تواترت خلال الأيام القليلة الماضية حوادث الاعتداء بالعنف على بعض الناشطين السياسيين وعدد من الشخصيات الثقافية والفكرية في محاولة لإرهابهم على ما يبدو ومنعهم من النشاط والاتصال المباشر بالناس وبسط افكارهم ووجهات نظرهم من القضايا السياسية والثقافية.. وما من شك ان مثل هذه الممارسات التي اصبحت تأتيها بعض المجموعات المتنطّعة على مرأى ومسمع من الجميع فيما يشبه التحدي الوقح لسلطة الدولة ولمختلف مكونات المجتمع المدني تمثل ظاهرة خطيرة لا عهد للمجتمع التونسي بها وجب على الجميع العمل على وأدها في المهد قبل ان تتفشى كالوباء. وإذ لابد ان تتحمل الدولة مسؤولياتها كاملة في هذا المجال وتمارس صلاحياتها التي يخولها لها القانون في حفظ امن وسلامة الافراد والمجموعات وتوفير المناخ الآمن الذي يساعد على ازدهار كل الانشطة المجتمعية سواء الفكرية منها او السياسية او غيرها دعما للحراك الاجتماعي الذي يصب في تحصين المسار الديمقراطي وارساء مقومات المجتمع الحر والتعددي.. فانه لابد ايضا وبالمقابل ان يكون هناك وعي لدى جميع الاطراف بأن خطابات التجييش الاعلامي والازدراء و«شيطنة» الخصوم السياسيين ورميهم بالتهم بمناسبة وبغير مناسبة يمثل بدوره عامل تأزيم بل وفعل «اعتداء» وخطإ في حق المجموعة الوطنية والسلم الأهلي.. هذا لا يعني ان الاعتداء على المثقفين والنشطاء السياسيين له ما يبرره.. كلا فهذه ممارسة عنفية مرفوضة بالكامل يجب تجريمها مرتين: مرة لانها فعل همجي ولا قانوني وضد منطلق مدنية المجتمع وسلطة الدولة.. ومرة لانها اعتداءات مورست في حق اشخاص لهم مكانتهم الاعتبارية في المجتمع باعتبارهم نخبة نيرة يجب احترامهم حتى في حال الاختلاف معهم فكريا او سياسيا ... على ان ما يجب التأكيد عليه ايضا هو ضرورة الحرص على التعاطي مع مثل هذه «الظواهر» بأقصى ما يمكن من الموضوعية والتجرد بعيدا عن اية حسابات ضيقة كأن لا تتحول مثلا الدعوة الى ان تتحمل الدولة مسؤوليتها في ردع هذه المجموعات والأخذ على أيديهم الى عملية تحريض عليهم قد تعمق الشعور لديهم بانهم «مستهدفون» في ذواتهم و«معتقداتهم» وليس نتيجة لافعالهم المخالفة للقانون. نقول هذا لان ردود افعال بعض الاطراف السياسية والحقوقية على هذه الاعتداءات التي استهدفت بعض المثقفين والنشطاء السياسيين بدت متشنجة نسبيا واحيانا غير موضوعية مثل محاولة ربط التدخلات الأمنية لملاحقة مثيري الفوضى والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة في عمليات الشغب والاعتصامات العشوائية مع مظاهر الاعتداء بالعنف على النشطاء السياسيين والمثقفين من طرف مجموعات مارقة ومتطرفة وتصنيفها على انها جميعها اعمال قمعية المقصود بها الترهيب والاعتداء على الحق في التعبير.. لا أحد يقبل بان تصبح «الكلمة» في المجتمع التونسي لدعاة العنف والتطاول على القانون مهما كانت الذرائع ولكن لا أحد ايضا يقبل بتوجيه تهم خطيرة لأية جهة كانت دون أدلة وحجج قاطعة مثل القول بأن هناك «تواطؤ» من السلطة مع هذه المجموعات المتطرفة التي تمارس العنف على المثقفين والنشطاء السياسيين!!!