لسنا أول من دعا الى العدالة الانتقالية ولا أيضا نحن من طالب بها حتى نحترم مراحل تشكل تضاريس الثورة.. ولا أيضا كنا وراء المناداة بمأسستها ولكننا قد ندعي بأننا أول من سيطالب بحل اللغز حتى لا نبقى نعيش على استفهامات سؤال لم نجد له اجابة الى اليوم وهو أيهما أسبق الدجاجة أم البيضة؟ فعلا نحن نعيش على هذا الاستفهام، ولم نعرف بماذا نبدأ بالمساءلة ثم المحاسبة ثم الانتقال الى المصالحة أم من المحاسبة الى المصالحة وبين هذا وذاك أضعنا الوقت الطويل ولا نعرف إلى الآن بماذا سنبدأ في وقت كان يفترض فيه الانطلاق في العملية مع الحكومة السابقة. المساءلة والمحاسبة وجهان لعملة واحدة والمصالحة ضرورية حتى نمر مباشرة الى مرحلة التوثيق وكتابة التاريخ.. تاريخ تنطبق عليه مقولة ابن خلدون التاريخ في ظاهره إخبار وفي باطنه نقد وتمحيص حتى نبني عليه ونؤمّن الحاضر ومستقبل الاجيال القادمة حماية للذاكرة الوطنية وايضا تأسيسا لمجتمع يقوم على التعايش السلمي وحرية الاختلاف. وحتى نكون شعبا يحترم نفسه لابد من التعجيل في الانطلاق في المحاسبة أو المساءلة إن شئتم (وليس الاستعجال) ومعاملة الجميع على قدم المساواة لنؤسس لعدالة انتقالية وليست انتقامية أو انتقائية مثلما يدّعي البعض ممن يعتقد أن المحاسبة ستشمله.. من الضروري المحاسبة لطي صفحة الماضي لكن من الأوكد أن نقرأ جيدا هذه الصفحة قبل طيها ومن الواجب أن يكتب التاريخ بعين ناقدة تحترم تاريخ وأمجاد هذه البلاد.. لا نريدها كتابة بقلم أزرق فقط أو أسود بل قراءة شاملة كاملة تحترم حق الجميع لا بلون واحد. ولابد من توفّر إرادة سياسية حقيقية تحترم شروط ومراحل العدالة الانتقالية لنطوي صفحة الماضي وننطلق نحو البناء فكلما طال مسلسل تحديد المصطلحات والمفاهيم وتم التمطيط في المراحل الا وتقلصت جدوى العدالة الانتقالية التي لا يجب أن تقوم بها الحكومة أو وزارة معينة لأنها شأن وطني يفترض أن تتداخل فيه مكونات المجتمع المدني ولجان مستقلة حتى تكون العملية ناجعة وذات جدوى بعيدة عن الانتقائية حتى لا تفتح ملفات دون أخرى كملف اليوسفيين والسجناء السياسيين فقط..