في ظل تعدد المطارحات بشأن العدالة الإنتقالية وكيفية تجسيم مصالحة مع رجال الأعمال الذين تم تجميد أموالهم طرح الأستاذ قيس سعيد المختص القانون الدستوري تصوّرا يستفيد منه الشعب التونسي وخصوصا المناطق المهمّشة والمحرومة. وفي حديثه ل"الأسبوعي" قال قيس سعيد أن تونس اليوم في حاجة إلى عدالة لكن قبل أن تكون انتقالية يجب أن تصل الى المرحلة النهائية التي تؤسّس للمستقبل. وشدّد قيس سعيد على أنه لا يكفي الاستئناس ببعض التجارب المقارنة لأنها إذا كانت ناجحة ببعض الدول فإن حظوظها في النجاح في تونس قليلة لأنها لا تتلاءم مع أوضاعنا الخاصّة. وأضاف :« إذا كان الشعب التونسي قد أبدع آليات جديدة في العمل فعلينا أيضا التفكير في آليات جديدة في هذا الموضوع الخاص بالعدالة». فصل عن بقية القضايا وتنبني الفكرة التي طرحها قيس سعيد على أنه لابد من فصل القضايا المتعلقة بالفساد المالي على القضايا الأخرى المتعلّقة بالاغتيالات والتعذيب وتلك المتعلّقة بالفساد السياسي أو الأرشيف. ويندرج هذا التصور في إطار تمكين الشعب التونسي وخاصة المحرومين من هذه الأموال الطائلة التي إمّا أنها نهبت نهبا وأما انه تم جمعها بصفة غير شرعية وبدون وجه حق. إجراءات ناجعة ويقوم التصور على تحقيق جملة من الإجراءات أوّلها إبرام صلح جزائي يبقى بموجبه رجل الأعمال تحت طائلة حكم جزائي ويتعهّد بموجبه بوضع الأموال التي تحصّل عليها - علما وأنها مجمدة - للاستثمار في معتمديات محددة. وأوضح قيس سعيد أن العملية تقتضي أن يتبنى رجل أو رجلا أعمال معتمدية محددة. ويقوم بالاستجابة للمطالب التي يطالب بها الأهالي في تلك الربوع وكأنه نوع من التنمية للمعتمدية. ترتيب منطقي وثانيا يتم ترتيب المعتمديات وعددها 264 معتمدية ترتيبا تنازليا من الأفقر إلى الأقل فقرا. فيرصد إلى المعتمدية الأكبر فقرا المبلغ الأكبر وهكذا يكون رجل الأعمال مسؤولا بصفة شخصية عن الايفاء بما تعهّد به في الصلح الجزائي الذي تم إبرامه معه ولا ترفع عنه العقوبة التي يمكن أن تسلط عليه بمقتضى الصلح إلا بعد أن يكون قد أوفى بكل تعهّداته. ويقتضي هذا التصور وفقا لقيس سعيد أن تتولى أجهزة الدولة التنسيق بين مختلف المعتمديات المعنية ولكن لا يتم ضخ هذه الأموال بالطرق التقليدية المعروفة ولكن بطرق جديدة. صدى إيجابي وكشف لنا قيس سعيد أنه طرح هذا التصور في المجلس التأسيسي كما تحادث بشأنه مع بعض الجهات الحكومية التي أبدت ترحيبا به بل أن البعض قد تبناه للمصالحة بعد أن وجد صدى إيجابيا . كما لم ينف وجود تجاوب من حركة النهضة التي كان رد فعلها إيجابيا على حد تعبيره. وضع قانون وطالب قيس سعيد بوضع قانون في هذا الاتجاه باعتبار أن التجارب السابقة في المغرب وجنوب افريقيا وكوستاريكا وغيرها لا تتماشى مع الواقع التونسي لانه من غير المعقول أن تبقى حوالي 10 آلاف مليار مجمدة بينما تعيش عديد المناطق في حالة فقر. مؤكدا سعيه على أنه لابدّ أن يستفيد الشعب من الأموال المنهوبة. مع الإشارة إلى أن المؤسسات أو المصانع أو المشاريع التي سيتم بعثها تبقى بعد ذلك تحت تصرف المجموعة الوطنية من خلال التنسيق بين مختلف الأطراف المسؤولة أي أن رجل الأعمال يقتصر دوره على بعث المشاريع وتمويلها دون أن يستفيد منها من مختلف الجوانب.