ليست وحدها المصالحة الوطنية التي يفترض أن تتوّج المسار الثوري لمرحلة ما بعد سقوط لا فقط نظام المجرم بن علي وإنما سقوط دولة الاستبداد "الوطنية" بعهديها البورقيبي والنوفمبري من تستدعي أن يتحمّل كل من ساهم في ارتكاب جرائم سياسية في حق تونس والتونسيين مسؤوليته التاريخية وأن يقرّ اليوم بكل شجاعة أدبية بأخطائه ومن ثمّة يعتذر للشعب التونسي عنها... وإنما أيضا منطق الانتصار لدولة القانون والعدالة والانصاف ذاته الذي بدونه لا يمكن الحديث لا عن عدالة انتقالية ولا عن تجاوز ولا عن تسام فوق الجراحات والآلام... فمطلب الاقرار والاعتذار اعتذار التجمعيين ومن قبلهم الدساترة للشعب التونسي عن جرائمهم التي ارتكبوها على مدى أكثر من خمسة عقود في حق تونس وأجيال من المناضلين الوطنيين من مختلف التوجهات السياسية (يوسفيين ويساريين وإسلاميين) لا يمثل اليوم مطلبا سياسيا يهدف به الاحراج أو الاذلال أو الاقصاء وإنما يمثل المدخل الأقرب إلى طيّ صفحة الأحقاد ولمّ شمل التونسيين جميعا واجتماعهم على خدمة مشروع الدولة الوطنية الجديدة،،، دولة العدل والحريات والقانون والمؤسسات... لا نزيد أن نقارب المسالة من جانب قضائي عدلي فهذا منحى أخر مداره لاحقا المحاكم والهيئات المختصة وإنما نريد أن نركز على البعد الإنساني الحقوقي الذي مداره شخص الضحية في المطلق بصفته ذاتا انسانية بشرية طالها الظلم والقهر والاعتداء وخلف فيها جروحا نفسية ومعنوية مزمنة لا تداويها وتضمدها إلا "حركة" اعتذار رمزية شجاعة من جلادها تكون عبارة عن رسالة اعتراف بنت لحظتها تاريخيا ولكنها ممتدة في الزمان والمكان دلاليا.. رسالة عنوانها: حتى لا تتكرر الأخطاء والجرائم في حق الوطن والانسان... إن مطلب الاعتذار الذي يرفعه اليوم في وجه التجمعيين والدستوريين قطاع عريض من التونسيين وبخاصة من السياسيين والنشطاء الحقوقيين والذي تحاول بعض الأطراف الأخرى "تعويمه" بحجة أن "الكل أخطأ في حق الكل" يمثل لا فقط محطة لازمة وضرورية في مسار المصالحة وتحقيق العدالة الانتقالية وإنما أيضا معطى جوهريا على ضوء وجوده من عدمه ستتحدد مدى جدية القطع مع موروث دولة الفساد والاستبداد والسير بالمقابل على طريق دولة المواطنة والقانون والمؤسسات. لذلك وجب ضرورة أن ننأى كمجموعة وطنية بهذا المطلب الحيوي عن أية تجاذبات أو محاولة توظيف سياسي حزبي ضيّق... فالذاكرة الوطنية تريد ألا تنسى لا بهدف التشفي أو الانتقام أو الاقصاء ولكن بهدف ألا تتكرر الأخطاء..