البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    تكريم فريق مولودية بوسالم للكرة الطائرة بعد بلوغه الدور النهائي لبطولة إفريقيا للأندية    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    حريق بوحدة تصدير التمور يُخلّف خسائر مادية بدوز الشمالية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    كرة اليد: الترجي في نهائي بطولة افريقيا للاندية الحائزة على الكؤوس    سيدي بوزيد: انطلاق فعاليات الدورة التاسعة للمهرجان الدولي الجامعي للمونودراما    تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين    كاردوزو: سنبذل قصارى جهدنا من أجل بلوغ النهائي القاري ومواصلة إسعاد جماهيرنا    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    عاجل/ انتشال نحو 392 جثمانا من مجمع ناصر الطبي ب"خان يونس" خلال خمسة أيام..    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    الداخلية تشرع في استغلال مقر متطور للأرشيف لمزيد إحكام التصرف في الوثائق    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    جندوبة: 32 مدرسة تشارك في التصفيات الجهوية لمسابقة تحدي القراءة العربي    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    روح الجنوب: إلى الذين لم يبق لهم من عروبتهم سوى عمائمهم والعباءات    لعبة الإبداع والإبتكار في رواية (العاهر)/ج2    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    المهدية : غرق مركب صيد على متنه بحّارة...و الحرس يصدر بلاغا    Titre    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ بمنزل بورقيبة: هذا ما تقرر في حق الموقوفين..#خبر_عاجل    رئيس الجمهورية يجدّد في لقائه بوزيرة العدل، التاكيد على الدور التاريخي الموكول للقضاء لتطهير البلاد    الكيان الصهيوني و"تيك توك".. عداوة قد تصل إلى الحظر    بطولة كرة السلة: النتائج الكاملة لمواجهات الجولة الأخيرة من مرحلة البلاي أوف والترتيب    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها على البلجيكية غريت    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    اليوم: عودة الهدوء بعد تقلّبات جوّية    قفصة: تورط طفل قاصر في نشل هاتف جوال لتلميذ    شهداء وجرحى في قصف صهيوني على مدينة رفح جنوب قطاع غزة..#خبر_عاجل    ماذا يحدث في حركة الطيران بفرنسا ؟    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    سعيد في لقائه بالحشاني.. للصدق والإخلاص للوطن مقعد واحد    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    وزارة الصناعة تكشف عن كلفة انجاز مشروع الربط الكهربائي مع ايطاليا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأفق المسدود
الدين بين مطلب العقل وسلطة الإيمان الحقلة الثانية والاخيرة : بقلم : محمد المزوغي
نشر في الشعب يوم 26 - 05 - 2007

القارئ المتبصّر والملمّ بتاريخ العلوم وبالانساق الفلسفية يدرك جيدا ان العناصر الفكرية التي عزاها راتسينغر للعقيدة المسيحية أعني التنوير اليوناني وجعل الإله يتصرّف بعقلانية، لا تُطابق أبدا ما جاء في كتابات المؤرخين المحترفين والفلاسفة الغربيين أنفسهم، وأقوال المؤرخ جيلسونلهي لا هي دليل مقنع على ذلك لكن الدليل المحدد والاكثر اقناعا في هذا الشأن يأتي مباشرة من نصوص الفكر الاسلامي لانها تنقض أقوال راتسينغر جملة وتفصيلا. لقد قال إن في «تعاليم الإسلام، اللّه مطلق التعالي، وإرادته ليست مرتبطة بأيّ من مقولاتنا، ولا حتى بمقولة العقلانية»، ثم استشهد بالمستشرق روجي أرنالدز (Roger Analdez)، الذي قرأ في كتاب ابن حزم بأن الله غير ملزم بالوفاء بكلمته، ولا شيء بُرغمه على ان يكشف لنا الحقيقة ولو لم تسبق ارادة الله لكان اعتناق الشرك أمرا جائزا.
إن اطروحة ابن حزم هذه معروفة في العالم الاسلامي ومتداولة قبله بقرون وهي ممكنة، في عالم له آخر (1) فكل ما جعله الله محالا في العقل وادركناه على انه كذلك فإنما كان محالا منذ جعله الله محالا وحين احدث صورة العقل لا قبل ذلك فلو شاء الله ألّا يجعله محالا لما كان محالا (2) ان يكون الله قادرا على المحالات الواقعية والخلف المنطقي مثل ان يجعل شيئا مو جودا معدوما معا في وقت واحد أو جسما في مكانين أو جسمين في مكان واحد ادى بابن حزم الى تثبيت امكانية الاعتقاد المسيحي في بنوّة المسيح فعلا، من يسأل: «هل الله قادر على ان يتخذ ولدا؟ الجواب انه تعالى قادر على ذلك (3) وما يدعم هذا الرأي ان الله نصّ على ذلك في القرآن قال تعالى «لو اراد ان يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهّار» (4).
وكما قال مؤرخ الفلسفة القروسطية جيلسون فإن اعتباطية الارادة الالهية وجواز العالم من الاعتقادات الراسخة في الفكر المسيحي: الكون بأسره هو نتيجة فعل ارادة (volitum) والاشياء الموجودة يمكن ان تكون مغايرة لما هي عليه الآن وقولة ارسطو في كتاب العبارة من أن»كل ماهو موجود حين وجوده هو ضرورة موجود (omne quod est quande est necesse est esse) مرفوضة من الاساس لانها تقوّض القدرة الالهية وتحدّ من حرية الله في ابتداء الخلق واعادته كيفما شاء ليس هناك ضرورة حتى في الفعل الالهي هذا مبدأ الأشاعرة في ملّة الاسلام ونجده هكذا على حرفيته عند المتكلمين المسحيين مثل توماس الاكويني الذي ذهب الى ان كل ما يفعله الله يفعله بارادة حرّة (Quidquid Deus facit volontarie facit5) وإرادة الله الحرة في فعل كل شيء تتطابق مع مبدأ العقيدة المسيحية الذي يقول: «اعتقد في إله واحد أب قدير (Credo in unim Deum patrem omnipotentem) لكن هذا المبدأ اللاهوتي يتعارض رأسا مع العقل ومع مبادئ العلم دون الانطلاق من فكرة ان الكون قديم ومكتف بذاته ومنظم بحسب قوانين ضرورية وحتمية فإننا لا ننتج علما بل استيهامات لاهوتية الواقع العيني يجب ان يحوز على كثافته الانطولوجية، وينبغي ردّ الاعتبار الى القوانين الحتمية التي تسير الكون هذا ما تفطن اليه بعض الفلاسفة اللاتين الذين ساروا على هدي كتابات ارسطو وابن سينا وابن رشد حينما قالوا بان «لا شيء يحدث بالصدفة، بل كل الاشياء التي ليست مستحيلة الوقوع تحدث بالضرورة واذا اعتبرنا الاسباب جميعها لا شيء يحدث على الجواز (6) «
لكن بالنسبة لاغلبية فلاسفة القرون الوسطى ليس هناك مبادئ نظرية ثابتة ولا حتى اسباب وطبائع تؤثر في بعضها البعض، لان كل الاشياء تخضع لمبدإ الخلق المجاني المطلق العالم والاحداث وافعال الانسان كلها ناتجة عن قدرة إليهة وهذه القدرة حرّة ولاتسير بحسب ايّ معيارمن معايير العقل والمنطق الانسانيين (7) القدرة الإلهية تتجاوز المنطق لانها لا تحتاج في أفعالها الى الاسباب الفاعلة والطبائع بل ان كل شيء يصدر منها مباشرة ودون واسطة (8) أما العلل الطبيعية ما يسمى بالعلل الثانية (causae secundae) فهي تعبيررمزي عن اعتباطية الارادة الالهية، لأننا حتى وإن شاهدنا في الواقع مفعولها المباشر فإن ذلك لا يضفي عليها استقلالية تخرجها عن التحكّم الالهي: السؤال عن ماهية تلك المخلوقات وطبائعها الذاتية الملازمة لها هو سؤال فاضل ولا معنى له لان المسببات هي من اسرارالارادة الالهية الحرّة (9).
لقد تلازم رفض الضرورة الطبيعية مع رفض الوجود الواقعي للكلّى: المفهوم المجرّد لا وجود له إلاّ في الاذهان (10) وهو كلمة مُقالة أو مكتوبة وهذا المنحى المعرفي يقف عند حدّ المعطيات الحسيّة الفردية: العقل الانساني لا يعرف إلاّ الأعيان المشخصة ولا يدرك إلاّ الظواهر الخارجية التي تستنفذ جميع مداركنا العقلية. اما الكيانات الغيبية فالعقل غير قادر على البرهنة على وجودها والتحقق منها: مفاهيم الخير والشرّ، الحقيقة والخطأ ليست لها قيمة ثابتة، ولا تفرض نفسها، بماهي كذلك، على العقل البشري لأنها أمور جائزة، والله قادر على تبديلها حسب ارادته الحرة، وهذا يتعارض مع آراء فلاسفة الاسلام من الارسطيين الذين اعتبروا تلك الكيانات لها وجود واقعي في العقل الالهي وهو الضامن لوجودها ولا يمكن ان تفسد الا اذا فسدت الذات الالهية وهذا محال وطبقا لهذه النظرة الواقعية يغدو نظام العالم مصون من الاعتباط لأن هناك مثلا خالدة يجب على الله أن يحترمها في انشائه للعالم. الله حرّ، لكن حريته ليست دون قواعد، والوجود مُنّظم في بنيته الداخلية ومقنن بحيث يمكن دراسة الموجودات ومعرفة قوانينها لكن، اصحاب الارادة من اللاهوتيين المسلمين والمسيحيين برفضهم الكلي والمفهوم المجرّد وبتعليقهم كل شيء بإرادة إليهة حرّة مطّطوا من مجال الامكان لكي يشمل كل الكائنات حتى تلك التي اكتملت وتشخصت بالمادة المشراليها (materia signata)، والفعل الالهي اصبح فاقدا للضرورة وبالتالي غير خاضع لاي منطق عقلاني عالم الوقائع الفعلية في هذه الحال يفقد من اسبقيته والاولوية تصبح عند علماء الكلام مخصوصة بعالم الامكان، وبالتالي حتى عملية المعرفة ذاتها لا ترتبط ضرورة بماهو واقع، بل بماهو ممكن وإن كان هذا الممكن غير موجود مجرد وهم او شبح خلقه الله فينا دون وجود ما يقابله في الواقع. المعرفة الحدسية بأشياء غير موجودة (cognitio intuitiva de obiecto non existente) ممكنة لأن المعرفةالحدسية، كحدث فردي ، لا تتعلق بالموضوع المدرك الذي يقابل الذات الفردية، وبالتالي فإنه ليس من الخلف تصور فعل معرفة بموضوع غير موجود وهذا جوهر الحدس والالهام والنبوّة التي يمكن ان يمنحها الله مجانا الى عباده المصطفين بقدرته اللامحدودة، تلك الالهامات تقطع سلسلة الاسباب والمسببات وتتجاوز دائرة الواقع الضيق لتلج في عالم الممكن الرحب.
إنه الجواز المطلق المتمركز حتى في ميدان المعرفة الانسانية. الاشياء الفردية لا تدرك في ذاتها ومن الممكن ان يحدث الله فينا حدسا معرفيا لاشياء غير موجودة وهذا الجواز يطال ايضا دنيا الغيب. نحن لا نستطيع ان نعرف الله في ذاته (Deus non petest cognosci in se) ولا يمكن ان نعرف الله في حياتنا هذه من خلال مفهوم بسيط يخص الذات الالهية ثم ان هذا الجواز يلف أيضا الجانب الاخلاقي العملي من حياة الانسان ويؤثر في نظرته الى مصيره بعد الموت: خلاص الانسان لا يتمّ باعماله ولكن بالنعمة الالهية وحدها ليس هناك ترابط سببي وضروري بين الفعل واستحقاق النعمة: الاعمال الصالحة لا يمكن ان تُجبر الله على مجازاة الانسان بالحياة الابدية. الله ليس له دين مع أحد من مخلوقاته (ipse nullius debitor est) هذه القولة لغليوم الاوكامي تذكّرنا بمثيلتها عند العزالي في كتابه «الاقتصاد في الاعتقاد» حينما ادعى بان «الله قادر على إيلام الحيوان البريء عن الجنايات ولا يلزم عليه ثواب» نظرا لانه حر في ان يتصرف في ملكه كيفما شاء وليس له دين مع أحد من مخلوقاته وبالتالي، فإن «الظلم مسلوب عنه (11)» حتى وان فعل الشرور وعذّب مخلوقاته الابرياء، الخير والشرّ والجمال والقبح لا وجود لها كمثل خالدة ولا تفرض نفسها على العقل الانساني بل تعتمد في نهاية المطاف على الارادة الالهية الحرّة والعقل الانساني لا يستطيع بمفرده ان يحدّدها ويعرف حقيقتها ان لم ينزل الوحي وقد يكون الشرّ في عبادة الله والخير في عدم عبادته، بل قد يكون كره الله (Odium Dei) امرا جائزا ولا أحد يستطيع التثبت في هذه الحياة الدنيا من أنّ الله لا يمكُر أو لا يخدع الانسان هذا جائز بالوحي، و»العقل» لا يُلزم الله بفعل الاصلح (12).
كل هذه الاطروحات موجودة في كتب اللاهوتيين المسيحيين من أوغسطينوس الى غليوم الاوكامي وغيرهم من اعلام السكولاستية المتأخرة، ولها ما يوازيها عند علماء الكلام من أهل الاسلام. ومعروفة أيضا الاطروحة النقيض للمفكرين العقلانيين من معتزلة وفلاسفة، والتي تُعلي من الحكمة الإلهية على حساب الإرادة الشيء الذي أدى بهم الى الحدّ من إرادة الله وقُدرته وتقييد أفعاله بمعايير عقلانية وإبن حزم الذي استشهد به أرنالدز وراتسينغر، هو الذي يورد اقوال المعتزلة بأمانة ويعرض آراءهم بشفافية وموضوعية لا غبار عليها. يقول حاكيا آراء المعتزلة بخصوص افعال الله وعلاقتها بأفعال الانسان:» قالوا ان جميع افعال العباد، من حركاتهم وسكونهم في اقوالهم وافعالهم وعقودهم لم يخلقها الله (13) ثم قالوا «إن الله ليس في قوّته أحسن ممّا فعل بنا وأنّ هذا الذي فعل هو منتهى طاقته وآخر قدرته التي لا يمكنه ولا يقدر على أكثر» المعتزلة لها تصوّر للإله ولافعاله لا يجيز الاعتباطية ويمنع الله من ان يقدر على الخلف المنطقي او ان يقلب جوهر الطبائع، او خرق مبدأ عدم التناقض قالوا: «إنه لا يقدر على المحال، ولا على ان يجعل الجسم ساكنا متحرّكا معا في حال واحدة ولا ان يجعل إنسانا واحدا في مكانين معا» وبالجملة ارادة الله منتهية لها كل وأبعاض وأجزاء ولا تمتدّ لكل انواع المقدورات او تشمل اللانهائي. هذا ما قاله ابو الهذيل العلاف «انّ لما يقدر الله عليه اخرا ولقدرته نهاية لو خرج الى الفعل ولن يخرج لم يقدر الله بعد ذلك على شيء أصلا، ولا على خلق ذرّة فما فوقها، ولا على إحياء بعوضة ميّتة، ولا على تحريك ورقة فما فوقها ولا على ان يفعل شيئا اصلا» ومن البديهي جدّا أن يخدش هذا القول العقلاني حساسية الانسان المؤمن، فعلا لقد استنكر ابن حزم هذا التقييد للارادة الالهية وتحديد قدرته كما استنكر ذلك كل المتكلمين المسيحيين من أقدمهم الى أحدثهم عهدا قائلا «هذه حالة من الضعف والمهانة والعجز قد ارتفعت البقّ والبراغيث مدّة حياتها عنها، وعن ان تُوصف بها وهذا كفر مجرد لا خفاء».
لقد أنكر المتكلم المسيحي، المعاصر لتوماس الالكويني، أيدجيديوس رومانوس Aegidius) Romanus)، على ابن رشد قوله بعدم قدرة الملائكة نظرا لانها كائنات روحانية على تحريك أي جسم مادي(14) ومن الهيّن تصوّر ردة فعله ضدّ أقوال المعتزلة التي عجزت الله عن التدخل في أفعال العباد وسحبت منه القدرة على فعل أكثر مما فعله وهذه هي الاطروحة المركزية التي بنى عليها المعتزلة نسقهم اللاهوتي، لقد اصرّوا على أن قدرة الله محدودة ولا يمكن ان تتجاوز إطار المعقول الإنساني، وفي هذا الشأن يورد الايجي في «المواقف» رأيا للنظام وأتباعه من المتكلمين شبيه جدّا برأي أبيقور «قالوا: إن اللّه لا يقدر على القبيح، لانه مع العلم بقبحه سفهٌ، ودونه جهلٌ، وكلاهما نقص (15)» لكن الإيجي يُجيب، كما أجاب كلّ علماء اللاهوت في الملة اليهودية والنصرانية، بأنّه «لا قبيح بالنسبة اليه» الله فإنّ الكلّ ملكه» اما فرقة الجبائية فقد ذهبت الى أبعد من ذلك في تحدد مجال القدرة الالهية، وقالت إن الله «لا يقدر على عين فعل العبد بدليل التمانع» وعدم القدرة هذه تبرّرها الجبائية بأسباب منطقية مناسبة لمبادئ الحرّية الانسانية: (وهو انه لو اراد الله فعلا واراد العبد عدمه لزم اما وقوعهما فيجتمع النقيضان، أو لا وقوعهما فيرتفع النقيضان او وقوع احدهما فلا قدرة للاخر(16)» ثم إنه بالنسبة للمعتزلة كما هو الحال عند الفلاسفة ارادة الله محدودة لاجل اعتبارات اخلاقية نظرا لانه لو كان مريدا لكل شيء لكان مريدا لكفر الكافر لكن الله امر الانسان بالايمان والنتيجة هي ان»الامر بخلاف ما يريده يعد سفيها» ثم هناك اعتراض اخر جد محرج ضد اطروحة الارادة الالهية الشاملة وهو انه «لو كان الكفر مرادا لله لكان فعله موافقة لمراد الله فيكون طاعة مثابا به (17) « ثم انهم يضيفون اعتراضا اخر يلزم اصحاب القدرة اللامحدودة بشناعات خطيرة وهو انه لو كان الكفر مراد الله لكان واقعا بقضائه والرضا بالقضاء واجب فكان الرضا بالكفر واجب (18)»ليس هذا فقط بل ان الله لو اراد الكفر وخلاف مراد الله ممتنع كان الامر بالايمان تكليفا بما لا يطاق» والقرآن ذاته يبين حجة المعتزلة ضد فرق المجبّرة فهم يتشبّثون بالاية «وما الله يريد ظلما للعباد (19) « لكن المتكلم الاشعري كما هو مرتقب يجيب بان: «تصرّفه تعالى فيما هو ملكه كيف كان لا يكون ظلما» ويستشهدون اعني المعتزلة بحشد من الايات مثل: «والله لا يحب الفساد (20)» او الاخرى «ولا يرضى لعباده الكفر (21)» الا ان الخصم لا يعتبر نفسه قد انهزم لانه يستطيع ان يقدم هو بدوره ايات من الكتاب تبرهن على صحة دعواه مثلا «ولو شاء الله لجمعهم على الهدى (22) والثانية «لو شاء الله لهدى الناس جميعا»(23) وبخصوص قول المعتزلة بانه لو كان الكفر مرادا لله فهو إذن طاعة ويجب الثواب عليه. يردّ الامدي على شكل اصحاب الرواق الذين يفرقون بين تأدية الامر والحصول على النتيجة دون تروّ أو نية صادقة من جهة وبين تأديته طبقا للنية الصادقة دون ان يثمر نتيجة عملية مباشرة ومطابقة للغرض. الرواقيون يفضلون الفعل الثاني على الاول حتى وإن لم يستكمل غايته. يقول الامدي: «ويدلّ على أن مُوافقة الارادة ليست طاعة أنه لو اراد شخص شيئا من آخر، فوقع المراد من الاخر على وفق ارادة المريد، ولا شعور للفاعل بارادته فانه لا يُعدّ منه طاعة له كيف والارادة كامنة والامر ظاهر» (24).
ولكن دقيق الكلام هذا وصل الى حد قال فيه الجرجاني، في شرحه على «المواقف»، ان ضايق بعض اصحابنا في العبارة فقال «الكفر مراد بالكافر، غير مراد من الكافر (25)».
اما زعم البابا بأن الإله المسيحي يتصرف بعقلانية توافق عقلانية الانسان الغربي، على خلاف الاله الاسلامي الذي يخرق قوانين الطبيعة ولا يحترم حتى إرادته، فان هذا الاعتراض يلزم كل الملل بما فيها اليهود والمسيحيون كما بينت سابقا ولا ينجو منه حتى الفلاسفة الغربيين المحدثين، لقد قال ديكارت بأن الله لا يمكن ان يخدع الانسان او يضله، وجعل من هذه الفكرة اساس يقينياته العلمية، ولكن اعترض عليه بأن هناك من السكولاستيين، مثل غريغوريو دي ريمني (Gregorio di Rimini) وغابريال بيل (Gabriel Bil) وغيرهم، ممن يرون ان الله يكذب على وجه الاطلاق (que Dieu ment absolument parlant)، اي انه: «يقول شيئا للناس ضد مقاصده، وضد ما قرره وسنه، مثلا، عندما قال، دون ان يضيف اي شرط. لأهل نينوى على لسان نبيه بأنها ستهلك بعد أربعين يوما، وعندما قال ايضا اشياء اخرى لم تتحقق (26)» طبقا لأقوال الكتب المقدسة، واذا علمنا بأن الله ذاته هو الذي قسى وأعمى قلب فرعون، وألهم الانبياء روح الكذب، السؤال الملح الذي يطرحه كاتب الاعتراض الثاني على ديكارت هو الآتي: «كيف تستطيعون ان تقولوا بأننا لا يمكن ان نكون عرضة لخداعه (27)».
ان يقدر الله على كل شيء، يعني انه قادر على الخداع والظلم والكذب. هذا ما حدسه ابن حزم حينما قال أنه لا يحل لأحد «تخصيص قدرته تعالى أصلا (28)» ونصوص القرآن كما نصوص التوارة والإنجيل تثبت، حسب رأي ابن حزم، ان الله «قادر ان يفعل خلاف ما قد سبق في علمه من هدي من علم انه لا يهديه، ومن تعذيب من علم انه لا يعذب أبدا، وتبديل أزواج قد علم انه لا يبدلهن أبدا. وكل هذا نص على قدرته تعالى على إبطال علمه الذي لم يزل، وعلى تكذيب قوله الذي لا يكذب أبدا. ومثل هذا في القرآن كثير (29)».
ولكن اكثر استثارة لنا الآن، هو الزعم بأن الفكر اليوناني له تصور عقلاني اخلاقي بخصوص افعال الله، تصور يلتقي مع الايمان المسيحي. هذا ما لم يكن أبدا: لقد وصف بعض حكماء اليونان الإله (Zeus) بأنه اول سفسطائي، اما الحكمة والعمل الخير الملزمان لطبيعة الله فان أرسطو يقول في «طوبيقا» بأن ملكة فعل الشرّ توجد عند الله وعند الانسان الخير. ولذلك فان «الله والانسان الفاضل يقدران على ان يفعلا الشرّ، وليسا بشريرين، لأن جميع الاشرار يوصفون بذلك بحسب الاختيار (30)» وهذه العبارة أحرجت اللاهوتي توماس الاكويني الذي قال : «إن الله لا يمكن ان يفعل السيئات لانه على كل شيء قدير (Deus peccare non potest, quia est omnipotens) ويضيف بأن ما ذهب اليه الفيلسوف أرسطو في الرابع من «المواضع الجدلية» من ان الله والانسان الفاضل يمكن ان يقترفا أعمالا شريرة يمكن تفسيره: إما تحت شرط مقدمة مستحيلة، كما لو قلنا مثلا ان الله يقدر على فعل اشياء قبيحة، لو أراد ذلك؛ فلا شيء يمنع من ان تكون صادقة الشرطية بينما مقدمتها ونتيجتها مستحيلتان، كما في حالة من يقول ان كان الانسان حمارا، فله أربعة قوائم. هكذا يفهم ان الله يمكن ان يفعل اشياء، تبدو في لحظتها شريرة، ولكن ان فعلها، تصبح حسنة، او انه (أرسطو) يتكلم طبقا للمعقدات الشعبية التي تقول بأن البشر يتحولون الى آلهة مثل زيوس ومركوريوس (31) حول التبرير الذي قدمه توماس الاكويني لأقوال أرسطو، هناك من اللاهوتيين من وصفه بالسخف. فهذا فوغلسانغ (Vogelsang) (32) يحمل على الاكويني قائلا: «يتكلفون القول بأن أرسطو قد تكلم حسب أراء عامة الناس، الذين يعتقدون ان البشر يتحولون الى آلهة، مثل زيوس ومركوريوس. كم هو سخيف كل هذا. (quam hoc plane frivolum est!) فعلا، بالنسبة للرأي الشعبي، الآلهة، ليست لديها فقط القدرة على فعل اشياء شريرة وخبيثة، بل ان لديها الارادة (33)».
أقول: لا أحد من اللاهوتيين استطاع ان يوفق بجد بين قدرة الله اللامحدودة وبين ضرورة التقيّد بمبادئ عقلانية واحترام العلل الطبيعية، وحتى كلام الفيلسوف أرسطو في بوتيقا فهو لا ينفي عن الله قدرته على فعل اشياء قبيحة، ولكن ينفي عليه الارادة او النية في فعل الشرور. هذا ما قاله علماء الكلام في الاسلام، وهذا ما قاله ايضا علماء الكلام المسيحيون. وعلى الطرفين هناك من بالغ في الاعلاء من الارادة على حساب الحكمة، مثل الاشعرية في ملة الاسلام والاسميين اتباع مدرسة أوغسطينوس في ملّة النصارى، وهناك من عارض الارادة الالهية مثل ابن رشد الذي كان اكثر حزما ووضوحا من أقرانه في العالم المسيحي، لان توماس الاكويني لم يبت في هذا الامر بل انه تراجع في بعض الاحيان او تناقض مع مبدأ ان الله قادر على كل شي حتى الخلف المنطقي (34).
لكن الاعتراض الحاسم الذي يقسم كل من ادعى بأن العقلانية اليونانية تتوافق مع المسيحية، يأتي من حذاق القوم من الفلاسفة والعلماء اليونانيين الذين عرفوا تعاليم الديانة المسيحية وهي في بدايتها، لقد سموها فكرا بربريا لانها تضحي بالعقل لصالح اوهام إرادة إلهية لا يحدهاحد، ولا يضبطها منطق. لقد اعترض جالينوس في كتابه «حول صلاحية اعضاء الانسان على الاعتباط الالهي، ناقدا بشراسة التصور اليهودي المسيحي لقدرة الله على فعل كل شيء وامكانية خرق قوانين الطبيعة والعقل، وهذه بالنسبة اليه، تصورات تتنافى تماما والعقلية اليونانية: «لا يمكن لله، حتى وان أراد ذلك، ان ينشئ، في الحين، من حجر انسانا. هذا ما يفرق بين تعاليم موسى وتعاليمنا نحن، تعاليم أفلاطون واليونان الذين فحصوا بصواب في الطبيعة بالنسبة لموسى يكفي ان يريد الإله إعطاء نظام للطبيعة حتى تستجيب هذه مباشرة، فهو يعتقد ان كل شيء يمكن عند الإله حتى ان اراد صنع حصان او ثور من التراب نحن لسنا من هذا الرأي، لكننا نقول أنها توجد اشياء مستحيلة بالطبع ولا يمكن للإله حتى الاقتراب منها، لكن بين الاشياء الممكنة يختار الافضل (35)»، فلنقارن اقوال جالينوس هذه بأقوال ابن رشد بخصوص المسألة ذاتها: إن التشابه مذهل على الرغم من ان أحدهما يتشبث بيونانيته والاخر ينتمي الى عالم الاسلام، ولكن هذا لم يمنع الرجلين من ان يتقابلا على رأي واحد، وسببه الرئيسي هو ان الذهنية العلمية الفلسفية تنفر من فكرة الجواز التي تجعل من كل شيء ممكن الطبيعة بما فيها القوانين العلمية والعملية: «واما ان الامور ليست كلها ممكنة فظاهر جذا: فانه ليس يمكن ان يكون الفاسد أزليا ولا يمكن ان يكون الازلي فاسدا. كما انه ليس يمكن في المثلث او تعود زواياه مساوية لأربع قوائم ولا في الالوان ان تعود مسموعات، والقول بهذا ضار في العلوم الانسانية جدا (36)».
إن أقوال الفلاسفة القدامى وحتى مؤرخي الفلسفة المحدثين تفند الزعم بأن الفكر المسيحي والفكر اليوناني يلتقيان (Zusammentreffen) على أرضية موحدة، كما تغنى بذلك الكثير من اللاهوتيين ورددها راتسينغر في درسه على «العقل والايمان» وما يدعّم هذا الرأي تلك المقارنة المزدوجة التي اقامها، جيلسون بين الفكر اليوناني والفكر المسيحي، بخصوص تصور الاله، وهي مقارنة تشدد على عناصر التقابل والتنافر، وتتعارض رأسا مع أقوال رتسينغر «يبدو إذن... ان الذهنية المسيحية تتميز عن الذهنية اليويانية باختلافات بنيوية دائما أعمق، فمن جهة هناك إله يعرف عن طريق الكمال على مستوى الكيف: الخير عند أفلاطون، او عن طريق الكمال على مستوى الوجود: الفكر عند أرسطو؛ ومن جهة اخرى الاله المسيحي الذي هو الاول في ترتيب الوجود والتعالي (...) من الجهة اليونانية هناك إله يمكن ان يكون علة لكل الوجود، بالاضافة الى معقوليته وفاعليته وغائيته ما عدا وجوده؛ من الجهة المسيحية، إله هو العلة المحدثة للموجود من الجهة اليونانية، كون قديم التشكل او قديم الحركة ومن الجهة المسيحية، كون محدث بفعل خلق من الجهة اليونانية عالم جائز على مستوى المعقولية او التحول؛ ومن الجهة المسيحية عالم جائز على مستوى الوجود. من الجهة اليونانية. الغائية المحايثة لنظام داخلي للموجودات. من الجهة المسيحية، الغائية المتعالية لعناية تخلق وجود النظام اضافة الى الاشياء المنظمة (37)».
هل بقيت نقاط التقاء بين العقلانية اليونانية والتعاليم المسيحية؟ لقد أوردنا هذه الشهادة من فم فيلسوف مسيحي معاصر كي لا نتجنى على احد، ولكي لا تبدو استنتاجاتنا اعتباطية، ويمكن ايضا ان نورد شهادة تاريخية قديمة تدعم اكثر هذا الرأي وتؤيده في كتابه «خطاب الحقيقة» الذي كتبه الفيلسوف الأفلاطوني كالسوس ضد المسيحية، يبرهن على التنافر المطلق بين المسيحية والفلسفة اليونانية وذلك عن طريق النقد العميق للكتب «المقدسة»: فهو يكشف عن التناقضات بين العهد القديم والعهد الجديد؛ يرد، ضد إله العهد القديم التهمة باللاأخلاقية والخلاعة التي ألقاها المسيحيون على آلهة اليونان وروما؛ يدحض فكرة الخلق من عدم، يسخر من عقيدة التجسد والخلاص، يعارض التصور المسيحي لقدرة الله بالتصور اليوناني، وبالتحديد الافلاطوني، لإله لا يقدر ان بفعل اي شيء خسيس، او القيام بأي شيء ضد الطبيعة؛ ينكر فكرة يوم القيامة ويؤنب المسيحيين على حطهم من قيمة العقل (38).
إن لم تكن أقوال اللاهوتيين مجرد ادعاءات خاوية من اي برهان عقلاني، فهي ركام من الاخطاء، تنقصها الدقة والتمحيص، وأرى ان فلاسفة الاسلام محقين في إعراضهم عن مناقشة أهل الكلام، ويعتبرونهم مجرد سفسطائيين لا ترقى علومهم الى درجة اليقين البرهاني. أود ان اختم فقط بملاحظة على كلام جيلسون، وهو ان نقاط الاختلاف التي استعرضها ان كانت فعلا مطابقة للوقائع التاريخية فانها بالنسبة للتفكير العلمي والفلسفي ليست ذات اهمية كبرى ولا تعتبر في حد ذاتها كسبا نظريا على الاطلاق.
وليس من الغريب ان تكون تلك الاختلافات قد وردت كلها مركزة حول تصور الالوهية الذي هو بالنسبة الى الفكر اليوناني موضوعه هامشي ولا يمثل في حد ذاته مبدأ وغاية المبحث النظري والعملي على عكس ما هو عليه الحال عند الذهنية اليهودية المسيحية الاسلامية، التي هي ذهنية مهوّسة بالالوهية، هذا على الرغم من ان نصوصها المقدسة لم تقل في ذلك قولا نظريا واضحا بل جاءت كلها تشبيها (39).
ليس هناك وجه للمقاونة بين الذهيتين، أعني بين ذهنية علمية وبين ذهنية دينية، ومن اقدم على ذلك، فان عليه قبل كل شيء ان ينبه على الدلالات المختلفة لكل من طرفي المقارنة وان يبين المجالات النظرية لكل منهما والاشكالات التي تميّز كلاّ من العوالم النظرية، ومن اقدم على هذا العمل بنزاهة فانه من الصعب جدا ان يفضل الدين على الفلسفة مهما كانت ثورته وجدته، لان الدين على المستوى النظري البحث لا يمكن ان يقدم شيئا يذكر، هذا ان لم يكن دائما عامل عطالة وعرقلة لتقدم العلم.
لكن الانطباع الاخير، الذي يتركه المفكرون ذوي الايمان من يهود ونصارى ومسلمين في دفاعهم عن معتقداتهم هو إجحافهم في حق الفلسفة، الشيء الذي أخلصهم الى افاق نظرية مسدودة لتبنيهم، منذ البداية موقفا اختزاليا وسطحيا الغاية من ورائه هو ابراز التفاضل بين ذهنيتين مختلفتين الى حد التقابل ومجالين نظريين لا يجمعهما جامع : انه عمل جدالي يائس من الاساس ولا فائدة فيه أصلا.
مراجع
1) ابن حزم الاندلسي، ن، م، ن، ص.
2) ن، م، ص، 22.
3) ن، م، ن، ص.
4) ن، م، ن، ص، سورة الزمر 4.
5) T. d AQUINO, Summa Teologica, I q. 19 a. 7, arg. 3
6) Nihil fit a casu, sed omnia de necessitate eveniunt, et quae non erunt impossibile esse, et quod nihil fit contingenter, considerando omnes causas . cit, in O. TODISCO, Guglielmo d'Occam, Filosofia della contingenza, Messaggero di S. Antonio Editrice, Padova 1998, P. 28.
7) انه ايضا رأي المتكلمين الاشاعرة من ملة الاسلام ويؤكده قول الغزالي في كتاب الاقتصاد في الاعتقاد : «ندعي انه يجوز لله ان لا يكلف عباده، وانه يجوز ان يكلفهم ما لا يطاق، وانه يجوز منه إيلام العباد بغير عوض وجناية، وانه لا يجب رعاية الاصلح لهم، وانه لا يجب عليه ثواب الطاعة وعقاب المعصية، وان العبد لا يجب عليه شيء بالعقل بل بالشرع، وانه لا يجب على الله بعثه الرسل، وانه لو بعث لم يكن قبيحا ولا محالا» أبو حامد الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد، دار الفكر، بيروت 1997، ص، 132.
8) ita inquam - immediate quod sine omne cooperatione cuiuscumque alterius causae agentis Cit, in O. TODISCO, op., cit, p. 31, n. 45.
9) في كتاب «البرهان الاوحد على وجود الله» أرجع كانط كل التناسق الموجود في الكون الى ارادة الله الاعتباطية، حيث يقول : «أسلم بأن الاشياء موجودة لأنه (الله) أراد ان تكون (...) كل ما يجب ان يكون مبدؤه في اختيار حر، يجب اذن ان يكون جائزا (...) الانتاج الحقيقي لهذه الصلاحية، هو بحق جائز، نظرا لانه يمكن ان تغيب واحدة من العناصر التي يدخل معها الشيء في علاقة، اي ان قوة خارجية يمكن ان تعطّل المفعول (...) بما ان الجائز، الشرط الضروري لكل اختيار... مبدأ تلك الوحدة يمكن ان نبحث عنه في كائن حكيم، ولكن ليس من خلال حكمته».
10) G. de OCKHAM, Summa logicae, ed. Ph. Bohenner, G. Gàl and S. F. Brown, Opera philosophica, I, St. Bonaventure 1974, p. Quod enim nullum universale sit aliqua substantia extra animam existens. Cit, in O. TODISCO, op., cit, p. 208.
11) أبو حامد الغزالي، الاقتصاد في الاعتقاد، م، س، ص، 133.
12) يقول غليوم الأوكامي بخصوص قضية كره الله الذي يأمر به او يساهم فيه هو ذاته: «اذا سلّمنا ان الله يساهم في اي عمل من اعمال المخلوق على الاقل كعلة جزئية، فانه يمكن القول اذن ان الله يساهم، بمعية الارادة المخلوقة، في إحداث فعل كره الله ...(Deus concurrit cum voluntate creata ad causandum actum odii Dei) وان قلت ان الله يأثم في هذه الحال ويصبح شريرا، لانه لا يريد ان يساهم في الفعل الحسن (Si dicas quod tunc Deus peccate t est malus, quia non vult concorrere ad actum bonum): الإنسان لا يخطئ الا لانه لم يفعل ما يجب عليه ان يفعله او يفعل ما يجب عليه تركه. ولهذا السبب يصبح الانسان مدانا، الله على العكس ليس له دين مع أحد، وليس مجبورا مثل الدائن، وبالتالي لا يمكن ان يفعل ما لا يجب فعله ولا عدم فعل ما يجب ان يفعله».
13) ابن حزم الاندلسي، الفصل في الملل والأهواء والنحل، م. س، ج 3.، ص، 128.
14) المقطع الذي أوله ايدجيديوس رومانوس من اقوال ابن رشد في تفسيره هو الآتي: «ان وجد هاهنا ما ليس بجسم فليس يمكن فيه ان يغير العنصر الا بواسطة جسم اخر غير متغير وهي الاجرام السماوية. ولذلك ما يستحيل ان تعطي العقول المفارقة صورة من الصور المخالطة للهيولى». ابن رشد، تفسير ما بعد الطبيعة، م، س، ج، 2، ص، 886 والترجمة اللاتينية لهذا المقطع كالاتي:
«Sed illud (scilicet agens immateriate) impossibile est, ut transmutet materiam nisi mediante corpore aliquo non transmutabili, scilicet corporibus caelestibus, et ideo impossibile est, ut intelligentiae separatae dent aliquam formam formarum mixtarum in materia». Cit, in A. ROMANUS, Errores philosophorum, Marquette University, Milwaukee, Wisconsin, 1944, p. 19, n. 44.
15) القاضي عبد الرحمان بن أحمد الايجي، المواقف في علم الكلام، عالم الكتب، بيروت، د. ت، ص، 284 وانظر ايضا، كتاب المواقف بشرح السيد الشريف الجرجاني، دار الجيل، بيروت 1997، ج 3.، ص، 249 وما بعدها.
16) الايجي، ن. م.ص، 285.
17) ن. م، ص، 321.
18) ن. م، ص، 322.
19) سورة غافر، اية 31.
20) سورة البقرة، اية 205.
21) سورة الزمر آية 7
22) سورة الانعام، آية 35.
23) سورة الرعد، اية 31
24) ذكره الشريف الجرجاني في شرحه على المواقف للإيجي، م. س، ص، 256.
25) الايجي، ن. م، ص.
26) R. DESCARTES, Méditations métaphysiques. Objections et réponses, Flammarion, Paris 1992, p. 251.
27) Ibidem.
28) بن حزم، ابن حزم الاندلسي، الفصل في الملل والاهواء والنحل، م. س، ج 2. ص، 25.
29) ن. م، ص، 26.
30) أرسطو، المواضع الجدلية، 126 أ 34 36.
31) T. AQUINAS, XXV Quaest. Art. III. Apud P. BAYLE, art GREGOIRE DE RIMINI, op, cit, col. 58. «Deus peccare non potest, quia est ...in Dictionnaire omnipotens. Quamvis Philosophus dicat in quarto Topicorum, quod potest Deus et studiosus (vir probus) prava agere. Sed hoc intelligitur vel sub conditione, cujus antecedens sit impossibile, ut puta, si dicamus quod potest Deus Prava agere si velit. Bihil enim prohibet conditionalem esse veram, cujus antecedens et consequens est impossibile; sicut si dicatur, si homo est asinus, habet quatuor pedes. Vel loquitur secundum commuem opinionem gentilium, qui homines dicebant transferri in Deos, ut Jovem et Mercurium».
32) فوغلسانغ راينر («1979 1940» Vogelsang Reinier) لاهوتي هولندي واستاذ في ديفنتر (Deventer).
33) op, cit, col. 58... 33 p. BAYLE, art. GREGOIRE DE TIMINI; in Dictionnaire.
34) انظر الى اي مدى وصلت فكرة لا عقلانية افعال الله عند المتكلم المسيحي أبيلار (Abelard) الذي يقول في كتابه «لا هوت الخير الاسمى (Theologia Sommi bini)» بأنه ليس من الخلف او القبح ان يعلّم الله نبيّا على لسان حمار (qui verbis asini) (Prophetam docuit «كما جاء في سفر العدد XXII)، 28 (33 لان الله لا يغرب عنه شيء ولذلك فهو يفعل الاشياء العظيمة على أيدي الوضعاء والكفار (Bene autem et per indignos seu infideles maximadeus operatur)
P. ABELARDUS, Theologia Summi boni, a cura di Marco Rossini, Rusconi, Milano, 70.
35) F. CALABI, Galeno e Mosé, in Rivista di storia della filosofia, n. 4, 2000, pp. 535 - 546.
36) بن رشد، رسالة ما بعد الطبيعة، تحقيق رفيق العجم وجيرار جهامي، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1994 ص، 172) 173 التشديد من عندي.
37) جيلسون، روح فلسفة القرون الوسطى، م. س، ص 99.
38) Cfr, P. DONINI, Le scuole, l'anima, l'impero: La filosofia da Antioco a Plotino, Rosenberg لله Sellier, Torino 1982, p. 259.
39) انظر ما قاله ابن سينا بخصوص هذه النقطة، أعني خلوّ الكتب المقدسة من اي تصور نظري عقلاني للألوهية والتوحيد:»ولهذا ورد التوارة تشبيها كله، ثم لم يرد في القرآن من الاشارة الى هذا الامر المهم شيء ولا أتى بصريح ما يحتاج اليه من التوحيد بيان مفصل، بل أتى بعضه على سبيل التشبيه في الظاهر، وبعضه تنزيها مطلقا عاما جدا لا تخصيص ولا تفسير له. وأما أخبار التشبيه فأكثر من ان تحصى، ولكن القوم لا يقبلونها». ابن سينا، الأضحوية في أمر المعاد، تح حسن عاصي، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1984 ص، 97 98.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.