مرّة أخرى تشهد إحدى جلسات المجلس الوطني التأسيسي حركة انسحاب احتجاجية جماعية تنفذها مجموعة من نواب المعارضة.. كان ذلك يوم أمس الثلاثاء خلال انعقاد أشغال لجنة المالية المخصصة لمناقشة قانون المالية التكميلي... أحد نواب المعارضة المشكلون لما بات يعرف ب"الكتلة الديمقراطية" داخل المجلس تدخل مطالبا بتغيير جدول أعمال الجلسة والخروج بها من نطاقها التخصصي الضيق إلى إطار جلسة عامة طارئة موضوعها البحث فيما أسماه "قمع مسيرة 9 أفريل 2012".. ولأنه يتعذر بحسب القانون الداخلي للمجلس على رئيس لجنة المالية الاستجابة لطلب النائب لعدم الصفة... فقد قرر أعضاء "الكتلة الديمقراطية" المعارضة مقاطعة الجلسة والانسحاب احتجاجا.. طبعا،،، ومن حيث المبدأ يبقى من حق أي نائب أو مجموعة نواب داخل المجالس النيابية المنتخبة بمختلف أنواعها واختصاصاتها أن تعبر عن رأيها بالطريقة التي ترتضيها.... فالمجالس النيابية والبرلمانات هي في الأصل فضاءات لتطارح الأفكار والاختلاف والائتلاف... ولكن الخوف يبقى من قابلية الوقوع في محاذير الفوضى والإساءة ولو عن غير قصد لا فقط لصورة هذه المؤسسة الديمقراطية العريقة بل وكذلك لصورة النائب ذاته في نظر عموم التونسيين... وإذا كانت بعض فصول القانون المؤقت للسلط العمومية تتيح لأعضاء المجلس الوطني التأسيسي حق الذهاب بعيدا لا فقط في مساءلة الحكومة بل وفي الاعتراض على أدائها و"إدانتها" (الفصل 19 مثلا يتيح لثلث أعضاء المجلس التقدم بمطلب لائحة لوم ضد الحكومة لدى رئاسة المجلس تعرض على التصويت) فلماذا إذن الالتجاء إلى المواقف الاحتجاجية الاستعراضية التي قد تزيد ولو من حيث لا يقصد أصحابها في تأجيج حالة الاحتقان السياسي وإعطاء الانطباع لعموم التونسيين بأن ظاهرة "الانفلات" والفوضى طالت حتى المؤسسات التي ائتمنها الناخبون على عملية الانتقال السياسي وإرساء دولة القانون والمؤسسات... ما من شك أنه يبقى من حقّ أعضاء المجلس الوطني التأسيسي أن يكونوا صارمين وغير متسامحين مع أية بوادر أو مؤشرات أو "رسائل" قد تحيل على أي توجه أو رغبة فيما يسمّونه "إعادة إنتاج الديكتاتورية" سواء كانت هذه الرسائل في شكل ممارسات قمعية أو مشاريع نصوص قانونية... ولكن يبقى من واجبهم أيضا ومن واجب كل القوى الوطنية أن تعطي المثل في الاحتكام إلى القانون والقطع مع الأشكال الفوضوية في التعبير والمطالبة بالحقوق حتى يتسنى للمجلس التأسيسي إكمال مهمته التاريخية في الآجال المحددة.