36 مليون دينار على ذمة الشركات الاهلية.. نموذج تنموي جديد    دبي تزف بشرى لأصحاب المواهب وصناع ورواد قطاع الألعاب الإلكترونية    5 جامعات تونسية تقتحم تصنيفا عالميا    مسؤولة بالستاغ : فاتورة الكهرباء مدعمة بنسبة 60 بالمئة    إيران تعلن عن مفاوضات لتحسين العلاقات مع مصر    ليلة ثالثة من الأضواء القطبية مع استمرار عاصفة شمسية تاريخية    راس جدير: ضبط ليبي بصدد تهريب 8 أفارقة إلى الأراضي التونسية    تصفيات أبطال إفريقيا لكرة السلة: الإتحاد المنستيري يتأهل الى المرحلة النهائية    تفاصيل جديدة بخصوص الكشف عن شكبة إجرامية دولية للاتجار بالمخدرات..#خبر_عاجل    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    وفاة أول متلقٍ لكلية خنزير بعد شهرين من الجراحة    كاس تونس لكرة القدم : برنامج مباريات الدور ثمن النهائي    بطولة ايطاليا: تعادل جوفنتوس مع ساليرنيتانا وخسارة روما أمام أتلانتا    رئيسة لجنة الشباب و الرياضة : ''لم تحترم الوزارة اللآجال التي حددتها وكالة مكافحة المنشطات ''    نائبة بالبرلمان : '' سيقع قريبا الكشف عن الذراع الإعلامي الضالع في ملف التآمر..''    حوادث/ 6 حالات وفاة خلال 24 ساعة..    راس الجدير: ضبط 8 أفارقة بصدد التسلل إلى تونس بمساعدة شخص ليبي..    صفاقس موكب تحية العلم المفدى على أنغام النشيد الوطني بالمدرسة الإبتدائية محمد بالي    تحذيرات من انتشار داء الكلب خلال هذا الصيف...30 ألف كلب سائب في تونس الكبرى فقط    الهند ستحقق نمواً اقتصادياً قوياً على الرغم من التحديات الهيكلية    دربي العاصمة 1 جوان : كل ما تريد أن تعريفه عن التذاكر    أرسنال يستعيد صدارة البطولة الإنقليزية بفوزه على مانشستر يونايتد    نتنياهو: نناقش "نفي قادة حماس.."    مصر: انهيار عقار مأهول بالسكان في الإسكندرية وإنقاذ 9 أشخاص    بداية من الغد: درجات الحرارة تتجاوز المعدلات العادية لشهر ماي    اليوم: برهان بسيس وسنية الدهماني ومراد الزغيدي أمام النيابة العمومية    بين الإلغاء والتأجيل ... هذه الأسباب الحقيقة وراء عدم تنظيم «24 ساعة مسرح دون انقطاع»    المالوف التونسي في قلب باريس    عاجل/ بعد الاحتفاظ به: هذا ما كشفه محامي الاعلامي مراد الزغيدي..    بعد اجرائها في مارس.. وفاة المريض الذي خضع لأول عملية زرع كلية خنزير    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    اليوم..محاكم تونس دون محامين..    دراسة تربط الوزن الزائد لدى الأطفال بالهاتف والتلفزيون..كيف؟    مئات الحرائق بغابات كندا.. وإجلاء آلاف السكان    وفاة أول مريض يخضع لزراعة كلية خنزير معدلة وراثيا    أمام دعوات لمقاطعتها ...هل «يضحّي» التونسي بأضحية العيد؟    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    القيروان: غرق ثلاثة شبان في صنطاج ماء بالعين البيضاء    سوسة حجز 3000 صفيحة من القنب الهندي وحوالي 15 ألف قرص من مخدّر إكستازي    كرة اليد: الترجي يتفوق على المكارم في المهدية    شركة "ستاغ" تشرع في تركيز العدّادات الذكية "سمارت قريد" في غضون شهر جوان القادم    مدنين: نشيد الارض احميني ولا تؤذيني تظاهرة بيئية تحسيسية جمعت بين متعة الفرجة وبلاغة الرسالة    سيدي بوزيد: تظاهرات متنوعة في إطار الدورة 32 من الأيام الوطنية للمطالعة والمعلومات    رسمي.. فوزي البنزرتي مدربا للنادي الإفريقي    قادة الجيش يتهمون نتنياهو بتعريض حياة الإسرائيليين والجنود للخطر وهاليفي يؤكد إن حرب غزة بلا فائدة    وفاة 3 أشخاص وإصابة 2 اخرين في حادث مرور خطير بالقصرين    افتتاح نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك وسط العاصمة لعرض منتوجات فلاحية بأسعار الجملة وسط إقبال كبير من المواطنين    وزارة التجارة: تواصل المنحى التنازلي لأسعار الخضر والغلال    سيدي بوزيد.. اختتام الدورة الثالثة لمهرجان الابداعات التلمذية والتراث بالوسط المدرسي    صفاقس تتحول من 15 الى 19 ماي الى مدار دولي اقتصادي وغذائي بمناسبة الدورة 14 لصالون الفلاحة والصناعات الغذائية    حضور جماهيري غفير لعروض الفروسية و الرّماية و المشاركين يطالبون بحلحلة عديد الاشكاليات [فيديو]    اليوم: إرتفاع في درجات الحرارة    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    الدورة 33 لشهر التراث: تنظيم ندوة علمية بعنوان "تجارب إدارة التراث الثقافي وتثمينه في البلدان العربيّة"    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    نحو 6000 عملية في جراحة السمنة يتم اجراؤها سنويا في تونس..    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار هام للأستاذ حمادي الجبالي مع القدس برس
نشر في الوسط التونسية يوم 16 - 07 - 2007

أكد القطب الإسلامي البارز، ورئيس المكتب السياسي الأسبق لحركة النهضة التونسية، ومدير تحرير صحيفة /الفجر/ الممنوعة من الصدور منذ أكثر من خمسة عشرة عاما في حوار مع "قدس برس" إنه مع كل حوار حقيقي وجاد ومثمر من أجل تغيير نهج السلطة "الأمني والقضائي"، في التعامل مع ملف "الإسلاميين"، إلى منهج "سياسي وحضاري"، حسب وصفه.
وقال المهندس الجبالي، الذي قضى أكثر من 15 عاما في السجون التونسية، إن احترام الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، هو المطلب الأساسي والملحّ في مجتمعاتنا العربية الإسلامية.
وأوضح الجبالي أن الحركة الإسلامية في تونس تؤمن بتعدد الأفكار والأحزاب والمؤسسات داخل المجتمع، مضيفا أن "هذه التعددية هي نتاج وفرع عن قيمة حريّة الإنسان، التي نناضل من أجل إرسائها وترسيخها في مجتمعنا".
كما أكد الجبالي أن الحريّة قيمة محورية في المنظومة الإسلامية، معتبرا أنه كلّما شاعت الحرية في المجتمع، وتعددت فرص الاختيار الحرّ عبر انتخابات نزيهة وشفافة إلا وبرهنت المنظومة الإسلامية على تجذرها في النفوس، وشعبيتها في المجتمع، وكذلك احترامها المبدئي لقيم الحرية وحق الاختيار.
وفيما يلي نص الحوار الذي أجراه مراسل "قدس برس" في تونس، الزميل محمد فوراتي، مع القيادي الإسلامي البارز حمادي الجبالي، في مقر إقامته بمدينة سوسة الساحلية.
* كيف كانت تجربة السجن. وما هي تأثيراتها على صحتك؟
- السجن هو عبارة عن محطة تكاد تكون "ضرورية" في حياة كل مناضل أو بالأحرى لكل من أراد أن يكون ضمن الطليعة المقاومة للاستبداد، من أجل إقرار وتجسيم مشروع "الإنسان الحر".
هذا المشروع الحضاري العظيم الذي بشر به الإسلام وكل الأديان السماوية، وجعلها قيمة محورية ومقتضى التكليف المناط بعهدة الإنسان، وهي الخلافة في أرض الله على أساس من الحق والعدل والمساواة.
أقول محطة ضرورية لأن طبيعة الصراع أو التدافع بين الحريّة والاستبداد تقتضي من حملة لواء المقاومة دفع الضريبة من حياتهم أو صحتهم أو مالهم...وتلك سنة الله في خلقه، فليس ثمة طلب دون دفع مقابل "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى". وذلك يحتاج إلى صبر ومصابرة "وتواصو بالحق وتواصو بالصبر".
إذا نظرنا إلى تجربة السجن من خلال هذه الزاوية وهذا الفهم فإن تأثيراتها على صحّة وتفكير المناضل تكون كلها ايجابية بوصفه يؤدي واجبا شرعيا، "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، تنصهر فيه كل طاقاته المادية والذهنية، مهما كبرت الصعاب والتضحيات، بل لا تكون هذه الأخيرة ذات بال أمام ما يشعر به المناضل من سعادة وطمأنينة وهو يكرّس حياته كلّها لإنجاز هدفه الأسمى.
* ما هي خصائص السجن الانفرادي كما عشتها؟ وكيف يستطيع الإنسان تحمل هذا النوع من السجن؟
إذا كان السجن هو أسوأ ما أنجز الإنسان على وجه البسيطة، فإن الحجز الانفرادي هو من أبشع ما ابتكر السجان داخل هذا السجن. والقصد من وراء هذا الإجراء التعسفي كما هو الشأن من سجن المناضل السياسي عامة هو تحطيم مقومات صبره وصموده، أي هزمه وإخضاعه، أو بعبارة أدقّ تحطيم إرادته لأن الحياة كلها تدور حول محور"تدافع الإرادات". فالمقصود أو مدار النصر والهزيمة هنا ليس "ماديا"، بل هو بالدرجة الأولى معنوي نفسي. فإذا استطاع المناضل السجين استجماع عوامل الصمود والقوة من داخله بالارتفاع فوق ضعفه"، وخلق الإنسان ضعيفا"، فإن المعادلة ستنقلب رأسا على عقب ويصبح "السجين سجانا والسجان سجينا". وهو ما لا يتسنى إلا باستشعار المناضل في كل لحظة من حياته بعدالة ونبل وسموّ قضيته ورسالته، واستلهامه من مصدر القوة.. قوة الحق.
* هل وقعت مبادرات للحوار معك من خلال وساطات ما؟
إذا كان المقصود من داخل السجن فلم يقع الحوار معي إطلاقا رغم سعيي المتكرر لإرساء حوار حقيقي وجاد ومثمر من أجل استبدال التعاطي "الأمني القضائي" مع ملف المساجين الإسلاميين بتعاطي "سياسي حضاري"، لأنه السبيل الأنجع والوحيد لمعالجة المسائل المجتمعية الشائكة.
* لكن تردد أن هناك مبادرات للوساطة تمت بين حركتكم والسلطة بعضها جاء من شخصيات سعودية؟
لقد علمت بعد خروجي من السجن بوجود مثل هذه المبادرات، وأنا أحيي وأثمّن كل مبادرة صلح "والصلح خير" وكل خطوة قطعت من أجل تخفيف الغبن والمعاناة على كل المساجين وأسرهم. ولعلي أخص بالذكر هنا ما بلغني من سعي السلطات السعودية، وعلى رأسها الملك عبد الله لإيجاد حل لهذه الأزمة ورجائي أن تثمر مثل هذه المبادرات الطيبة ويبارك فيها المولى عز وجل. كما أغتنم هذه الفرصة لأوجه تحية شكر وتقدير لكل من ساهم ويساهم في الدفاع عن الحرية بالكلمة والموقف الشجاع. فبقدر ما نحن طلاب حق وأصحاب مبادئ نناضل من أجلها ونتشبث بها ونصرّ عليها مهما كانت العراقيل والتضحيات، فإننا في نفس الوقت لا نغلق بابا للصلح ونترفق في الأسلوب، ونتبع المنهج الإسلامي ولا نحيد عنه.
* إذن كيف تتصور الحل السياسي بين الحكم وحركة النهضة؟
هذا السؤال يحمل في طياته الجواب لأن الخلاف هو في جوهره خلاف سياسي يقتضي معالجته بالطرق والوسائل السياسية، ضمن مقاربة شاملة متكاملة حتى وإن كانت متدرجة المهمّ أن تكون الخطوات واضحة جادة وعمليّة.
لكن الأهم في هذا الصدد أنّ المشكلة الآن ليست بين الحركة والسلطة، إنما المسالة تهمّ المجتمع ككل في أقدس مقوماته، ألا وهي احترام الحريات الأساسية، وحقوق الإنسان، وهو المطلب الأساسي والملحّ في مجتمعاتنا العربية الإسلامية.
* يلاحظ أن هناك تيارات إسلامية جديدة بدأت تظهر على الساحة التونسية، ومنها التيار السلفي بتفريعاته، وهو ما يمكن أن يكون له تأثيرات على مكونات الحركة الإسلامية، كيف تنظرون إلى ذلك؟
نحن كحركة سياسية مدنيّة يقوم داخلها على أساس ديمقراطي لا يمكنها إلا أن تقبل بل تؤمن بتعدد الأفكار والأحزاب والمؤسسات داخل المجتمع، وهذه التعددية هي نتاج وفرع عن قيمة "حريّة الإنسان" التي نناضل من أجل إرسائها وترسيخها في مجتمعنا. وانطلاقا من هذه القناعة فإنه من الطبيعي بل الإيجابي أن تكون هناك تعددية فكرية وسياسية داخل الساحة الإسلامية بوصفها جزء من المجتمع، وهذه التعددية لها جذور في تاريخنا الإسلامي ( تعدد المدارس والاجتهادات والمذاهب الفقهية)، وهي ظاهرة إيجابية وضرورية لنماء وتطور الاجتهاد والفكر الإسلامي والإنساني عامة.
أما عن التسميات والنعوت مثل "السلفية" فليس هذا المهم، بل غالبا مع الأسف ما توصم به مختلف الحركات الإسلامية بهدف زجها في تصنيف مغرض لتحقيق أهداف لم تعد خافية على أحد (كالإرهابيين والمتطرفين والظلاميين...). ثم إن هذه التيارات كما توصف متكونة في معظمها من أبنائنا وإخواننا الشباب الذين أنتجتهم المحنة في زمن ضرب الحركة وما تبعه من فراغ فكري وسياسي.
أما عن تأثير هذه التعددية على خطنا، فهي لن تزيدنا إلا يقينا ورسوخا لأننا ننطلق من ثوابت أهمها:
إن الإسلام هو دين الفطرة والوسطية ( في كل شأن) وهو الأقرب إلى فطرة الإنسان، وهي حالته الطبيعية التي نستمد منها منهجنا في التعامل معه ومع المجتمع عامة. فمثلا قول كلمة الحق والدفاع عنها والثبات عليها وعدم المساومة فيها. وبالتالي إعطاء القدوة في الصبر والصمود قولا وفعلا..هو أبلغ وأنفذ في تغيير العقليات والسلوك عند الفرد والمجتمع من استعمال "السيف" والرصاصة والقنبلة التي تبقى في المنهج الإسلامي حالة أو ملاذ استثنائي يلجأ إليه تحت الإكراه والعدوان المسلح السافر والدفاع الشرعي عن النفس والدين.
إننا لا ندعي التحدث باسم الإسلام لأنه دين الأمة كلها أو الوصاية على معتقداته لأننا جزء من هذه الأمة، وننأى بأنفسنا على الإدعاء بأننا وحدنا نملك الحقيقة لأنها ملك للجميع ولا نفرض رأينا على غيرنا لأننا نؤمن بالحريّة للجميع. وانطلاقا من قيمة الحرية فإننا لا نقصي ولا نكفر أحدا سواء أكان فردا أم طرفا أو مؤسسة أو مجتمعا، بل نحن ندعو في إطار العقل الإسلامي إلى وحدة الغاية والهدف مع التعاون والتكامل في المناهج والوسائل، ولا يتم ذلك إلا بإحياء معاني الأخوة الإسلامية خاصة، والإنسانية عامة، ومن أهم مستلزمات الأخوة: تحريم هدر دم الإنسان بغير حق، لأنها من أكبر المحرمات عند اللّه بعد الشرك.
* بعد بروز "حركة 18 أكتوبر" التي تضم عدة تيارات سياسية من قوميين وإسلاميين ويساريين أصبح هناك حديث عن إمكانية توحيد المعارضة حول مطالب معينة، كيف ترى مستقبل هذا المشروع؟
إلتقاء مكونات المعارضة شكّل حدثا هاما ومنعرجا في الساحة السياسية التونسية بالرغم من أنه لم يكن اللقاء الأول من نوعه، ولكنه يتميز اليوم بنضج الرؤية عند مكوناته، والوضوح في أهدافه، والواقعية في مطالبه، والجديّة في أعماله.
هذه المستلزمات تعتبر اليوم الحدّ الأدنى أو القاسم المشترك الذي يمكن أن يقام عليه أي عمل جاد ومؤثر على الساحة، من أجل بلوغ حياة سياسية ديمقراطية جديرة بالاحترام من طرف المواطن والمجتمع التونسي الذي مازال وللأسف الشديد بعيدا عن كل مشاركة مؤثرة في الشأن العام. ولعل من أهم وأبرز عوامل وأسباب هذا العزوف والاستقالة السياسية والاجتماعية والثقافية، إلى جانب أجواء الكبت والترهيب ورواسب الجهل والخوف، عوامل كامنة في صلب المعارضة من نخبوية معزولة عن هموم الشعب، وعدم توفر قدوة أو أسوة لقيادة هذه المعارضة. ومن أبرز شروط القدوة أو القيادة المقاومة والنضالية دون كلل أو ملل، ودون حسابات ضيقة، وبوضوح كبير في الأهداف والوسائل.
ولعل من أبرز مميزات "حركة 18 أكتوبر" أنها بدأت تستجمع بعض الشروط رغم أن الطريق مازال أمامها طويل وشاق. ولكنها بداية تبدو لحدّ الآن صحيحة وموفقة خاصة في مطالبها المرحلية، من إفراغ للسجون من السياسيين، وإطلاق حرية التعبير والتنظم والإعلام، كركائز أساسية لمجتمع ديمقراطي تعددي.
هذه الخطوة الأولى المتمثلة في الالتقاء أو التقاطع بين أطياف المعارضة تأتي لسدّ الفراغ الخطير في المجتمع التونسي والمتمثل في الانفراد بالحكم من طرف واحد، في كل مقاليد ومصائر المجتمع، مما انجر عنه انخرام مخيف في التوازن على كل المستويات، فأدى إلى إشاعة اليأس والاستقالة الجماعية ومظاهر العنف التي بدأنا نلمح تجلياتها، خاصة عند الشباب التائه عن هويته والحائر على مستقبله.
هذا الواقع خطير ونتيجته المستقبلية أخطر على الكل وعلى السلطة القائمة أولا. وما لم تستوعبه هذه السلطة بعد أن في ضرب وصدّ المعارضة وعلى رأسها حركة النهضة هو ضرب وإضعاف للمجتمع كله ولمناعة واستقراره لأن للمعارضة دور ومهمة اجتماعية لا غنى عنها، وهي الضامن الحقيقي لكل توازن واعتدال، لذلك فإن مستقبل هذا العمل المشترك يكاد يكون مرتبطا أو مرادفا للمستقبل الذي نريده لمجتمعنا. فبقدر ما تكون المعارضة قويّة في مطالبها ومصداقيتها وبالتالي في شعبيتها وموحدة في سعيها يكون المجتمع محصّنا من كلّ استبداد وانفراد بالحكم ويقترب إلى المجتمع المدني الوسطي الذي نسعى إليه جميعا.
وبالتالي فإن دعم وإنجاح أي عمل جاد للمعارضة حول أهداف مرحلية مشتركة ثم التدرج به وتطويره إلى " تحالف استراتيجي لبديل ديمقراطي" يتسع إلى أوسع جبهة ممكنة من شخصيات فاعلة ومنظمات أهلية وأطراف اجتماعية وأحزاب سياسية تتفق على هدف كبير هو أن تونس تتسع للجميع اليوم وغدا دون استثناء ولا إقصاء. وهذه التعددية والتنوع هو أفضل ضمان لوحدة شعبنا وتماسك مجتمعنا. وفي انتظار تحقيق هذه الجبهة فإن هدف ومشروع "حركة 18 أكتوبر" هو النضال والمقاومة من أجل إرساء مناخ للحريات، وهو المدخل الوحيد والصحيح لكلّ بناء ديمقراطي.
* بعد وصول بعض الحركات الإسلامية للحكم وخاصة في تركيا وفلسطين وحصول الإخوان في مصر على عدد من المقاعد البرلمانية، كثر الحديث عن علاقة الإسلاميين بالديمقراطية. هل ترى أن الحركات الإسلامية في هذه الدول ستنجح في إعطاء صورة ايجابية عن مشاركة الإسلاميين في تجارب الحكم؟
قبل الجواب هناك ملاحظة أولية أريد أن أسوقها بكل لطف ولكن بكل صراحة ووضوح للذين نصّبوا أنفسهم أوصياء على قيم الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان أن يلزموا أنفسهم بما يطالبون به غيرهم. وخاصة عندما يطالبوننا بعدم التفرّد والوصاية على معتقدات الناس ودين الأمة، لأن مثل هذه العقلية تشكّل استبدادا بقيم نؤمن بها جميعا، فلا تمايز ولا فرق إذن إلا بالعمل والالتزام بها اليوم وغدا. فلندع جميعا التشكيك في النوايا وإعطاء الدروس واحتكار لغة الديمقراطية وحقوق الإنسان ومطالبة بعضنا البعض بتقديم شهادات براءة...لأن ذلك يصبّ في خانة واحدة وهي تبرير الاستبداد والإقصاء المتبادل.
أما عن تجربة أو نجاح بعض الحركات الإسلامية فأعتبره دليلا إضافيا بأن الحريّة قيمة محورية في المنظومة الفكرية العقدية الإسلامية. فكلّما شاعت في المجتمع فرص الاختيار الحرّ عبر انتخابات نزيهة وشفافة إلا وبرهنت المنظومة الإسلامية على تجذرها في النفوس وشعبيتها في المجتمع، وكذلك احترامها المبدئي لقيم الحرية وحق الاختيار، وليس ذلك من قبل التكتيك المرحلي، بل من قناعة متأصلة ترتفع إلى درجة ومرتبة الواجب الشرعي. فنجاح هذه التجارب الإسلامية مرتبط أشدّ الارتباط بنجاحها ذاتيا في الالتزام بهذه القيم، أي حريّة الرأي والاختيار في صفوفها والتطوّر في الفكر والمنهج وأساليب العمل والتداول على مواقع القيادة.
ونجاحها مرتبط أيضا بقناعتها بضرورة وحتمية التعددية داخل المجتمع وايجابيّة المشاركة والمساهمة مع غيرها في إرساء مجتمع حرّ في الاعتقاد والاختيار، متضامن بين أفراده، وعدل بين فئاته، ومعتدل في خياراته، متفتح على غيره.
ومن مقومات النجاح أيضا بناء الدولة الحديثة ذات المقاربة البراغاماتية في تناول قضايا المجتمع والاشتغال في حلّ ومعالجة القضايا التي تهمّ البنى التحتية للمجتمع كالأمية والبطالة والمساواة في توزيع الثروات والخيرات والنمو والعدالة الاجتماعية والتعليم... وبخلاصة إقامة المجتمع المتحضّر والمعاصر في إطار القيم الاسلامية والانسانية المشتركة.
* ولكن هناك تحديات تواجه اليوم دولنا الوطنية منها الفساد والبطالة والفقر والامراض والتخلف الاقتصادي وغيرها، هل بإمكان الحركات الاسلامية ان تقدم حلولا واقعية؟
هذه فعلا التحديات التي تواجه مجتمعاتنا جميعا ونحن تجاهها بمثابة ربان السفينة الواحدة ذات المصير الواحد. ولكن في البحث عن الحلول والعلاج لهذه القضايا وجب قبل كلّ شيء معرفة الأسباب والمعوقات لحلّها. أوما يعبّر عنه بتشخيص الداء ومسبباته بصفة موضوعية.
أضرب مثلا وضعنا في تونس فهناك ولا شكّ أسباب موضوعية من مثل شحّ الموارد الطبيعية من ماء وطاقة وغيرها، وكذلك ضيق السوق الداخليّة (مع التركيبة الشبابية لمجتمعنا)، وضعف البنية التحتية للاقتصاد أمام المزاحمة العالمية والتكتّلات الإقليمية والدولية وغيرها من الأسباب، والتي وجب التصدي لها جماعيا، وذلك باستجماع كل القوى والطاقات دون إقصاء أو تهميش (لأنها تهم مستقبلنا ومستقبل الأجيال من بعدنا) وحسن استغلالها لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، وليس لنا من حلّ آخر لأن كل إقصاء أو تهميش لأي فئة ولأي جهد أو الاستبداد بالرأي والقرار هو هدر لهذه الطاقات وتضييع للفرص وعجز عن رفع التحدي، ولكن عمليّة التجميع هذه وحشد الطاقات لها شروطها ومقومات نجاحها ومن أبرزها رفع كل القيود المادية والمعنوية من أمامها وأعني بالأساس:
- طي صفحة الماضي وتضميد الجراح وأعني به إطلاق سراح المساجين السياسيين ورفع المعاناة والحصار على المسرّحين، وتمتيعهم بحقّ المواطنة، وعودة المغتربين، وسن العفو التشريعي العام.
- إشاعة الثقة والأمان في صفوف الناس دون تمييز (سياسي أو اجتماعي) وذلك باحترام الحريات وحقوق الإنسان نصّا وتطبيقا لأن المواطن الفاقد لحريته وكرامته غير قادر على رفع التحدّي.
- سيادة واحترام القانون من الجميع دون توظيف فئوي أو سياسي تجسيدا لدولة القانون والمؤسسات.
- التشريك الفعلي لكل مكونات المجتمع بالرأي والإنجاز ضمن منهجيّة واضحة تقوم على العمل المؤسساتي بعيدا عن الارتجال والمناسباتية.
هذه هي الأرضية الصالحة لقيام أي حوار أو مصالحة وطنيّة تمهّد لاستنفاد كل القوى الفاعلة في المجتمع والتصدي للتحديات التي تواجه أوطاننا.
* تتحدث بعض الأوساط الغربية على أن غياب الديمقراطية في المشرق هو سبب الإرهاب ولذلك تتهاطل مشاريع الإصلاح المدعومة من الخارج. ويقرن البعض الآخر بين هذه المشاريع والاستعمار كما حدث في العراق ويحدث الآن في لبنان؟ فهل يمكن إيجاد حوار متوازن مع الغرب دون السقوط في فخّ المشاريع الاستعمارية؟
الغرب مصطلح واسع وجب تحديده حتى لا نقع في فخ الأحكام المسبقة كمقولة "رفض الغرب جملة وتفصيلا" ولا أيضا اتخاذه قبلة تشدّ إليها القلوب والرحال.
وكلتا الحالتين تنمان عن ضعف ونقص فينا حيث هي أقرب إلى المواقف الارتجالية المزاجية، وهي أبعد ما تكون عن المواقف الرصينة المبنية على قواعد سليمة في الحكم والتعمال ومن أهمها:
- مبدئية المنطلقات وأعني بها قيم الإسلام في التعامل مع غيرنا من الشعوب والثقافات والمبنية على التعارف عوض التنافر، وتبادل الاعتراف عوض القطيعة، وعدم العدوان والسلم عوض التصادم والتقاتل، لأن الإسلام دعوة عالمية جاءت بالأساس استجابة وتلبية لفطرة الإنسان من توفر مناخات السلم والحرية والعدالة والحوار وضمان حقوق الإنسان.
- عمق الفهم والتحليل وواقعية التنزيل وهي مع الأسف نقيصة عندنا فنحن في العالم العربي كأفراد أو مجموعات أو حكومات نفتقر لحدّ الآن إلى التقاليد العلمية في معرفة وفهم الآخر بكل أبعاده ومكوناته. في حين نجد أن الغرب مثلا يزخر بالآلاف من المعاهد ومكاتب الدراسات الاستراتيجية والدولية والاستشراف والتحليل والإحصاء إلى جانب الجامعات التي تنتج أبحاثا أكاديمية تركز على النظريات والمفاهيم والأساليب في معالجة القضايا. ومنذ عقود شهد الغرب إنشاء ما يسمى بخزانات الفكر لردم الهوة بين الأبحاث الأكاديمية والممارسة العملية في كل المجالات.
وهذه المفارقة تكفي لوحدها لتبيان الهوة الشاسعة التي تفصلنا عن فهم ومعرفة هذا الجزء من العالم وخاصة دراسة العناصر المؤثرة في صناعة القرار عندهم ليتسنى لنا نحن أيضا اتخاذ القرار الصحيح.
ومن هنا أعرّج على القاعدة الثالثة في التعامل مع الغرب فبعد المنطلقات والفهم نأتي إلى الواقعية ولا أعني بالواقعية الخضوع للأمر الواقع بل المقصود هي عملية تنزيل النظرية إلى الواقع والتكيّف معه بقصد تغييره تدريجيا نحو الهدف الأعلى عبر أهداف مرحلية.
إن همّ الغرب كان ولايزال تحقيق أمنه وهذه المنطقة تشكل بالنسبة إليه من أهم وأخطر المناطق، فهي أكبر خزان لاحتياطي البترول والغاز في العالم، وهي من أكبر المناطق، ومتاخمة لقارات عدة كما تربط بينها ممرات مائية استراتيجية، وتحتوي على موارد هائلة، وسوق استهلاك واسعة.
كل هذه المعطيات جعلت منها محط أنظار ومصالح ورهانات كبيرة منذ زمن بعيد..منذ الحملات الاستعمارية والإجهاز على الخلافة العثمانية، واحتلال فلسطين وإنشاء الدويلات الوطنية بالانقلابات أو التنصيب والتي انقسمت بدورها إلى بيادق خلال الحرب الباردة بين مؤيد للغرب الشيوعي بقيادة روسيا ومؤيد للغرب الرأسمالي بقيادة أمريكا. وحسمت المعركة ولو لحين لصالح أمريكا وحلفائها، وهو ما دفع الغرب الرأسمالي الليبرالي وخصوصا أمريكا إلى التطلع إلى آفاق أرحب في الخارطة الجيوسياسية للعالم ولتوسيع "مفهوم الأمن القومي" إلى رحاب "الأمن العالمي" للنظام الدولي الجديد الذي تخطط لإقامته.
وأول مجالات هذا التطلع المنطقة العربية الإسلامية ثم جاءت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 لتعجل من نسق هذا الصدام الذي نظر له فوكوياما وهينتينغتون.
الواضح إذن أن منطقتنا تمر بمخاض عسير وعلى كل المستويات وهي مفتوحة ومرشحة لكل الاحتمالات، خاصة إذا لم تعي شعوبها دقة المرحلة.
* في ختام هذا اللقاء ماذا تقول للإسلاميين، للمعارضة عموما، وللمنظمات الحقوقية؟
لا أريد أن انتصب واعظا أو مدرّسا لأن مستوى المتلقي تطوّر ولا بدّ من المراهنة على وعيه.
أقول لإخواني المناضلين أن الإسلام دين الفطرة الإنسانية، دين الرحمة ودين الرفق والاعتدال والحكمة، كما هو أيضا دين العزّة والأنفة وعدم القبول أو الرضوخ للظلم وللاستبداد أو الطغيان.
وأقول أن الإسلام وأرض الإسلام هي اليوم مدار مطامع وصراع وتحدي ورهان كبير يتوقف مآله على كيفيّة إدارتنا لهذا الصراع المحتدم، وكيف نتعامل مع انفسنا ومع الآخر؟ وكيف نقدّم ديننا لشعوبنا ولغيرنا من الشعوب التي ترصدنا وتنتظر ماذا نقول وكيف نتصرّف؟ كما أؤكد أننا في أمسّ الحاجة إلى إحياء قيمة الأخوة من محبة وخفض جناح الذل من الرحمة وأن نحترم بعضنا ونتعاون فيما نتفق عليه، وليعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه. كما لا بدّ أن ندير الحوار بيننا ونحترم حرية الرأي والاجتهاد داخلنا.
أضيف أيضا أنه علينا أن نحرّم دماءنا ولا نكفّر بعضنا وأن ندع الفتنة الطائفية والمذهبيّة وأن يرتقي آداؤنا إلى تحديات العصر وقضايا الأمّة وتطلعات شعوبنا. كما لا بدّ أن نكون مع غيرنا الرحمة المهداة نيسّر ولا نعسّر ونكون القدوة الحسنة ندافع عن الحق ولا نخشى فيه لومة لائم، نناضل لإقرار الحرية لنا ولغيرنا.
أما لإخواني في المعارضة عموما فأقول إن شعوبنا ترزخ تحت ثقل الماضي البائس والحاضر الرديء والمستقبل المجهول. فشعوبنا تبحث عن الخلاص من خلال نخبها ولكنها لا تأبه بالشعارات والخطب والبيانات بقدر ما تبحث عن قدوة تقودها نحو التحرر والانعتاق من قيود الجهل والتخلف واللامبالاة والاستقالة الجماعية، وكذلك من الذلّ والهوان والخضوع للاستبداد، ولن يتمّ ذلك إلا باستعداد هذه النخبة للتضحية وأن تكون "الطليعة المقاومة" من أجل إقرار الحرية في كل أبعادها..فالحرية للجميع دون إقصاء ولا استثناء.
وأقول للمنظمات الحقوقية شكرا لنضالكم ودفاعكم اللامشروط عن كل ضحايا الإرهاب والظلم والاستبداد.
إن مهمتكم نبيلة وإنسانية في عالم الأحادية الثقافية، والتوحش الاجتماعي، والتغول الاقتصادي، والهيمنة السياسية العسكرية.
فأنتم بصيص الأمل في هذه الغابة البشرية المتوحشة، وتستحقون كل تقدير ودعم من كل المناضلين ومن كل المستضعفين من أجل إشاعة قيم ومبادئ إنسانية مشتركة.. قيم العدل والحرية والمساواة.
*المصدر موقع وكالة قدس برس للأنباء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.