بعثُ اتحاد للصحافيين المسلمين في إطار منظمة التعاون الاسلامي وإطلاق قناة فضائية تهتم بقضايا العالم الاسلامي وتدافع عن مصالحه وتدفع حملات الإساءة المتكررة للإسلام والمسلمين إلى جانب إعادة هيكلة وإدماج وكالة الانباء الاسلامية الدولية واتحاد الاذاعات الاسلامية، ذلك هو الهدف الأساسي المعلن لمؤتمر وزراء الاعلام لدول هذه المنظمة والذي يفتتح اليوم أعماله بالعاصمة الغابونية ليبرفيل بمشاركة وفود من 57 بلدا إسلاميا، أو هذا على الأقل ما يسعى إليه منظمو اللقاء الذي يتزامن مع عديد الأحداث والتحولات التي من شأنها أن تعرقل مشاركة أكثر من بلد افريقي ومنها الانقلاب الحاصل في مالي والأزمة في سوريا والعنف الدائر في الصومال أو بعض الخلافات الثنائية وغيرها... مئات الخبراء وشبكات اللجان المختصين استعدوا للحدث الذي تحتضنه إفريقيا الغربية لأول مرة قبل افتتاح المؤتمر خلال ساعات بإشراف الأمين العام لمنظمة التعاون الاسلامي إحسان الدين كمال أوغلو، لبحث واقع العمل الاعلامي الاسلامي المشترك وما يستوجبه من اصلاحات في ظل التحديات القائمة وتفاقم ظاهرة الإسلاموفوبيا وضرورة التوصل الى إعلام فاعل قادر على بلوغ الراي العام في المجتمعات الغربية في ضوء ما يشهده الاعلام المعاصر من ثورة في تقنيات الاتصال. ولعله من المهم الاشارة إلى أن اختلافات كثيرة تحيط بمشروع الفضائية الاسلامية الذي لا يحظى بالاتفاق بسبب الاختلاف حول لغة واهتمامات وتوجهات القناة... لا حديث في المؤتمر عن ربيع عربي أو إعلامي يرتقي بواقع الاعلام في العالم الاسلامي الى مستوى طموحات وتطلعات أهل المهنة، بل إن ما يجري من تعليقات وحوارات بين عشرات الصحفيين من مختلف أنحاء العالم الذين يواكبون الحدث، تشكك في إمكانية النهوض بهذا الواقع الاعلامي في عالم لا يزال، وعلى عكس أغلب الانظمة الديموقراطية يصر على وجود وزارة للإعلام تتحكم في القطاع وتسعى بطريقة أو بأخرى إلى ان يكون تحت وصايتها.. كل ذلك الى جانب عديد نقاط الاستفهام حول مدى ترابط وتشابك أولويات الاعلام بين الدول الاسلامية التي تحكمها عقليات وإيديولوجيات وتوجهات ومصالح متناقضة من شانها أن تجعل أولويات ومتطلبات الاعلامي في أفغانستان غير ما هي عليه لنظيره في أندونيسيا أو إيران أو اليمن أو ليبيا أو مصر... بل ان أغلب الصحافيين ينظرون بكثير من الريبة، ليس إلى توفر الإرادة المطلوبة لإصلاح وتطوير المشهد الاعلامي في العالم الاسلامي ولكن إلى استعداد المسؤولين عن القطاع للتخلص من ثوب البيروقراطية وتعقيداته الكثيرة وأولها إلغاء وجود وزارة الاعلام التي طالما اعتبرت الجهاز المحطم للإعلام والحريات... خلف الأبواب الموصدة لقاعة الاجتماعات الواقعة «بمدينة الديموقراطية « Cité de la démocratie في قلب العاصمة الغابونية في إشارة لا تخفى على مراقب بأن الغابون بلد المليون ونصف المليون ساكن والذي تعاقب عليه ثلاثة رؤساء منذ استقلاله في ستينات القرن الماضي، يتجه للبناء الديموقراطي في قارة موبوءة بالصراعات والانقلابات العسكرية. ولعل الطريف أن الرئيس الحالي علي بانغو الذي تولى السلطة عبر صناديق الاقتراع ليس سوى نجل الرئيس الراحل عمر بانغو... وهذه إحدى المتناقضات الكثيرة في هذا الجزء من القارة السوداء الغنية بثرواتها وإمكانياتها البشرية والطبيعية والغارقة في فقرها وتخلفها وصراعاتها وحروبها... ليبروفيل أو المدينة المحررة التي كانت ملجأ للعبيد المحررين منذ 1847 الممتدة على المحيط الاطلسي هي اليوم ملجأ لمحبي المغامرة من رجال الاعمال الفرنسيين واللبنانيين الذين اكتشفوا ثرواتها الباطنية وتعوّدوا على مناخها الحار والرطوبة المرتفعة فيها وموسم الامطار الطويل وتحصنوا من لسعات بعوض الملاريا وغيرها من الامراض واستعدوا للكسب في غابات الغابون.... ومن أوكد القضايا التي سيطرحها المؤتمر بالإضافة الى التفاعل مع الاعلام الخارجي عبر إنشاء صندوق ميزانيته 25 مليون دولار، كيفية التصدي للحملات والدعاية المضادة والمعادية للمسلمين في مختلف وسائل الاعلام إلى جانب دعم التواصل مع المجتمع المدني وتفعيل الاهتمام بقضية القدس والشأن الفلسطيني وإحداث مدونة سلوك لأجهزة الاعلام في الدول الأعضاء، وهي توجهات تأتي في خضم اقرار المنظمة علنا بفشل كل من وكالة الانباء الاسلامية الدولية واتحاد الاذاعات الاسلامية رغم عمرهما المديد، في تحقيق الأمل المنشود بالوصول إلى الرأي العام في الغرب ومواجهة ظاهرة الاسلاموفوبيا المتفاقمة... تلك اذن أبرز ملامح وأهداف المؤتمر الذي ينعقد فيما تشهد دول الربيع العربي، من تونس الى مصر وليبيا واليمن، تحولات مثيرة ومتسارعة في المشهد الاعلامي الذي تحرر من كل القيود والاغلال التي كانت تكبله والذي يتجه رغم كل الصعوبات والتحديات والعراقيل إلى افتكاك موقعه كسلطة فاعلة في المرحلة القادمة... والحقيقة أنه عندما تنطلق بعد ظهر اليوم بالعاصمة الغابونية ليبرفيل أشغال الدورة التاسعة لمؤتمر وزراء الإعلام لمنظمة التعاون الاسلامي فإن الاكيد أنه لا أحد يتوقع أن يكون ذاك إيذانا بالإعلان عن تعافي المشهد الاعلامي في العالم الاسلامي من مختلف أمراضه وعيوبه المتوارثة منذ عقود، بل الأرجح أن المؤتمر قد يكون منطلقا للغرق في مطبات أحد الملفات الاكثر تعقيدا وتذبذبا في مختلف دول العالم الاسلامي والتي لئن تخلص بعضها من هيمنة وزارة الاعلام بإلغائها نهائيا باعتبارها رمزا من رموز التخلف في الديموقراطيات الناجحة، فإن أغلبها لا يزال يعول على تلك الوزارة لإصلاح الاعلام والنهوض به...