماعات والإتصالات والإضرابات فأدت الى القطيعة بين الحكومة والإتحاد مما نتج عنه احتجاجات ونضالات ونزل الحزب إلى الساحة فحرّك وسائل الإعلام والشعب وكثرت الإجتماعات والخطب التي تندد بمواقف الإتحاد العام وعدم شرعية مطالبه وارباكه لعمل الحكومة، اضافة الى تدهور المقدرة الشرائية بتحرير الإقتصاد وغلاء المعيشة فأثر ذلك على الجو العام بالبلاد وبدأ المواطن يخاف من المستقبل.
من جهة اخرى، جاءنا خبر من سوسة أن عبد الله الورداني دخل إلى احد النزل بسوسة ووضع مسدسه فوق طاولة وخاطب بعض الحضور قائلا إن الخراطيش الموجودة في هذا المسدس ستسكن رأس الحبيب عاشور .
والحقيقة انني أعتقد شخصيا، ان المعركة بدأت يوم اتخذ القرار بارجاع الشعب المهنية إلى سالف نشاطها في المؤسسات الحكومية والخاصة وبدات المشاكسات لدى الادارات لعرقلة العمل النقابي والتدخلات لفائدة مناصريهم في الترقيات والإمتيازات واسناد الرخص الثقافية للتفرغ للعمل خارج المؤسسة أو لقضاء حوائجهم.
وبتعليمات من سلط الإشراف توقف رؤساء المؤسسات عن التعامل مع النقابات كما كان من قبل فأغلق باب الحوار وهذا ما أنتج عدة انعكاسات أثرت على المناخ الإجتماعي وعلى مردود العمل، زد على ذلك غلاء المعيشة الذي اثر على المقدرة الشرائية للعامل بحيث ما تحقق للعامل في السنوات السابقة تبخر بين عشية وضحاها وقد استفاد من هاته المرحلة أصحاب رؤوس الأموال الذين زاد عددهم، أما العمال فانهم رجعوا إلى المربع الاول أي إلى فقرهم.
لكن الإتحاد قام بكل الإجراءات والتدخلات وحتى بعض التنازلات لفرض الحوار وايقاف الحملات الصحافية والإذاعية وتكوين لجنة لوقف الإنحدار لكن دون جدوى بل مازاد في الطين بلة انه وقعت اتصالات ببعض النقابيين وتكليفهم بتكوين نقابة موازية.
ومن جهته لم يقف الإتحاد مكتوف الايدي فبدات الإجتماعات العامة والإحتجاجات والإضرابات الشرعية والعشوائية.
وعقد المجلس الوطني أيام 10-9-8 جانفي 1978 وقد نقل نوابه الحالة الإجتماعية داخل البلاد والانعكاس الذي نتج عن الحملة المغرضة التي يقوم بها الحزب والذي أثر على العلاقات الإجتماعية بين المواطنين وأثر حتى على العائلة الواحدة.
ونتيجة لهذا صدرت عدة لوائح تندد بما جدّ وتطلب بإيجاد مخرج لهاته الأزمة.
وفي نهاية أشغال المجلس الوطني استقال الاخ الحبيب عاشور من الديوان السياسي وبعض النقابيين من اللجنة المركزية للحزب. ووقع التلويح بالقيام باضراب عام لمدة يوم واحد وعهد إلى المكتب التنفيذي بتحديد تاريخه.
وفي تصور الكثير من النقابيين أن الاضراب العام ليس للتنفيذ بل هو لغرض فرض الحوار كما تعيشه كل يوم النقابات وكم من اضراب ألغي ليلة تنفيذه بعدما يقع التوصل إلى اتفاق. لكن الطرف المقابل واصل التصعيد لاسيما بإلقاء القبض على الاخ عبد الرزاق غربال الكاتب العام للاتحاد الجهوي بصفاقس انذاك والذي كان القى كلمة حماسية جدا في اشغال المجلس الوطني وطور عمله باقتحام قوافل المليشيات الحزبية دور الإتحاد بالاعتداء وتكسير ما فيها واحتلال بعضها على مرأى ومسمع من رجال الأمن.
فقامت عدة شخصيات وطنية بالاتصال بالطرفين لإيقاف النزيف ورغم استعداد الإتحاد لقبول هاته الوساطة فإن الطرف المقابل لم يستجب وواصلت مليشياته التخريب والهدم والإحتلال.
ثم حل بتونس OTTO KRISTEN الأمين العام للجامعة العالمية للنقابات الحرة والذي عمل المستحيل لتقريب وجهات النظر لكن دون جدوى أمام اصرار الطرف المقابل كما قام بنفس السياق ممثل النقابات الأمريكية بباريس الصديق ارفينق براون الذي قوبل تدخله بالتعنت والرفض كما قام بنفس المسعى الاخ ابو اياد بتكليف من الزعيم ياسر عرفات الذي حضر اجتماع الاطارات النقابية برئاسة الأخ الحبيب عاشور وحدثنا عن الحرب الأهلية بلبنان وقد أعلمنا أنه كان مجتمعا قبل ساعة مع محمد الصياح فقال له أن الإتحاد بملك ترسانة من الأسلحة فقابله الجميع الادعاء بعدم المبالاة والسخرية.
واجتمع المكتب التنفيذي بعد الهيئة الادارية وقرر تنفيذ الإضراب العام وحدد تاريخه ليوم 26 جانفي 1978.
قبل تنفيذ الإضراب قام الامن بتطويق دار الإتحاد والقبض على كل من كان فيه ويوم الإضراب خرجت مليشيات الحزب وخربت وأحرقت كل ماجاء أمامها ناسبة أفعالها الى النقابيين والعمال وهم منها براء. ففي يوم 25 جانفي وقع اجتماع القطاعات والاتحاد الجهوي بتونس وبعض النقابات وأوصانا الاخ الحبيب عاشور بالحذر والسهر على تنفيذ الإضراب دون أي حادث مع مواصلة المستشفيات والماء والكهرباء والبعض من القطاعات الفلاحية كحلب البقر عملهم وفي نفس اليوم اجتمعت بالكتاب العامين للنقابات الأساسية بالضاحية الشمالية وأعلمتهم بتعليمات الإتحاد والحذر من المليشيات.
ثم وقع القبض على كل أعضاء المكتب التنفيذي والبعض من اعضاء الهيئة الإدارية وأعلنت حالة الطوارئ وكانت الإذاعة تنشر الأخبار الكاذبة 24/24 ولعل أبرزها قصة ماء الفرق بصفاقس حيث غمس احدهم يده في برميل يحتوي ماء قائلا »شوف هذا ماء الفرق« واحتلت مليشيات الحزب كل مقرات الإتحاد وعبثت بمحتوياتها.
أما أنا فقد ألقي علي القبض يوم 2 فيفري 78 عندما كنت داخل الإدارة التي اعمل بها بعدما ذهب الاعوان إلى منزلي واستولوا على كل وثائقي واقتادوني إلى مصلحة أمن الدولة.
بقيت 50 يوما في ضيافة هذه المصلحة تخللتها أبحاث قاسية وشتم وضرب وتهديد باستعمال الكهرباء أما الإقامة فإني أعاني آثارها الى اليوم ورغم أن البحث لم يسفر على أي شيء، فقد تمت إحالتي امام حاكم التحقيق الذي امر بايقافي ووضعي في السجن المدني.
عشت أياما صعبة مع اخواني النقابيين، قمنا خلالها بعدة اضرابات جوع وكانت هاته الأيام أصعب على عائلاتنا التي كانت تزورنا في السجن كل يوم لجلب القفة أو للاطمئنان علينا.
وفي يوم 2 سبتمبر، قرر التحقيق الافراج عن البعض منا وكنت من ضمنهم وعندما علمنا بقرار الافراج رفضناه ولم نخرج الا بعد ما اتصلنا بموافقة الأخ الحبيب عاشور. اما في المحاكمة فقد وقع الحكم عليّ بعدم سماع الدعوى ولا أدري لماذا رغم أن البعض الذي حكم عليه بأقسى الأحكام ولم يكن دوره أكثر من دوري.
وهنا فإني لا أترك هاته الفرصة دون ان أشكر كل المحامين وعلى رأسهم العميد منصور الشفي على الدور الكبير الذي قاموا به سواء قبل المحاكمة والزيارات العديدة التي قاموا بها لنا في السجن والدور الذي قاموا به أثناء المحاكمة ولا أريد التوقف عند تفاصيل المحاكمة حيث رأيت ان الاستاذ منصور الشفي يتولاها بالنشر والتحليل على أعمدة جريدة الشعب منذ عدة اسابيع.
س / تحدثت قبل قليل عن وساطة أبو اياد بين الحكومة والاتحاد بتكليف من الزعيم ياسر عرفات، فماذا يمكن ان تحدثنا عن العلاقات بين الاتحاد ومنظمة التحرير؟
كان الأخ الحبيب عاشور رحمه الله من اكبر المدافعين عن القضية الفلسطينية فقد ساهم عام 1947 بارسال المتطوعين التونسيين إلى فلسطين لمحاربة الصهاينة.
وعندما أصبح أمينا عاما للإتحاد كان المدافع الاول عن القضية الفلسطينية في كل المحافل الدولية فهو الذي مهد ومكن لأول مرة وفدا فلسطينيا من زيارة أوروبا والإتصال بمنظماتها النقابية وكذلك الجامعة العالمية للنقابات الحرة وكان على اتصال دائم بالزعيم ياسر عرفات والتنسيق معه للقيام بأي عمل يفيد القضية الفلسطينية وكان اسم فلسطين في كل اجتماعات الإتحاد ولوائحه وكان على خلاف دائم مع الوفود الامريكية والأوروبية خصوصا الحكومية عندما تثار قضية فلسطين، وكان سببا في مقاطعة الحكومة الأمريكية لإجتماعات منظمة العمل الدولية والجامعة العالمية للنقابات الحرة لعدة سنوات وفي كل إجتماعات CISL تحدث مشادات بينه وبين الوفد الإسرائيلي وأذكر ذات مرة انهم ارادوا توريطه بدعوته لزيارة اسرائيل للاطلاع على الاوضاع، فاجابهم أقبل هاته الدعوة بشرط تمكيني من زيارة سجونكم التي تأوي أبناء فلسطين والقرى الفلسطينية التي هدمتم مبانيها وأطردتم سكانها والمقابر التي تأوي جثث أبناء فلسطين نتيجة جرائمكم الوحشية، أوروبا رمتكم في المحرقة وأنتم استوليتم على أرض لا تملكونها وطردتم شعبا من وطنه بمساعدة أوربا وأمريكا وروسيا.
كما لا أنسى انه في مؤتمر الإتحاد الذي انعقد عام 1977 ، وزعت عدة كتب على المؤتمرين منهم كتيب يتحدث عن مأساة الشعب الفلسطيني وعن دور الولايات المتحدة الأمريكية التي تعيش تحت تأثير اللوبي اليهودي ولا يمكنها القيام باي دور لمنع حكومة اسرائيل من القيام بأي عمل اجرامي . وصادف ان كان حاضرا بين الضيوف، ممثل النقابات الامريكية في اوروبا صديق عاشور وصديق الاتحاد ارفينق براون فاحتج وغادر المكان معبرا عن غضبه رغم الصداقة والمحبة التي كان يكنها سي الحبيب لصديقه براون، لكن فلسطين بالنسبة لعاشور تبقى فوق كل اعتبار.
ولا انسى الخلاف الذي وقع بين الهادي نويرة والحبيب عاشور حول الأموال التي جمعت في الإكتتاب والمتأتي من خصم يوم عمل من أجر عمال وأعوان القطاع العام الخاص، فالهادي نويرة أراد أن يرسل مقابل هذه الأموال مواد غذائية إلى الاراضي المحتلة. أما الحبيب عاشور فقال إذا أرسلت هذه المواد فإن وصولها غير مضمون لأن تسليمها لإسرائيل لا يضمن وصولها للفلسطينيين وفعلا سلمت الاموال لمنظمة التحرير الفلسطينية.
كما أن كل وفد أوروبي يزور الإتحاد يعقد وجوبا جلسة مع وفد فلسطيني بعدما انتقل اتحاد عمال فلسطين إلى تونس.
كما أن مكتب منظمة التحرير كان يتحصل على دعم مادي شهريا سواء بالتغطية على مصاريفه أو القيام لفائدته بأي خدمة يطلبها.
وقد حضرت اجتماعا ترأسه الأخ الحبيب عاشور بحضور الزعيم ياسر عرفات وأتذكر ما قاله هذا الأخير حيث أثنى على تونس وشعبها وعلى الإتحاد العام التونسي الذي يقوم بدور هام لدى النقابات الأمريكية شارحا لهم مظلمة القرن العشرين التي سلطت على الشعب الفلسطيني بتهجيرهم من ديارهم من طرف العصابات الصهيونه وقيامهم بمجازر عديدة وقتلهم لآلاف الأبرياء وهاهو الشعب الفلسطيني يعيش للجهود لاجئا في عدة بلدان في ظروف سيئة جدا ثم قال يا أخي الحبيب تمنيت لو كانت فلسطين بين تونس والجزائر لأن الشعب الفلسطيني ذاق الأمرين من بعض البلدان العربية المجاورة فقد حرموه من وسيلة العيش ومن السلاح للدفاع عن وطنه وحتى لما تحصلنا على أسلحة من الدول الشرقية صادروها منا.
كما كان له دور كبير عند اندلاع الثورة الجزائرية في تهريب السلاح وايصاله الى الاخوة الجزائريين كما كان له دور كبير في جمع الإعانات والدعاية لدى النقابات الأوروبية وكان باتصال داغم مع النقابات الجزائرية يمدها بكل ما تحتاجه ويسمع صوتها خارج الوطن كلما دعت الضرورة.
وبالمناسبة أريد أن أحدثك ايضا عن علاقاته بشخصية عالمية اخرى هي شخصية منداس فرانس الذي اصبح في وقت ما رئيسا للحكومة الفرنسية.
فعندما كان منفيا في زغوان، تعرف سي الحبيب على أحد الأثرياء السيد بوبكر بن جلول فاتفق معه على تكوين مجموعة من عماله الفلاحيين لتخريب أراضي المعمرين ولما ألقي عليهم القبض اعترفوا بما نسب إليهم ودلوا على من حرضهم فألقي القبض على الأخ الحبيب عاشور والسيد بوبكر بن جلول الذي كلف محاميا للدفاع عنهما هو منداس فرانس.
ومن هذا عرف السيد منداس فرانس القضية التونسية عهد الإستعمار وبقيت الصداقة قائمة بين الاخ الحبيب ومنداس فرانس الذي كلما زار تونس الا وزاره الأخ الحبيب في مكان إقامته وتواصلت هاته الصداقة مع زوجته بعد موته فكانت كل صيف تقضي عطلتها في تونس ويزورهاعاشور في مقر إقامتها ويقدم لها الهدايا.
س / لم يكن هكذا حظه مع اصدقائه التونسيين مثل نويرة وبن صالح واخرين، فماذا جرى له مع مزالي؟
بعد تعيين مزالي رئيسا للحكومة عمل مثل سلفه الهادي نويرة على ارجاع القيادة الشرعية دون الزعيم الحبيب عاشور فكانت الإجتماعات السرية للقيادة الشرعية في ما بينها وبينها وبين اعضاء الحكومة وفي الأخير اتفق على تكوين لجنة بقيادة الاخ نور الدين حشاد فقامت هاته اللجنة بتجديد كل النقابات والجامعات والنقابات العامة والإتحادات الجهوية وعقدت مؤتمر قفصة الذي حصلت فيه عدة مناورات عند دراسة اللوائح لكن في الأخير تغلبت إرادة غالبية المؤتمرين في المطالبة برفع الاستثناء والإقامة الحبرية عن الأخ الحبيب عاشور وإرجاعه إلى سالف نشاطه في الإتحاد وقد افرز هذا المؤتمر قيادة كان الأخ الطيب البكوش أمينها العام.
فتواصل النضال والمطالبة برفع الاستثناء عن الأخ الحبيب عاشور وإرجاعه إلى سالف نشاطه خاصة وان المؤتمر الذي انعقد في افريل 1981 أوصى بعقد المجلس الوطني بعد 6 اشهر لهذا الغرض بالذات، وفعلا انعقد المجلس الوطني في نوفمبر 1981 حيث قرر النواب ان لا يغادر القاعة الا بعد حضور الاخ الحبيب عاشور.
فاستجابت الحكومة لهذا الطلب وجيء بالأخ الحبيب عاشور بعد اجتماع بقصر قرطاج بحضور الرئيس بورقيبة وبعض الوزراء وأعضاء المكتب التنفيذي وحسب بعض المصادر، فإن بورقيبة حاول اقناع عاشور بالركون إلى الراحة لكن الزعيم الحبيب عاشور رفض هذا الإقتراح وكان له ما أراد .
ودخل إلى قاعة المجلس الوطني منتصرا مظفرا مرفوعا على الكتاف بين التصفيق الحادة وزغردة النساء والمناداة بحياته وحياة الإتحاد قويا ومستقلا.
وهنا أذكر ان بورقيبة سبق له ان عرض على عاشور الابتعاد عن الاتحاد عارضا عليه عن طريق علالة العويتي باخرتي صيد كبيرتين فرفض العرض.
وفعلا عاد النشاط النقابي الصحيح إلى سالف عهده وتحصلت الحركة النقابية على تحوير عدة تشريعات أتت بعديد المكاسب لفائدة الطبقة الشغيلة.
لكن هاته العلاقة بين الإتحاد ومزالي لم تدم طويلا فبعد احداث الخبز في جانفي 84 استفحل الخلاف وجمدت الإتصالات وأعطيت التعليمات لرؤساء المؤسسات بتوقيف اتصالاتها بالنقابات والمفاوضات معها.
وتحركت الشعب المهنية مرة أخرى وكذلك الترابية وأعيد سناريو جانفي 1978 فنشطت مليشيات الحزب واعتدت على عدد من الاتحادات الجهوية والمحلية وبعض النقابات وأصدر مزالي أمرا بالغاء قرارات التفرغ وقرار الخصم من جراية العامل معلوم الإشتراك الشهري لفائدة الإتحاد العام التونسي للشغل
وعندما احتد الخلاف، عقد الأخ الحبيب عاشور ندوة صحفية لشرح الخلاف مع حكومة مزالي قائلا أن حكومة الفصل العنصري بجنوب افريقيا وحكومة اسرائيل أفضل بكثير من حكومة مزالي.
فتدخلت عدة شخصيات لكن دون جدوى حتى أن السيد الشاذلي العياري الذي اتصل بالأخ الحبيب عاشور وحصل منه على مقترح بتجميد المطالب سنة كاملة واتصل بمزالي ليزف له هذا الخبر لكن هذا الأخير أجابه: قائلا قل للحبيب عاشور إما أن يستقيل أو يدخل السجن .
وتواصل تخريب دور الإتحاد من طرف مليشات الحزب وزج ببعض النقابيين في السجن لكن ها هو محمد مزالي يصرح الآن في الفضائيات لا سيما بعد وفاة الفعلين الرئيسين بورقيبة وعاشور وكذلك في كتابه نصيبي من الحقيقة أن الرئيس بورقيبة هو الذي أمر بوضع الحبيب عاشور في السجن لأنه كما قال يريد أن ياخذ مكانه.
واني اعتقد ان السبب يعود الى تحوير الدستور الذي جعل الخلافة تعود آليا الى الوزير الاول بعد ان كان الامر يقتضي مرحلة انتقالية يرأسها رئيس مجلس الامة تعقبها بعد أربعين يوما انتخابات عامة
وبما أن الأخ الحبيب عاشور كان دائما يتحدث عن الانتخابات وعن تأثره بالنظام الديموقراطي المتبع في سويسرا فلا يمكن في رأيه زيادة 5 مليمات في ثمن السكر دون القيام باستفتاء من طرف الشعب، فإن ما قاله الهادي نويرة كرره مزالي وهو أن الحبيب عاشور يريد الحكم وكما قال مزالي أن بورقيبة أمر بوضع الحبيب عاشور في السجن لأنه يريد مكانه.
س / هنا ترفض علينا سؤالا مهما، هل كان الحبيب عاشور فعلا يريد الحكم، هل لمست انه كان يفعل ما يفعل للوصول الى الحكم، هل حدثكم في الامر، هل أسرّ لكم بذلك؟
أنا لازمت الأخ الحبيب عاشور منذ 1955 وللحقيقة وللتاريخ أقول أنه لم يفكر بالمرة في هذا المنصب ولم يسع له وأن تفكيره كان دائما وأبدا منصّبا سعادة العامل وتمكينه من المكاسب خدمة لتونس ومساهمة في استقرارها وازدهار اقتصادها وجعلها في مقام الدول المتقدمة وقد كان يقول دوما لولا الخناس والوسواس الذي دخل عقل بورقيبة والهادي نويرة ثم مزالي لكانت المسيرة أفضل والمكاسب أكثر ونمو البلاد احسن« وأذكر أن احد الإخوة عاب على سي الحبيب ابتعاده عن بورقيبة والهادي نويرة ومزالي وبدلهم بالطيب البكوش فقلت له ان من ذكرتهم متشبثون بكرسي الحكم وقوة الإتحاد كانت تزعجهم وكانوا يعتقدون أن قوة الإتحاد سخرها الحبيب عاشور لفائدته قصد الوصول الى الرئاسة أما حكاية الطيب البكوش فانظر إلى تناقض رجال الحزب، ففي سنة 1977 طلبوا من سي الحبيب عدم ترشيح الطيب البكوش للمكتب التنفيذي وكادت تكون القطيعة بينه وبورقيبة فأقنعهم أن الديموقراطية لا تسمح له بالوقوف ضد ارادة القواعد أما في مؤتمر قفصة فقد كان في الحسبان أن تؤول الأمانة العامة للأخ عبد العزيز بوراوي لكن حسبما علمنا ، تدخل محمد مزالي وجعل الكفة تميل للاخ للطيب البكوش وعند مقابلتهم لبورقيبة وتقديمهم له بحضور مزالي نظر بورقيبة للطيب البكوش وقال له من أين أنت فأجابه من جمّال فانشرح بورقيبة قائلا أي باهي أي باهي .
وإني اعتقد ان القانون الذي حور مسألة شغور الرئاسة من رئيس مجلس الامة لمدة 40 يوما قبل انتخاب الرئيس الجديد إلى الوزير الاول هو سبب الخلاف بين الهادي نويرة ومزالي من جهة وعاشور من جهة اخرى، لأن الأخ الحبيب عاشور كان دائما مع الديموقراطية وصندوق الإقتراع وكان يصرح بذلك سواء في الجرائد الوطنية أو الخارجية أو الهيئات الإدارية أو الإجتماعات العامة وكان معارضوه يخافون من قوة الإتحاد بعدما فتح الباب على مصراعيه للإنخراط لكل الميولات السياسية من العاملين بالفكر والساعد الذين حرموا من فضاءات أخرى تأوي نشاطهم .
فانظر ماذا فعل هؤلاء مع نمو البلاد، كلما ضربوا الاتحاد سواء في 1965 أو 1978 أو 1985 إلا وتدخل البلاد في ازمة اقتصادية واجتماعية وما دعوة الاخ الحبيب عاشور سنة 1970 ورفع الإستثناء عليه سنة 1981 وارجاعه إلى المنظمة انما كان لإبعاد الأزمة التي وقعوا فيها فقوة الإتحاد والديموقراطية التي يعيش فيها هي ازدهار للبلاد بزيادة الإنتاج فالأخ الحبيب كان يوصينا ويكرر قائلا: حافظ على نمو مؤسساتكم وازدهارها حتى يمكنكم المطالبة بالمزيد من المكاسب لتطوير حياتكم وحياة أبنائكم.
في يوم من الأيام، جمعتني الصدفة بسي الحبيب وثلة من النقابيين فقال أحدهم له : أنت خاطرت بحياتك لخدمة بورقيبة فرتبت زيارته إلى المشرق وانحزت إليه عند خلافه مع ابن يوسف وأقنعت بن جاب الله بالتراجع عن قتله.
فأجابه رحمه الله، رتبت سفر بورقيبة إلى المشرق ليس للسياحة وانما لخدمة القضية التونسية للإتصال والدعاية ونحن هنا في تونس قمنا بالواجب بالإضرابات والمشاكسات التي ادت إلى معارك دموية كانت في الظاهر اضرابات نقابية لكن في الحقيقة هي اضرابات مطلبية سياسية استغلها بورقيبة لفضح الإستعمار الفرنسي كما ان مصاحبة بورقيبة للأخ فرحات حشاد إلى مؤتمر النقابات الامريكية في سان فرنسيسكو انما كان لشرح القضية التونسية وفضح الأعمال الإجرامية التي كان يقوم بها الإستعمار الفرنسي ضد المواطنين وما الزيارات المتعددة التي قام بها فرحات إلى سائر الدول الا لخدمة القضية.
أما المقاومة المسلحة الذي تولاها الأخوان فرحات حشاد وأحمد التليلي فقد أحرجت المستعمر وأقضت مضاجعه وما النشاط اليومي من تخريب أملاك المستعمرين وقتل البعض منهم وبعض الجنود والموالين من التونسيين للإستعمار الفرنسي فانما كانت غالبها من صنع النقابيين. وكل هذا النضال هو الذي أدى بالاستعمار إلى قتل فرحات حشاد لكن اجرامهم انقلب عليهم فتأججت الثورة المسلحة وتحرك العالم وحصلت المظاهرات في المغرب وبعض الدول الأوروبية وتحركت النقابات في غالب انحاء العالم للإحتجاج على فرنسا وصارت غالب المحافل الدولية تندد بالإستعمار الفرنسي حتى وصلنا إلى النتيجة المرجوة وهي الإستقلال الداخلي ثم الإستقلال التام.
وعن انحيازه لبورقيبة فإن عاشور يقول إني انحزت لتونس التي ضحيت بشبابي لخدمتها، لذلك فإني لما رأيت الخلاف استفحل بين الزعيمين ، هذا يقول خطوة إلى الأمام والآخر يقول خطوة إلى الوراء ورأيت صالح بن يوسف عندما نزل إلى تونس عوض أن يذهب إلى د اره ذهب الى دار فرحات حشاد قصد استمالة الطبقة الشغيلة، وعندما رأيت الخلاف استفحل بين التونسيين ودخل إلى دور الإتحاد فدب الخلاف بين أعضاء النقابة الواحدة ودخل بين العائلات فلا يمكن انعقاد اجتماع واحد في أي قطاع دون انشقاقات، هذا يريد ارسال برقية الى بورقيبة والآخر إلى بن يوسف خفت أن يؤدي الخلاف الى حرب اهلية لا يعرف عواقبها الا الله فتحركت وذهبت الى صالح بن يوسف في منزله لإقناعه بالإجتماع ببورقيبة قصد القضاء على الخلاف مبيّنا له المضار الذي ستنتج عن الخلاف وحذرته من حرب أهلية. ورغم طول الإجتماع الذي دار بيننا فإنه كان دون جدوى.
ثم زرت بورقيبة وقمت معه بنفس المسعى فوجدت منه كل الإستعداد لتقريب وجهات النظر فشكالي انه لا يمكنه الخروج حتى للشارع خوفا على نفسه من جماعة بن يوسف.
فاقترحت عليه عقد مؤتمر للحزب بصفاقس لحسم الخلاف مؤكدا له تأمين نجاحه من طرف الإتحاد فتردد في البداية ولما رأى حماسي تشجع وأعطى لإدارة الحزب الامر بتحضير المؤتمر.
وفعلا انعقد المؤتمر كماهو معلوم بصفاقس وعملت على استدعاء بن يوسف هاتفيا وتوجيه عدة برقيات له قصد الحضور للإستماع لوجهة نظره لكن دون جدوى ونجح المؤتمر الذي تمخض عن عدة لوائح وتوصيات ونجحت تونس والشعب في استئناف النضال من اجل التحصيل على الإستقلال التام وهو ما حصل بعد وقت قصير.
كذلك فإن عاشور تحدث عن اجتماع له مع جماعة من المقاومين التابعين لبن يوسف في صيف 1955 بمنزله، اخذوا يشرحون له صحة وجهة نظر صالح بن يوسف ودام هذا الإجتماع أكثر من 5 ساعات وكان أحدهم وهو بن جاب الله الذي عهدت له مهمة قتل بورقيبة والذي انتقل إلى قفصة أين يوجد بورقيبة للإشراف على اجتماع عام. وفي الإجتماع تقدم منه بن جاب الله وسلمه السلاح المعد للجريمة وهو يقول كنت سأقتلك بهذا السلاح لكن الحبيب عاشور كان على حق عندما أقنعني بصدق رؤيتك.
وبعد الإستقلال قمنا بكل ما يلزم أن نقوم به ، طالبنا العمال بزيادة الانتاج رغم عدم الزيادة في الأجور حتى يزدهر الإقتصاد وقمنا ببعث عدة تعاضديات لتشغيل اليد العاملة وكانت من أنجح التعاضديات وتدخلت شخصيا لدى البنوك لفائدة بعث عدة مشروعات اقتصادية لكن بورقيبة عندما جلس على كرسي الحكم تحول إلى بورقيبة آخر وتعرفون ما جرى فعمل على ابعادي من الاتحاد لكنه كلما وقع في ازمة إلا واستنجد بي ورغم مرارة السجون والعزل والنفي من طرف بورقيبة وحتى قرار بعض أنصاره بقتلي كنت ألبي الطلب خدمة لتونس . لم أتمتع بحياتي فكان التعب الشاق لأولادي وعائلتي والأمراض التي عانيت منها هي من جراء السجون سواء كان ذلك في عهد الإستعمار أو في عهد بورقيبة. وعلى كل فإني راض عن مسيرتي خاصة عندما أخرج للشارع وأرى الوجوه أصبحت نيرة وهندام الناس تغير والبنية التحتية تحسنت والعمران انتشر في كل مكان وأرى أن كل هذا ناتج عن نضال العمال ومسيرة الإتحاد العام التونسي للشغل الذي ناضلنا من أجل استقلاليته رغم العراقيل ودسائس البعض، فخدمة الطبقة الشغيلة هي خدمة لتونس لجعلها تتقدم وتزهر بين الأمم«.
هذا هو الحبيب عاشور وهذه بعض من افكاره التي غرسها فينا فتربينا عليها وعملنا على ضوئها وإنني اغتنم هذه المناسبة لأقول لإخواني أعضاء المكتب التنفيذي وكل مناضلي الاتحاد وهياكله أن يضيفوا مطلبا إلى مطالبهم يتمثل في المطالبة بتخليد اسم الزعيم الحبيب عاشور في كل مدن الجمهورية بإطلاق اسمه على المدارس والمعاهد والمستشفيات والأحياء والشوارع.
وهنا أدعو أخي عبد السلام جراد الى تكوين لجنة علمية تشرف على كتابة تاريخ الاتحاد برواية صحيحة، واقعية ومطابقة للحقيقة والوقوف في وجه بعض الذين يأتون بشطحات لا علاقة لها بالاتحاد.
س / بماذا تريد ان تختم هذا اللقاء؟
أريد أن أتحدث عن دور الأخ الحبيب عاشور في احياء جزر قرقنة، فقد كانت شبه محررة أو ان شئت مهملة من الإستعمار الفرنسي زمن الحماية فلا وجود لمواطن فرنسي ولا بوليس ولا معمر. كان يحكمها خليفة من سكان الجزيرة يعين من طرف القايد المقيم في صفاقس وله صلاحيات محدودة وكان سكانها يعيشون حياة ريفية وغالبهم يعمل في صيد الأسماك كل حسب واحدة من طرقه المتعددة وغالب مواد معيشتهم تورد من صفاقس بواسطة سفن شراعية يتحكم اتجاه الريح في سرعتها في رحلة تدوم بين 5 ساعات و 24 ساعة فلا ضوء ولا ماء ولا هاتف ولا نقل بين القرى ولا شيء من مقومات الحياة.
بعد الإستقلال بقيت الجزيرة على ما هي عليه، فقام الأخ الحبيب عاشور رحمه الله بمعية البعض بتأسيس شركة سمّاها شركة احياء جزر قرقنة وترأس مجلس إدارتها وكان من مهامها جلب عدد من البواخر لنقل الأشخاص والسلع والسيارات بين صفاقس وقرقنة وكذلك عدد من الحافلات ومد طريق يربط كل القرى واحداث مرسى سيدي يوسف لرسو البواخر الآنفة الذكر وبناء نزل لجلب السواح ولتشغيل اليد العاملة كما وقع تجهيز الجزيرة بالكهرباء والماء والهاتف وبمعهد ثانوي وميناء لبواخر صيد الأسماك وتوسيع المستشفى المحلي الذي كان يعمل كمستوصف.
بعث هاته التجهيزات جعل بعض الخواص يبادر بإحداث عدة مشاريع تجارية وبناء نزل وشجع أبناء الجزيرة القاطنين خارجها على بناء مساكن فكثر العمران وازدهرت التجارة خصوصا في فصل الصيف. وعندما انتدبني للعمل في نزل قرقنة حدثني عن عدة مشاريع ستقام في المستقبل كبناء مطار وبناء عدة معامل ومؤسسات حتى يمكن لشباب الجزيرة الإستقرار بها وايجاد مورد رزق محترم.
لكن المشاكل التي واجهته وكانت نتيجتها السجون هي التي حالت دون تحقيق تلك المشاريع
أجرى الحديث محمد العروسي بن صالح


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.