بقلم : محمد الشيخ «كل من يدعي خلاف ذلك عليه إثبات العكس» عبارة تبدو مفحمة تكرر التصريح بها من أكثر من وزير بالحكومة ليدرأ عنه اعتماد معايير غير موضوعية عند التعيينات والتسميات بعد أن بدأت الحكومة تدخل في جوهر الموضوع ضرورة ، وتمر إلى اختيار الوسائل البشرية التي ترى أنها تضمن تفعيل تصوراتها وبرامجها. وفي ظل مناخ سياسي تنعدم فيه الثقة، بين أطراف تأسست علاقاتها تاريخيا على صراع الوجود واستراتيجيا الإقصاء ورفض الآخر ليتحول ذلك ثقافة تحكم كل المجالات ، ابتداء من مقاعد الدراسة، فلا يمكن للمواقف والتقييمات إلا أن تكون مجرد ردود للمتكلمين والمتمنطقين من هنا وهناك فلا للمعارض وجاهة ولا للسلطة رد مقنع. سيدي وزير الإصلاح الإداري ، الذي احترم تاريخه واقدر حسن نواياه، أتقبل رأيك فأنت محمول على الصدق ، ما لم يقدر من دعوته لإثبات ذلك على إثبات ذلك ، وربما كان من ادعى استمرار المحسوبية والخلفيات السياسية على غير حق ، سواء كان احتجاجه صيدا في الماء العكر أو حكما انطباعيا عن حسن نية وعدم دراية ، ولكن هذا لا يجب أن يحجب عنك الجانب الآخر من المسالة التي يسألها أي مواطن بسيط مثلي : كيف تم اختيار هذه الكفاءات التي أسلم معك أنها كفاءات ؟ ومن أدرانا وأدراكم أن لا كفاءات غيرها أو أحق منها ؟ وأحق منها بأي معيار ؟ إن الاختيار مسؤولية لا رقابة فيه إلا من الضمير، لذلك فانه من الترف ومن غنائم الثورة أن نسال اليوم وزيرا عن التسميات والتعيينات وأراني مدفوعا أن اكتفي بأن أقرأ عليك بعض عيوب الإدارة والتسيير وهي باقية إلى اليوم تنتظر مرور الثورة بسلام ونخشى أنها تنجح في ذلك أو لعلها نجحت حتى في وجود خطة وزير إصلاح إداري. فطرق العمل لا زالت غير فعالة وغير عصرية ولا تعتمد على قاعدة بيانات ذات مصداقية بقدر ما تعتمد على الارتجال والشخصنة في غياب المقاييس القانونية وليت المجال يتسع ها هنا للتوسع ، لكتبنا في هذا المؤلفات ولكن الأكيد والأهم أن تعلم انه لم يتغير شيء في طرق العمل الإداري بعد مائة يوم من حكم ما بعد الثورة ولا بوادر لتغيير أي شيء، وارفع عنك عبء إثبات خلاف ذلك إن خالفتني الرأي ، والسبب سيدي الوزير منطقي من حيث انه لا شيء يتغير بوجود نفس الأشخاص أو أن نفس الأشخاص لا يمكن أن نطلب منهم إنتاج شيء مختلف عما أنتجوه وينتجونه ، فهذا قانون طبيعي ، فكيف إذا رأينا الأشخاص باقون أو أن نضيف لهم أو نغيرهم بأشباههم من نفس المدرسة. لقد كان اختيار مسؤول على رأس الإدارة في العهد البائد يقوم على معيار معروف : أن يثبت ولاؤه المطلق للسلطان وأن يكون مسلوب الإرادة ، فاقد المبادرة ، لا لون ولا طعم ولا رائحة له ، ولا شخصية، وحتى ينجح هذا في معركة بقائه على الكرسي، كان لزاما عليه استهداف وتهميش كل من يكتشفه من الكفاءات خوفا أو عقدة مما يمكن أن يتصوره من المقارنات فأصبحت لنا إدارة ترأسها اللاكفاءة يستبعد منها النافع إلى مواقع لا تأثير ولا أهمية لها فيتقاضى أجرا على عمل لا يقوم به إلا في حال تم الالتجاء إليه اضطرارا بحكم الخبرة المميزة وربما متفوقة وهو من جهته كالطفيلي ، تدفعه الغيرة على عمله ومؤسسته ووطنه وهو داء لم يقدر على الشفاء منه. لقد تابعنا نشاطكم الوزاري كما تابعه الإعلام وتابعنا القيام بجولات مراقبة مستمرة على الإدارة بدأتها من القصر الرئاسي.... وما فاجأنا هو حصيلة الاستنتاجات التي صرحت بها والتي تهتم بالحضور والانفلات والانضباط وإلى ذلك من مهام القيمين أو القيمين العامين عادة ولا الوزراء ، أما الأسلوب فيذكر بجولات هارون الرشيد وهو يتفقد الرعية وفي الأخير لا يتعدى أن يكون مادة إعلامية جيدة. لقد تابعنا واستنتاجنا حول الإدارة أن الذين كنا نعرف امتيازاتهم ونعرف أنهم المعنيون أولا بالتسميات والتعيينات والامتيازات لوجود أشباح من خارج الإدارة توصي بهم خيرا مازالوا يتمتعون بنفس الأفضلية ونفس الأسلوب ومنطقيا بتأثير نفس الأشباح وان الكفاءة وتاريخية المسار المهني بقيت بأرشيف إدارات الموارد البشرية لم ينفض عنها الغبار وبقينا نقدم الزبد على انه ينفع الناس وما ينفع الناس يذهب جفاء ، كما بقي جنود الخفاء في الخفاء وبقي الوطن محروما من الاستفادة والإصلاح في وجود وزير الإصلاح ، ومن يدعي خلاف هذا فليثبت العكس.....