صفاقس: فتح محاضر عدلية ضدّ أشخاص شاركوا في أحداث عنف بمنطقتي العامرة وجبنيانة (مصدر قضائي)    اختتام أشغال الدورة 25 للجنة العسكرية المشتركة لتونس وإيطاليا    هيئة الانتخابات:" التحديد الرسمي لموعد الانتخابات الرئاسية يكون بصدور امر لدعوة الناخبين"    جلسة عمل وزارية حول عودة التونسيين بالخارج    وزيرة الاقتصاد: الحكومة على اتم الاستعداد لمساندة ودعم قطاع صناعة مكونات الطائرات في تونس    الإقامات السياحية البديلة تمثل 9 بالمائة من معدل إختراق السوق وفق دراسة حديثة    مصر.. موقف صادم في الجامعة الأمريكية بالقاهرة    البطولة الافريقية للاندية البطلة للكرة الطائرة - مولدية بوسالم تنهزم امام الاهلي المصري 0-3 في الدور النهائي    رابطة الأبطال الافريقية - الترجي الرياضي يتحول الى بريتوريا للقاء صان داونز    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    فيلم "إلى ابني" لظافر العابدين يتوج بجائزتين في مهرجان "هوليوود للفيلم العربي"    الاتحاد الجزائري يصدر بيانا رسميا بشأن مباراة نهضة بركان    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    الألعاب الأولمبية في باريس: برنامج ترويجي للسياحة بمناسبة المشاركة التونسية    فازا ب «الدربي وال«سكوديتو» انتر بطل مبكّرا وإنزاغي يتخطى مورينيو    المهدية .. للمُطالبة بتفعيل أمر إحداث محكمة استئناف ..المُحامون يُضربون عن العمل ويُقرّرون يوم غضب    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    بنزرت .. شملت مندوبية السياحة والبلديات ..استعدادات كبيرة للموسم السياحي الصيفي    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    رمادة: حجز كميات من السجائر المهربة إثر كمين    نابل: السيطرة على حريق بشاحنة محملة بأطنان من مواد التنظيف    توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    الليلة: أمطار متفرقة والحرارة تتراجع إلى 8 درجات    حنان قداس.. قرار منع التداول الإعلامي في قضية التآمر مازال ساريا    التضامن.. الإحتفاظ بشخص من أجل " خيانة مؤتمن "    النادي الصفاقسي : تربّص تحضيري بالحمامات استعدادا للقاء الترجّي الرياضي    أي تداعيات لاستقالة المبعوث الأممي على المشهد الليبي ؟    إكتشاف مُرعب.. بكتيريا جديدة قادرة على محو البشرية جمعاء!    ليبيا: ضبط 4 أشخاص حاولوا التسلل إلى تونس    عاجل/ إنتشال 7 جثث من شواطئ مختلفة في قابس    عاجل/ تلميذ يعتدي على زميلته بآلة حادة داخل القسم    يراكم السموم ويؤثر على القلب: تحذيرات من الباراسيتامول    طبرقة: فلاحو المنطقة السقوية طبرقة يوجهون نداء استغاثة    عاجل : الإفراج عن لاعب الاتحاد الرياضي المنستيري لكرة القدم عامر بلغيث    سيدي بوزيد: وفاة شخص واصابة 8 أشخاص في حادثي مرور    إنطلاق فعاليات الاجتماع ال4 لوزراء الشباب والرياضة لتجمع دول الساحل والصحراء    طلاق بالتراضي بين النادي الصفاقسي واللاعب الايفواري ستيفان قانالي    عاجل : مبروك كرشيد يخرج بهذا التصريح بعد مغادرته تونس    الجامعة تنجح في تأهيل لاعبة مزدوجة الجنسية لتقمص زي المنتخب الوطني لكرة اليد    جربة: إحتراق ''حافلة'' تابعة لجمعية لينا بن مهنّى    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    وزير الدفاع الايطالي في تونس    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    جرايات في حدود 950 مليون دينار تُصرف شهريا.. مدير الضمان الإجتماعي يوضح    تونس : 94 سائحًا أمريكيًّا وبريطانيًّا يصلون الى ميناء سوسة اليوم    المرصد التونسي للمناخ يكشف تفاصيل التقلّبات الجوّية    بعد الاعتزال : لطفي العبدلي يعلن عودته لمهرجان قرطاج    نابل: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه    بسبب فضيحة جنسية: استقالة هذا الاعلامي المشهور..!!    فظيع/ جريمة قتل تلميذ على يد زميله: تفاصيل ومعطيات صادمة..    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    عاجل : وفيات في سقوط طائرتي هليكوبتر للبحرية الماليزية    جمعية منتجي بيض الاستهلاك تحذّر من بيض مهرّب قد يحمل انفلونزا الطيور    حادثة سقوط السور في القيروان: هذا ما قرره القضاء في حق المقاول والمهندس    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الملف السياسي ، جدلية السياسة والأخلاق في تونس
نشر في السياسية يوم 09 - 04 - 2009


هل تُوجدُ أخلاقٌ في السّياسة؟
هل تغلّبت المراوغة والمناورة والنفاق و"التّكمبين" والتملّق والانتهازية على قيم الصراحة والوفاء والصدق والتمسك بالمبادئ؟
الإينوبلي،الزغيدي، القادري، براهم، الشاوش ، اللبودي ....يُجيبون ويُحلّلون.
ارتباط السياسة بالأخلاق،كان ولا يزال منذ القدم، حالة متشابكة لا يمكن لها الفصل أو الوصل التامين حتى في أطوارها العليا. كما أنه من غير الممكن الحديث عن سياسة بلا أخلاق أو أخلاق بغير السياسة، فمن السذاجة القصوى تصنيف هذه الحالة الإنسانية في مربع القطيعة التامة والفعلية..هذا طبعا إذا ما ربطنا تحليلنا بجدلية داخلية تربط بين المفهومين دون أن تؤدي طبعا إلى تأحد كلا المفهومين أو تنافرهما المطلق
ولعل الحضور البارز لهذه الحالة في مختلف المجتمعات البشرية الراهنة باقتراب أو بعد لحالاتها المثلى وبتوسع أو ضيق لدوائر مثالبها ونواقصها الطبيعية كأي حالة إنسانية أخرى، جعلنا ننظر إليها في وضعيتها المحلية الخصوصية.
فلم يعد خافيا اليوم على المتابع للمشهد الوطني الجدل الذي أحدثه موضوع الأخلاق والسياسة، ليس فقط من زاوية علائقية بحتة بل حتى من زاوية ارتهان السياسي لتعريفات متعددة لهذه العلاقة، كل حسب مرجعيته وثقافته الأيديولوجية و"العقائدية".
كما أن ارتباط الأخلاق العضوي بالسياسة، عموما، يطرح إشكاليات متعددة من قبيل مدى تمسك السياسي على مستوى أدائه بالأخلاق، وهل أن النضال السياسي يفترض تبرير نفس الوسائل "الشريرة" بل وأقصاها أحيانا، وهل يمكن أيضا التنازل عن الأخلاق "الخيرة" في مواضع معينة واستبدلها بأخلاق "شريرة" من أجل بلوغ الغايات وتحقيق الأهداف المرتقبة، مهما كان نبلها وعدالتها.
إنّ هذه الإشكاليات المختلفة أثارها الجدل الساخن في الأوساط السياسية والمنابر الإعلامية من خلال نسقها الفكري العام الذي يطرح تساؤلات شتى عن مدى تمسكها بمعاييرها الأخلاقية للوصول إلى غاياتها بغض النظر عن درجة سموها وديمقراطيتها أو حتى قداستها في مواضع أخرى، وأخذا بعين الاعتبار طبعا حق الإنسان المتساوي في الحياة والحرية والكرامة.
إن الطرح السالف، من الزاوية الموضوعية، لا يمكن حصره في صنف معين من النشاط السياسي، المعارض منه على وجه الخصوص، وإنما هو جدير بالتعميم حتى على النظام السياسي القائم، أو من ينوب عنه في السلوك تجاه الأطراف الأخرى المختلَف معها، ولعل أبرز تجلياته ما يُلمس من مبالغة قصوى –أحيانا- في شيطنة الآخر المعارض له أو المناهض لمصالحه على اعتبار أنه لا يستحق الحياة والتشارك في إطار اجتماعي مخصوص إلا إذا نزل عند قوانينه الخاصة للعبة.
وتحضرني في هذا المقام المقولة الشهيرة لأحد الفلاسفة " إن الشر لا يقتل الشر كما النار لا تطفئ النار" وهي تختزل بشكل دقيق ومباشر ما ذهبنا إليه من علاقة السياسي بالأخلاق، وحوار أو صراع حسب الوضعية مدار التفاعل، السياسي بالسياسي.
ومن أجل الانفتاح الأكثر على الموضوع، واستجلاء أكثر من رأي فيه، ارتأينا في "السياسية" التوجه إلى عدد من السياسيين والمثقفين من منازع فكرية وإيديولوجية مختلفة لمعرفة رؤيتهم الخاصة لهذا الموضوع الشائك مثار الجدال العميق وكانت لنا إجاباتهم التي نعرضها عليكم في ما يلي ونأمل تفاعلكم:[email protected] ) )

أحمد الاينوبلي الأمين العام الاتحاد الديمقراطي الوحدوي
من واجب السياسي أن يتقيد بضوابط مجتمعه وأن لا يكون مارقا عنها
أعتقد أن ممارسة العمل السياسي أو السياسة في أي مجتمع كان لا يمكن أن تخرج عن دائرة الأخلاق التي تحكم ذلك المجتمع باعتبارها "قوانين ذلك المجتمع ومحدداته" وتدخل في إطار تركيبته المجتمعية والثقافية والحضارية، كما أن منطلق العمل السياسي هو المجتمع الذي تمارس فيه السياسة.
إن السياسي الذي لا يحترم ثوابت المجتمع وضوابطه لا يمكن أن يجد له مكانا داخل المجتمع الذي يريد أن يؤطره تجاه أهدافه السياسية، والأخلاق باعتبارها جزء من المنظومة هي أحد الضوابط واجبة الاحترام مع تعدد القراءات في علاقة بالأخلاق باعتبارها تتعدد باختلاف المجتمعات والحضارات.
من واجب السياسي أن يتقيد بضوابط مجتمعه وأن لا يكون مارقا عنها ومناهضا لها سواء تلك الأخلاق المحكومة أو الضمنية بمبادئ الدستور والقوانين أو تلك التي تحكم الضمير الجمعي للمجتمع من ذلك مثلا ما نص عليه الدستور بأن تونس لغتها العربية ودينها الإسلام لأننا مجتمع عربي مسلم بما يعني أن على السياسي أن يستلهم ضوابط حركته من الحضارة العربية الإسلامية، كما أن قيم الجمهورية وما تقتضيه من محددات صارت ضابطا من ضوابط الضمير الجمعي تقتضي أيضا احترامها وعدم تجاوزها وهي صارت أيضا مبدأ أخلاقي بحكم التواتر الزمني أي أن احترام قيم الجمهورية والديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان العامة والخاصة والمواطنة بما تحتمله من حقوق اجتماعية وسياسية صارت مبادئ أخلاقية وما يقتضيه كل ذلاك من شفافية ونزاهة في التعامل مع هذه القيم والانتصار لها والدفاع عنها والسعي إلى نشرها وترسيخها مع جملة المبادئ التي ذكرت.
كل هذه القيم من وجهة نظري قيم أخلاقية مجتمعية وبقدر ما يسعى رجل السياسة في مجتمعنا أين كان موقعه إلى تثبيت هذه القيم بمقاصد تخدم المجتمع لغرض التطويع وتصليب بنائه الوطني بقدر ما تقف على مدى احترامه للقيم الأخلاقية للمجتمع وإذا أردنا أن نقترب أكثر من الواقع السياسي المعاش سنقف على مدى التزام هذا السياسي أو ذاك، هذا الحزب أو ذاك على مدى التزامه الأخلاقي أي بقدر ما يتحدد مدى الالتزام الأخلاقي.
في تونس ووفقا لهذه المعايير التي اتخذها الاتحاد الديمقراطي الوحدوي كحزب سياسي في البلاد ليست كل الأحزاب والسياسيين لها التزام مطلق بالمبادئ والأخلاق والتي هي متفاوتة إذ هناك أحزاب في تونس لا علاقة لها بالديمقراطية سواء في داخلها أو باتجاه المجتمع إذ يتخذ كشعار براق لجذب المواطن إلى مصيدته دون أن يكون متبنى من طرفه التبني الكامل وإن تبناه فهو على خلاف رؤية المجتمع الوطنية فجعله مخبرا للديمقراطية الأمريكية والغربية وبإملاءات تمس من استقلالية القرار الوطني والمجتمعي و بأكبر قيمه الأخلاقية والوطنية والاستقلالية إذ أن أكبر جريمة أخلاقية أن يكون رجل السياسة مرتكبا الخيانة الوطنية لأن التفريط في الاستقلال الوطني باسم أي قيمة وتحت أي عنوان هو هدر لكل القيم مثلا على ذلك العراق الذي انتهكت فيه كل القيم تحت عنوان الديمقراطية المستوردة ونحن في تونس كحزب سياسي نعتبر أن الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان قيم حضارية وأخلاقية لا يمكن أن تكون نابعة من مجتمعنا ونرفض أن تكون عنوان ومدخل للتفريط في الوطن والشعب لذلك نعتبر أن كل سياسي في تونس يريد أن يبني الديمقراطية ويرسخ حقوق الإنسان في تونس مستعينا أو مستقويا بالأجنبي هو سياسي عديم الأخلاق السياسية ككل من يدعي الديمقراطية ولا يمارسها ولا يسعى إلى تثبيتها في داخل الهياكل الحزبية مثلا وتبقى بالنهاية بعض المبادئ الأخلاقية والمبادئ السياسية من وجهة النظر الأخلاقية نسبية.
بالمحصلة، ومن وجهة نظرنا في الاتحاد الديمقراطي الوحدوي نتمسك بالثوابت والخيارات الوطنية والقومية بما تتضمنه من قيم هي الخط الفاصل بما يعني أن كل الولاءات الخارجية دون الولاء للوطن تعتبر ممارسات غير أخلاقية والساحة السياسية في تونس تقتضي إعادة الاعتبار للمبادئ الأخلاقية والقيم السياسية حتى يكون البناء الوطني بناءا صلبا وصلدا في مواجهة كل محاولات الإرباك والتشكيك غير الأخلاقي وهذا دون الخوض في بعض الممارسات من هنا وهناك التي لا علاقة لها بالمرتكز الأساس لكل أخلاق و للمسألة الوطنية لأن هذه الأخيرة في نظري عامل تجميع لكل الرؤى وكل القيم وثمن لها ، الوطنية لا يمكن أن تكون مدفوعة الأجر مسبقا أو لاحقا بل هي ثابت لا يساويه ثمن.

صالح الزغيدي ناشط سياسي وقيادي بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان
نعيش حياة سياسية وحياة عامة أقلّ ما يقال فيها أنّها سكيزوفرينية
هذه في الحقيقة مسألة غاية في التعقيد..هل يمكن أن تقترن السياسة بالأخلاق ؟
هل يمكن أن نتصور قائدا سياسيا أو زعيما يربط نفسه بما تقتضيه الأخلاق من قيم وما تفرضه من ممنوعات؟ إذا كانت السياسة بطبيعتها تهدف إلى إقناع الناس بمواقف معينة وبسياسة معينة ، وإذا كان السياسي يسعى ،عبر إقناع الناس ، إلى الصعود إلى السلطة ، فهل يمكن أن نتصور أنّ احترام القواعد الأخلاقية ،والالتزام بالقيم النبيلة ،ستكون دوما حاضرة خلال هذا المسعى الدؤوب للارتقاء إلى كرسي النفوذ ؟
لكن قبل هذا وذاك ، أليس من الضروري أن نضع خطّا فاصلا بين السياسي والمناضل، بالرغم من صعوبة عملية الفصل؟ ولكن أعتقد شخصيا أن الفصل ضروري.
فالسياسي ،وأعني به (le politicien ,le professionnel de la politique) ينظر دائما للسلطة كهدف أسمى لا مفرّ منه لتطبيق ما يعرضه من سياسات وإصلاحات وفي هذه الحالة ،لا مفرّ من اللجوء للعديد من الأساليب التي لا ترضاها الأخلاق ، ومن بينها التهجم المفرط والمهين على خصومه ، وتقديم الوعود غير الواقعية للمواطنين والناخبين( إذا كانت هناك انتخابات ) ، وعدم الإفصاح عن بعض قناعاته وآرائه إذا خشي أن تُبعد عنه جزءا هاما من الناس، واللجوء إلى قاموس يتقنه السياسيون عادة وهو قاموس الدّمغجة والشعبوية.
في حين يكون تمشّي المناضل مختلفا لأنه عادة ما يكون غير مهموم بالصعود إلى السلطة ،بل ما يسعى إليه قبل كلّ شيء هو رفع وعي الجماهير ونشر مفاهيم جديدة تقطع مع الفكر السائد والحكم السائد والسياسات السائدة ،والعمل على خلق قوى فاعلة للتأثير على مجرى الأحداث.
من هنا أقول أنه ليس من الغريب ما نسجّله لدى العديد من السياسيين ومن "الزعماء" من تغيير في المواقف والتموقعات، يبدؤون حياتهم السياسية ماركسيين، ويصبحون بعد عشرة أو خمسة عشر سنة قوميين ، ثمّ "يتطوّرون" فيصبحون أصوليين إسلاميين ،وينتهون في عديد الأحيان في أحضان السلطة القائمة مهما كانت طبيعتها، ما أريد أن ألاحظه ،هو أن الانتهازية غالبا ما تفتك بمثل هؤلاء السياسيين، دون أن أعني بذلك أنّ المناضلين محّصنون تجاه الانتهازية.
وفي تونس ؟.إشكالية العلاقة بين السياسة والأخلاق هي نفسها بطبيعة الحال، مع أنها تتطبّع بما يمكن أن نسمّيه "الخصوصيات التونسية"،ففي ظلّ مناخ أخلاقي متدهور، وفي ظلّ أنموذج نظام سياسي على أحادية النفوذ ،وأحادية الرأي ، وأحادية القرار، وأحادية الإعلام السمعي والبصري والمكتوب ،يتعامل السياسي بحذر شديد ويفرض على نفسه رقابة ذاتية تفوق أحيانا الرقابة الرسمية ، وهذا يجعلنا نعيش حياة سياسية وحياة عامة أقلّ ما يقال فيها أنّها سكيزوفرينية .
فهذه أحزاب تدين بالولاء التّام لحاكم البلاد وتسمّي نفسها وتتقدّم للبلاد وللعباد على أنّها أحزاب معارضة،وهذه منظمة نقابية عريقة تعبر بصفة دورية عن مساندتها للسلطة القائمة بما في ذلك في المناسبات الانتخابية التي ليست هي طرف فيها ، وتؤكّد باستمرار على أنّها منظمة مستقلة وأنها لن تفرّط أبدا في استقلاليتها، وهذه أحزاب معارضة"راديكالية" لا تستطيع الخروج من خطابها الخشبي والحديث بكل وضوح في عديد القضايا ،لأنها مهمومة بمسألة وجودها من عدمه،وهذه صحف وقنوات على ملك خواص تقدّم نفسها على أنّها مستقلّة عن السلطة ، وتبعث افتتاحياتها أو البعض من برامجها المسجّلة للاسترخاص في نشرها أو بثّها.
الصراحة ،والوفاء ،والصدق ،والتمسك بالمبادئ ،وهي قيم أساسية،تغلّبت عليها المراوغة والمناورة ، والنفاق والتّكمبين،والتملّق والانتهازية.

عادل الشاوش: عضو في البرلمان التونسي عن حركة التجديد
لا يمكن تحقيق أهداف سياسية دون الالتزام بالأخلاق
يبدو للوهلة الأولى أن لا علاقة بين الأخلاق والسياسة بل يذهب البعض إلى اعتبارهما متعارضان على اعتبار أن السياسة ميدان صراع واستعمال لمختلف السبل لتحقيق الغايات السياسة لكن هنالك تلازم وتداخل بينهما بل أكثر من ذلك يوجد بعد أخلاقي في السياسة. فإن كان المقصود من السياسة هو تحقيق أهداف إستراتيجية تفترض من السياسي الالتجاء إلى تكتيكات وتحالفات وتغيير وتعديل في المواقف في بعض الأحيان تصبح عندئذ طريقة في العمل أما بالنسبة للأخلاق فإنه لا يمكن تحقيق أهداف سياسية دون الالتزام بالأخلاق.
إذا لم تكن القيم هي الدافع فلا أهمية للعمل السياسي لأن العمل السياسي في جوهره هو وسيلة لتحقيق الأهداف ولكن إذا لم يكن موجود الحد الأدنى من القيم والمبادئ فإنا ذلك يعتبر انتهازية..
وفيما يخص التكتيك و تعديل المواقف فهذا ممكن ولا بد من التفريق بين الانقلاب على مواقف وبرامج سابقة وهو ما يدخل في سياق غياب الأخلاق وبين التعديل في هذه المواقف والبرامج وهو يدخل في سياق تكتيك العمل السياسي.
المشاركة مثلا في الحركات الأصولية وحتى في أعمال الإرهاب والعمليات الانتحارية تدل على انسداد الأفق وكأن لا شيء يستحق الحياة من أجله وهنا يبرز منحى من مناحي غياب أخلاق العمل السياسي والركون إلى حلول متطرفة.
هنالك كذلك الماكيفلية التي اتجهت لتغيير العالم والمبادئ،كما أن قيمة التضحية في زماننا الراهن لم تعد من أجل الدفاع ونشر القيم العلمانية والديمقراطية بل من أجل السلفية وهو دليل تمزق للقيم، فالمد السلفي دليل على ضياع القيم والأخلاق في السياسة التقدمية.
لا بد من إعادة الاعتبار للأخلاق السياسة على اعتبار أنه إذ إلى لم توجد القيم الأخلاقية لدى السياسي فلن يحقق أهدافه،البلاد في حاجة إلى إعادة ابتكار أهداف وطنية جديدة والإيمان بأن تكون تونس أفضل وأرقى وأكثر ديمقراطية.
لا بد من التمسك بالأمل .

عادل القادري: إعلامي بالوحدة الشعبية
أطالب بوضع ميثاق لأخلاقيات العمل السياسي وحمايته
نظريا وفلسفيا السياسة بنت الأخلاق باعتبارها أداة تحقيق الصالح العام والقيم الإنسانية مثل العدالة و الحرية والمساواة والتضامن والسلم، أما واقعيا فقد ارتبطت السياسة بالنجاعة والمردودية والتكتيكات الظرفية والصراعات والتعصب وانتهاز الفرص وخدمة المصالح الضيقة وصارت مسلكا للصعود الطبقي ولكسب الثروات عبر الوصول إلى السلطة واستغلالها واحتكارها أو التمسح بأعتابها.
إذن، هناك عموما ثنائية تنافر وتباين بين السياسة والأخلاق تبرز موضوعيا في البون الشاسع بين الخطاب السياسي ومقتضيات تدبيجه بأرفع الكلمات وتزيينه بأرقى المثل والغايات والفضائل وبين الممارسة السياسية التي تكذب ذلك الخطاب وأصحابه الخطباء المتحمسين أو المبتسمين على الدوام.
وهذه الازدواجية ليست خاصة ببعض الفاعلين السياسيين في تونس سواء كانوا في السلطة أو في المعارضة بمختلف أطيافها بل هي سمة شائعة في العالم بأسره ولا يخلو منها عصر وإن كانت آليات الرقابة الشعبية والمحاسبة والتداول واستقلالية قوى المجتمع المدني والإعلام الحر أصبحت توفر في الأنظمة الديمقراطية الحديثة حدا أدنى من التوازن و الضمانات للحد من التجاوزات وتصحيحها وفضح أخطاء السياسيين وذواتهم وحساباتهم المتضخمة أحيانا (الفساد السياسي) ومتابعتهم باعتبارهم شخصيات عامة.
ولذلك، وفي ظل غياب تلك الآليات أو نقصها وعدم نضج التجربة الديمقراطية (وطنيا وتنظيميا) وضعف مراكمتها وعدم تجذر العقلية المؤسساتية في تونس بسبب تقديس الأفراد وتغليب منطق الو لاءات الشخصية والعلاقات الزبونية، ليس من النادر في بلادنا أن نشاهد يوميا الشعار المعد للاستهلاك " الرجل المناسب في المكان المناسب" قد داسته الوقائع وكرّست عكسه الممارسات، فتقع مكافأة المقصر والعابث و المنافق وترقيته مقابل معاقبة الكفء والنزيه والجريء وإقصائه وعزله.
وأمام هذه الظاهرة المتنامية في بلادنا جيلا أكثر من جيل والتي ينبغي مواجهتها بجرأة لما تمثله من أخطار لا أحد يقدر مداها في كل المستويات المحلية والجهوية والوطنية وفي مختلف الأطر الحزبية والتمثيلية التي مسّت مصداقيتها وسمعتها وصورتها لدى الرأي العام، يصبح من العبثي تكرار الدعوة الواعظة إلى ضرورة "تخليق الحياة العامة" بلغة الأشقاء المغاربة، بعيدا عن اللغة الأنانية "أنا وبعدي الطوفان" أو اللغة المكيافيلية " فرّق تسد" أو اللغة السوقية "ناكل والا نحرّم" لبعض اللاهثين وراء الكراسي والراكبين لكل موجة والذين سرعان ما يتحولون بقدرة قادر إلى أرباب الفضيلة واحترام المبادئ ودعاة الشفافية والمحاسبة والإصلاح والتغيير،إذا لم يصلوا إلى مبتغاهم. وكأن العمل السياسي، في إطار نظام رأسمالي هيمنت عليه النزعة البراغماتية وصناعة النجوم المزيفة وقانون العرض والطلب حتى على الضمائر ويروّج فيه لموت الايديولوجيات والخيارات المبدئية، أصبح حرفة ومصدر ارتزاق بالنسبة للكثيرين ممن استغلوا الفراغ الذي تركه تهميش العديد من الكفاءات والمثقفين، مما أسهم في عزوف المواطنين عن الشأن العام.
وفي هذا السياق لن يكون إلا من قبيل اللغو المتداول في مجالات أخرى، المطالبة بوضع ميثاق لأخلاقيات العمل السياسي وحمايته من المتطفلين والمتسلقين والانتهازيين، وبكلمة، من غير السياسيين. لأن المفروض على الورق، أن يكون كل حزب سياسي مدرسة لمنتسبيه في التطوع والتضحية والالتزام والغيرية. وهذا ما يكذبه واقع أغلب الأحزاب السياسية في تونس ويفسر بعض أسباب آفة الانشقاقات وحملات التشهير المتبادل التي تعاني منها دوريا.
من كل ذلك ربما تتأتى أهمية الاشتغال على الرموز النضالية والشخصيات التاريخية ذات الإرث السياسي الناصع في المستويين الوطني والحزبي ورفع الغبار عن بعضها، وضرورة اتخاذها، دون تقديس وبما يقتضيه النقد الإيجابي، قدوة ومثالا تحتذي بها الأجيال الجديدة من السياسيين حتى لا يقعوا في شباك التلهف السريع على تحقيق الأغراض المباشرة والوصول إلى المناصب دون تقديم تضحيات حقيقية أو تصورات وبدائل وإنجازات تنفع مواطنيهم، في زمن صعب مليء بالتحديات الدولية التي تستوجب مواجهتها تكوين سياسيين مفعمين بالحس المدني والوازع الوطني و روح المقاومة.

سامي ابراهم باحث في الحضارة العربية
المعيار الأخلاقيّ القيميّ للسّياسة قائم أوّلا و أساسا على ضمان الوحدة
يتصوّر البعض أنّ العلمانيّة باعتبارها الفصل بين الزّمني و الرّوحي تعني الفصل بين السّياسي و الأخلاقي باعتبار أنّ السّياسة مجال المنافسة والمناورة والمساومة والخداع ولا علاقة لها بالأخلاق وهو حسب تقديرنا تحريف للعلمانيّة عن مسارها القيمي التّنويري والسّياسة عن مضامينها الأخلاقية ولا نقصد بالأخلاق هنا المعنى الدّيني التّقويّ الضيّق بل البعد الإيتيقي الذي يضمن القيم الإنسانيّة المشتركة بين جميع الدّيانات والثّقافات ، هذا التصوّر التّحريفي للعلمانيّة أوقع في تسويغ الكثير من الممارسات السّياسيّة القائمة على مبدأ الغاية تبرّر الوسيلة مثل الغشّ والذّرائعيّة والنّفعيّة وإقصاء المخالف لإثبات الذّات الحزبيّة ... بينما السّياسة في أعمق معانيها هي مشروع أخلاقي بالأساس يدافع عن أرقى القيم الإنسانيّة مثل الأخوّة والعدالة والمساواة وتكافئ الفرص والتّسامح والاحترام بين المختلفين والتّكافل والتّضامن بين أفراد المجموعة الوطنيّة وتكوّن كلّ هذه القيم القيمة العليا وهي المواطنة بما تعنيه من عدم تفاضل المواطنين باعتبار انتماءاتهم العرقيّة والجهويّة والثّقافيّة والأيديولوجيّة والاعتقاديّة الدّينيّة ، الجميع متساوون أمام القانون الذي يعكس إرادة المجموعة التي اتّفقت عليه وارتضته.
إنّ أهمّ مفارقة نسجّلها في هذا الشّأن هي وقوع السّياسة بين تطرّفين اثنين الأوّل يفصل بين السّياسة والأخلاق بشكل حدّي و يرى أنّ أخلاق السّياسة هي الكسب والنّجاح والاستقطاب والصراع والمغالبة والبقاء للأقوى ومن يمتلك السّلطة أو يحافظ على استمراريّتها وديمومتها أو ينقضّ عليها ، والثّاني يدمج بين السّياسة باعتبارها تدبير للشّأن العامّ وبين الأخلاق بمعناها الدّيني الشّريعي الضيّق فيرهنها لقوالب متوارثة قائمة على تمثّل حرفي لنصوص الدّين فتصبح السّياسة تكريسا لسلطة قاهرة لا تحقّق القيم الأخلاقيّة المرجوّة التي أسلفنا تعدادها لما يمكن أن تسبّبه من إقصاء و تكفير للمخالف وتصنيف عقدي للمجتمع .
بينما المعيار الأخلاقيّ القيميّ للسّياسة قائم أوّلا وأساسا على ضمان الوحدة الوطنيّة وتضامن أفراد المجتمع وتواصلهم وإحساسهم بالتّساوي وهو الضّامن الأساسيّ للأمن.
إنّ كلا المقاربتين اللتين تضعان الأخلاق في موضع متقلقل من السّياسة تفضيان في نهاية الأمر إلى الانتصار بالعنف عنف الدّولة أو الحزب لتثبيت وجودهما والمحافظة على استمراريّته.

هاجر اللبودي: ناشطة سابقة في الاتحاد العام لطلبة تونس
غياب الحزم والجد بجانب العقلانية والمرونة في التعامل مع الجماهير يفقد السياسي صدقيته
علاقة الأخلاق بالسياسة متشعبة جدا باعتبار الأولى منظومة قيمية تلازم كافة المجالات بما فيها المجال السياسي ولا بد من النظر في مدى التزام السياسيين بها وإلى أي حد تكون أخلاقهم مرتبطة بسلوكهم السياسي سواء تجاه الأفراد أو تجاه الجماعات، إذ كثيرا ما نسمع من عدد من السياسيين وعودا سخية وانفتاح على مشاغل منظوريهم لكن الممارسة اليومية لهؤلاء تفند شعاراتهم المتواترة.
من المنطقي أن تكون السياسة في تواصل مع الأخلاق لكن الملفت للانتباه أن فئة من السياسيين يفتقرون إلى الحد الأدنى من الأخلاق فتتسم طباعهم بالغطرسة والأنانية وتبعد كثيرا عن الصدق وأداء الواجب وهي صفات سلبية أبعد ما تكون عن السياسة التي تستوجب الخطاب العقلاني والشفاف من أجل تحقيق غاياتها المرحلية.
كما أن غياب الحزم والجد بجانب العقلانية والمرونة في التعامل مع الجماهير يفقد السياسي صدقيته ويجعله معزولا ونخبويا نوعا ما ولا يؤثر في القاعدة الشعبية العريضة.
وجب إذا التحلي بالمبدئية والإيفاء بالوعود المعلنة للجماهير وهو أساس العمل السياسي ذو البعد الأخلاقي والذي من شأنه أن يرتقي بالحياة الوطنية والعمل المجتمعي بشكل عام.
خلاصة عامة
يبدو مما سبق أن للسياسة ارتباط وثيق بالأخلاق كما لايمكن الفصل بينهما مهما كانت طبيعة هذه العلاقة وتشعباتها، وإن توفر مناخ سياسي محلي سليم ومتعدد ومنفتح يبدأ من هذه الإشكالية على اعتبارها صمام أمان ازدهار أي نشاط سياسي وطني وهي قضية مشتركة للسلطة والمعارضة، وإن بتفاوت حسب أداء كل منهما، ويجب على جميع المكونات والفواعل السياسيين في تونس إعطائها الوقت والتفكير اللازمين من أجل تحقيق التوافق بين السلطة والمعارضة فيما بينها على الحد الأدنى السياسي في سبيل بناء مشروعها الحضاري المتقدم والمتجسد في العقد الاجتماعي الذي تصالحت به مع مجتمعاتها بناء على رصيد الثقة الذي تكوّن بعد فترات قاسية من الصراعات والحروب.
ملف من إعداد: بدر السلام الطرابلسي ،
(ملاحظة: ترتيب الإجابات وضع بتسلسل اعتباطي دون تراتبية معيارية)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.