بقلم: د. إبراهيم قويدر إن العقلية العربية بصفة عامة، والعقلية الليبية بصفة خاصة، تميل إلى شخصنة الأشياء والقضايا، حتى وإن كانت القضية ظاهرة عامة، فعند الحديث عنها ترى الناس بتفكيرهم المتواضع يميلون نحو شخصنتها وربطها باسم شخص معين، حاكمًا كان أو مسؤولاً أو عالمًا أو كاتبًا. لاحظت ذلك من خلال ردود أفعال الناس تجاه ما يجري في كل مجالات الحياة المختلفة، ولعل ما جعلني أبحث في هذا الموضوع وأعمل على الاطلاع على البحوث التي أجريت حوله عربيا وعالميا من النواحي النفسية والاجتماعية، عندما كتبت مقال لا يا سيادة رئيس القوات البرية. ورغم أني حددت منذ بداية المقال وفى منتصفه وكررت في نهايته أننى أتحدث عن ظاهرة، ورغم أن عددا كبيرا يفوق ال200 تعليق وصلني من قراء عدة، مقدرًا لما تناولته في المقال؛ ولكن غيرهم كتب لي معاتبًا بأن (الرجل) عمل كذا وكذا.. وهنا بدأت الشخصنة، فأنا كنت أعني محاربة التمييز بين أبناء المسؤولين وأبناء الليبيين الآخرين، كنت أعني الإجراءات المبالغ فيها في الأبهة والحراسة، كنت أعني أنه لا يمكن أن توجد بعد ثورة 17 فبراير وظيفة مسؤولة اسمها ابن فلان، هذا ما كنت أرمى إليه، وكنت أحث الرجل على أن يصلح من أبنائه، وأيضًا طالبت بضرورة أن يمتثلوا جميعًا أمام النيابة والقضاء لترسيخ مبدأ المساواة أمام العدالة. لكن الردود حولت الموضوع إلى شخصنته، وكأن بيني وبين صاحب الحالة قضية شخصية، ومنهم من تجنى علي واتهمني بالكذب والزور؛ لكي يظهروني بالمتكلم في حق الرجل بالبهتان. المهم في موضوع الشخصنة، وهو موضوع خطير فعلاً، أنه تبين لي، من خلال اطلاعي وقراءاتي، أنها ظاهرة مرتبطة بالثقافة العربية، قل ما تجدها في الغرب؛ لأنهم يفصلون ما بين الشخص وتصرفاته، فيقولون لك: إن فلانًا يحاكم على الأفعال التي ارتكبها ولا يحاكم؛ لأنه فلان، وهذا جوهر القضية. وفى حال تطبيق هذا المبدأ على حالتنا الليبية، فإن معمر القذافي الملازم في 1969م لو استمر في حياته ووصل إلى درجة لواء الآن- ولو تفتح عمل الشيطان، ولن تغير من الواقع شيئا- لكان إنسانًا مثله مثل بقية الليبيين، أو لو أنه بعد توليه الحكم بسنتين أجرى انتخابات دستورية وسلم السلطة لمن انتخبهم الشعب، أو حكم من خلال نظام ديمقراطي سليم، وسخر إمكانات ليبيا لصالح شعبه، فحتما كانت ستتغير نهايته، ولن تكون بهذه الطريقة. ولكن أفعال القذافي الاستبدادية وقتله لناسه الأبرياء واغتصابه للنساء بنفسه ومن خلال جنوده ومعاونيه بعلمه وبأمره، وهدر أموال الليبيين وغطرسته، ووصوله إلى مرحلة الاعتقاد بأنه جاء من السماء مكلفًا بمهمة إلهية، كل هذه الأفعال التي سيطر فيها جانب الشر في تكوين القذافي على جانب الخير- الذي كان ضعيفا- أدت إلى هذه النهاية، وجعل الشباب الثائر عندما يرونه أمامهم يسارعون إلى الانتقام من أفعاله جراء عمله غير الإنساني، فالشعب الليبي لم يعرف القذافي الإنسان، وهو لم يعرفنا بذلك، ولكن عرفناه مستبدا خارجًا عن العفة والطهارة كارهًا لكل من يرى رأيًا مخالفًا لرأيه. وأبناء القذافي مثل أبيهم، فهم يحكم عليهم بأفعالهم السيئة التي يقومون بها، سواء في الداخل أو الخارج، وتصوروا معي لو أن أحدهم ملتزم أخلاقيا ويلتقي الناس ويصلى معهم الجماعة ويعمل الخير من خلال مؤسسة خيرية، تصوروا معي ذلك، فهل كان سيتعامل معه الليبيون كما تعاملوا مع المعتصم أو خميس، وهل كان سيهرب مثل محمد والساعدي؟! بالطبع لا، لأنه كان سيجد من الليبيين من يقف ستارًا بينه وبين من يريده بسوء. ِإذن الأفعال هي المقياس وليس القول، فالأفعال هي التي يقيمنا بها الآخرون، أما الأمور الشخصية الإنسانية فتظل بينها وبين الأفعال التي يقوم بها الشخص علاقة تبادلية تعتمد في الأساس على التنشئة الاجتماعية، فإذا نجحت في زيادة رقعة الخير في عقل وتفكير الإنسان أصبح إنسانًا خيرًا، وإذا كانت تنشئته سيئة زادت من مساحة الشر في عقله وتفكيره، فيصبح إنسانًا شريرًا. فالأمر، إذن، يحتاج منا دائمًا إلى رد الأمور إلى نصابها، فنحن كبشر نتعامل مع أفعال وتصرفات، وليس مع أشخاص هذه الأفعال أو أسرهم ما لم يفعلوا مثلهم، فمن قاتل مع القذافي ضد الشعب والثوار ومات في هذه المعارك، فبطبيعة الحال لا يمكننا أن نحاسب أسرة عن فعل رب الأسرة أو ابنها، بل أرى أن نهتم بهم ونحسن معاملتهم ونجعلهم يندمجون في مجتمع ليبيا الجديدة؛ لكي لا نشخصن ما قام به والدهم أو أخوهم، وبالتالي يتربون وينشأون نشأة حاقدة على الثورة وعلى ليبيا الجديدة، وحذارِ- سادتي الأفاضل- من الشخصنة، فكل إنسان يحاسب على أفعاله، أما شخصه كإنسان ونواياه فهي متروكة لخالقه، ولكل إنسان ما نوى. حقيقة أن موضوع الجنود وبعض ضباط الصف وبعضهم بعائلاتهم سواء كانوا فى الكتائب القذافيه أو الأجهزة الأمنيه المختلفة علينا أن نعرف من هم ونحصرهم ونجمع بيانات عنهم ونبدأ بتواصل معهم لان منهم الكثير الذين ممكن أن يتم تنظيفهم من الشوائب التى التصقت بهم من خلال عملهم السابق مع الأسرة القذافيه المستبدة وأنا على يقين أن منهم الكثير الذى يبحث عن طريق للعودة والحياة داخل مدينته أو قريته وبين أهله وجيرانه ومنهم من ندم الآن ندما كبيرا بعد أن عرف حقائق الأمور وتبين له زيف ما كانوا يقولون له. وأيضا لدينا عدد لا بأس به من فتيات ما كان يسمى الحرس الثورى والثوريات القذافيات المتواجدات فى مصر وتونس وغير ذلك من المدن وبدأت حياة البعض منهن تدخل فى إطار العوز وهناك معلومات تشير أن البعض منهن يمارسن الانحراف وواجب علينا التحقق من هذه المعلومات ومحاولة التواصل معهن للوصول إلى حلول تمكنهن من التوبة والعودة. وهنا لا اقصد أبدا أن تقوم بذلك الحكومة بل يكون من خلال مؤسسات المجتمع المدنى وبعض الحكماء الليبيين وبرعاية الدولة وكافة أدواتها الأمر مهم لكى نستطيع التفريق بين الشخص الإنسان الذى خلق الله فيه الخير والشر وبين أفعاله الدنيويه التى تتحكم فيها عوامل كثيرة نفسيه واجتماعيه وبيئيه.