محمد صالح الربعاوي مع ازدياد التجاذبات السياسية بشأن موعد انتخابات المجلس التاسيسي ازدادت اكثر الصراعات السياسية والمجادلات الفكرية التي تشهدها الساحة الوطنية منذ 14 جانفي الماضي خاصة بعد تجاوز عدد الاحزاب 81 حزبا. وفي ظل هذا التباين اصبح لا مناص من رسم خريطة طريق تطمئن الشعب في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها بلادنا على جميع المستويات خاصة في ثنايا تذبذب الاوضاع الامنية وتعدد المخاطر الخارجية بشكل يمكن المواطن من النظر الى المستقبل بعيدا عن الريبة وهواجس الخوف . وباتت المصالحة الوطنية مطلبا اساسيا نادت به مختلف المكونات والحساسيات بعيدا عن الاقصاء والتهميش بل انها اصبحت اليوم ضرورية للخروج من هذا المسار الصعب الذي يتطلب بالتاكيد حوارا رصينا بعيدا عن التشفّي والانتقام . ولئن تتطلب هذه المصالحة بالنسبة لمختلف الحساسيات طي صفحة الماضي والقطع مع الحقبة السوداء لنظام الرئيس المخلوع فانها تستوجب في ذات الوقت ضرورة محاسبة كل رموز الفساد الذين روعوا العباد ونهبوا البلاد للشروع في صفحة جديدة تتماشى مع روح الثورة ومبادئها .كما أكدت كل الاحزاب ان هذه الخطوة تقتضي مصارحة حقيقية لطي صفحة الاستبداد والظلم الى الابد والدخول في مرحلة تعيد الاطمئنان الى النفوس في هذا المسار الصعب الذي تستعد فيه تونس لانتخابات المجلس التاسيسي والتاسيس لديمقراطية حقيقية تنبني على وفاق وطني حقيقي . واذا كانت المصالحة الوطنية قد اصبحت اليوم ضرورية اكثر من أي وقت مضى فان عديد التساؤلات تطرح بشان شروطها و اجراءات تجسيدها وتداعياتها . «الاسبوعي» اثارت هذا الموضوع مع بعض ممثلي الاحزاب والمنظمات ومختصين في مجالات مختلفة من خلال هذا الملف مصطفى صاحب الطابع (حزب الوفاق): وضعية حرجة تستدعي تجاوزالأحقاد و تجنب إشعال الفتن اعتبر مصطفى صاحب الطابع الأمين العام لحزب الوفاق ان المصالحة الوطنية باتت ضرورية في الفترة الحالية نظرا للتحديات التي تواجه بلادنا على جميع الأصعدة .فالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في حاجة الى مصالحة حقيقية تفضي الى خروج بلادنا من هذه الفترة الحرجة التي تتطلب وقفة حازمة من جميع الأطراف .وأضاف: «نحن في حزب الوفاق مع المصالحة لإيماننا العميق بدورها في تحصين بلادنا أمام مختلف الهزات ولم نتأخرفي اجتماعاتنا وحلقات التكوين في التحسيس بقيمة هذه المصالحة لأن مصلحة الوطن اليوم تقتضي ان نضع اليد في اليد من أجل إعادة البلاد الى المسار الصحيح «. ولئن اكد على ضرورة تجسيد هذه المصالحة في وقت قياسي لاعتبارات وطنية فإنه شدد على ضرورة المصارحة مع المساءلة ومحاسبة رموزالفساد بما يضمن استعادة الدولة لكل الأملاك التي تم نهبها وسرقتها بشكل مافيوزي .فالظرف الراهن يقتضي معالجة مختلف المسائل بحكمة وواقعية لتجنب إشعال الفتن والعمل على تجاوزالأحقاد والضغائن التي صنعها النظام البائد . أمين الله المناعي «حزب العدالة الاجتماعي الديمقراطي»: المصالحة الفعلية هي الطريق الوحيد الى الديمقراطية من جانبه أكد أمين الله المناعي دعوة «حزب العدالة الاجتماعي الديمقراطي» الذي تأسس منذ أيام فقط الى المصالحة الحقيقية التي تنبني على محاسبة كل من أذنب وتورط في الفساد لإنصاف الشعب على حد تاكيده. مضيفاك «نحن نؤمن ان المصالح تمرحتما عبر بوابة الشفافية والمحاسبة باعتباران المواطن اليوم ينتظر هذه الخطوة التي تظل أساسية من أجل بناء ديمقراطية حقيقية «. ولئن شدد المناعي على ضرورة المحاسبة بما من شأنه أن يعيد الثقة الى مختلف الأطراف فإنه أوضح أن هذه المحاسبة تشمل بالتاكيد كل رموزالفساد لأن أغلبية الذين انتموا الى حزب التجمع المنحل كانوا تحت ضغط النظام البائد الذي حاصر الجميع. كما استطرد: «نحن كحزب العدالة الاجتماعي الديمقراطي نساند كل عملية مصالحة إيجابية من شأنها أن تخدم وطننا في هذه المرحلة الدقيقة التي يمربها. كما أننا نقوم بدورنا التوعوي في هذا المجال أثناء لقاءاتنا بمنخرطي الحزب ومختلف الفئات الاجتماعية باعتبارأن المصالحة تستدعي الكثير من الجهد حتى تعيد الطمانينة الى النفوس ونطوي الصفحة السوداء التي عايشنا مختلف فصولها نظام المخلوع. ولاشك أن هذه المرحلة تتطلب نوايا نزيهة لأن الشعب التونسي اليوم في حاجة إلى التضامن أكثر لمواجهة مختلف المخاطروالتحديات التي تواجهه». خالد شوكات (مديرمركز دعم الديمقراطية في العالم العربي): ضرورة فتح مناظرة وطنية حول المصالحة قال خالد شوكات مديرمركز دعم الديمقراطية في العالم العربي ان المصالحة الوطنية تكتسي اليوم أهمية بالغة لدورها المصيري في المشروع الديمقراطي في تونس.وبلا مصالحة لا يمكن المرور الى بقية مراحل المشروع الديمقراطي بسلامة وصلابة كما ان هذه المصالحة الوطنية تقتضي في رأيه قدرا كبيرا من الصراحة والشفافية في معالجة الملفات الصعبة التي ميزت العقدين الماضيين حيث شاهدنا حدوث الكثير من التجاوزات في حق الانسان التونسي وفي حق الحريات العامة. واستطرد: «من اهم اخطر هذه الملفات التي يجب فتحها هوالتعذيب والسجن بسبب الراي وبالتالي لا يمكن السكوت عمن انتهكت حرماتهم الجسدية وحقوقهم الشخصية والجماعية. كما يجب الاستفادة من تجارب الشعوب التي شهدت ممارسات مماثلة والتي قدمت فيها الدولة اعتذارات رسمية باسمها للضحايا فعندما يتكلم مثلا السيد الباجي قايد السبسي عن هيبة الدولة وعن أن استمرارية الدولة تتمثل في وفاء الحكومة الحالية بما التزمت به الحكومات السابقة مثل مسألة الديون؛ فإذا كان الأمر يسري في هذا الجانب فيجب ان يسري كذلك في حقوق الانسان ويتمثل في الاعتذار رسميا لهؤلاء الضحايا وتعويضهم «. ولاحظ « شوكات»: إن تونس مرت بسنوات جمروحقبة سوداء لكن في هذه المرحلة الانتقالية لم نتمتع بالشجاعة الكاملة لفتح هذه الملفات المؤلمة لأن الجروح لكي تشفى وتندمل يجب فتحها جيدا وتنظيفها ومن ثمة مداواتها» .مضيفا: «على الدولة في هذا المجال ان يكون اعتذارها صريحا مع التاكيد ان المحاسبة لا تعني التشفي اوالانتقام إنما ان يمكن أولئك الذين مارسوا الانتهاكات من تبرئة ذمتهم ومن التطهرلأن الجلاد عندما يعتذر لضحيته بمقدوره أن يقضي بقية أيامه أكثر راحة وأقل تانيب للضمير .واذا ما مارسنا هذا النوع من المكاشفة والمصارحة سنكون أقدرعلى تنمية الثقافة الوقائية وان نكون اقدرعلى إبرام التفاهمات فيما بيننا. وهذه القيم والقدرة على ايجاد حلول وسطى بين الفرقاء والخصوم السياسيين هي ضرورية لممارسة الديمقراطية بشكل صحي وفعال.» القضاء على الخلايا السرطانية وعن أهمية المصالحة الوطنية في الفترة الراهنة أكد محدثنا انها اولوية قصوى في هذه المرحلة التاسيسية باعتبارأن هذه المرحلة هي التي ستضع اسس الدولة الجديدة؛ متابعا: «نحن نريد ان تكون الاسس قوية ولذلك يجب ان نتألم قليلا نتيجة المصارحة وهذا يجعلنا نواجه بعض الألم ولكن هذا الألم افضل من ان نترك جروحنا دون مداواة .حقيقية؛ يمكن ان تسبب لا قدرالله خلايا سرطانية لاننا لم ننفذ الى المشاكل الحقيقية. وما ألاحظه ان هناك رغبة لدى بعض الأطراف في طي صفحة الماضي بدون الكلام في تفاصيلها من باب ان هذا الماضي ماض ذهب مع الرئيس المخلوع وان هذا الرئيس واعوانه هم من يتحمل هذا الأمر وفي هذا التمشي مخاطر كبرى لأن الرئيس السابق لم يكن يمثل نفسه عندما ارتكب هذه التجاوزات التي ارتكبها من خلال أجهزة الدولة وبالتالي علينا ان نمارس التفتيش في دفاترالدولة ونبحث عن مواطن الخلل التي جعلت الدولة تنحرف بالشكل الذي رايناه وان نمارس استمرارية الدولة في التعامل مع هذه الملفات وهكذا فعلوا في المغرب الأقصى عندما اعتذر الملك محمد السادس عن جرائم والده وهكذا فعلوا في الشيلي وجنوب افريقيا والبرازيل التي نعلم ان رئيستها الحالية كانت إحدى ضحايا التعذيب في عهد الحكم العسكري» قراءة شجاعة كما شدد» شوكات «على انه كي تمرالدول من هذه المرحلة بطريقة صحيحة وحتى تكون المصالحة الوطنية مورست بطريقة ذات مصداقية وجب وقوف الضحايا والجلادين في قاعة واحدة ويتقدم الجلادون باعتذارات لا لبس فيها ولا تبريركما يتحدث الضحايا عن معاناتهم في وسائل الإعلام الوطنية فيحصنوا الاجيال الناشئة من خلال رواية قصصهم الرهيبة ؛ يحصنونهم ويلقنونهم ضد تكرارالتجربة» .وواصل حديثه: « نلاحظ ان التلفزة الوطنية حققت في الفساد ولكنها لم تحقق بعد في التعذيب كما لم تتحدث عن قانون الأحزاب الذي ما يزال ساريا الى اليوم وهوأحد أدوات الانتهاك.» واعتبر ان المصالحة الوطنية يجب ان تبدا بقراءة شجاعة لفترة الحكم السابق وباعتذارالدولة اعتذارا صريحا لكل الضحايا من دون تمييزاواستثناء ثم التعويض للضحايا جميعا مع ضرورة فتح مناظرة وطنية حول المصالحة الوطنية تكون من تنظيم الدولة وتدعو اليها كافة القوى السياسية والفكرية ومكونات المجتمع المدني والنقابات لكي يؤسس التونسيون من خلال هذه الورشة العقد الاجتماعي الجديد الذي في رأيه سيساعد المجلس الوطني التاسيسي على صياغة قواعد الدستور الجديد.