أسندت شركة البحر المتوسط للتامين وإعادة التامين «كومار» مساء السبت الماضي في المسرح البلدي بالعاصمة جوائز الكومار للرواية العربية والفرنسية وقد انتظمت هذه السنة تحت شعار «الرواية والثورة» في جو بهيج - خال من التشنج والاحتجاج الذي رافق بعض الدورات السابقة- اشرف عليه السيد رشيد بن جميع بحضور عمال وموظفي الكومار وعدد كبير من الأدباء والشعراء والمغرمين بالطرب الأصيل الذي أمنته الفنانة شهرزاد هلال وأبدعت. وقد لاحظ المتابعون لهذه الجائزة منذ إنشائها مدى نجاحها في الرفع من المستويين الكمي والنوعي للرواية التونسية وقدرتها على حث الروائيين على التنافس النزيه وتكثيف مشاركتهم فيها بأعمال تتفاوت قيمتها ويتحسن مستوى جودة طباعتها وإخراجها سنة بعد أخرى. وقد تنافست على الجوائز 30 رواية كتبت باللغة العربية و15 باللغة الفرنسية صدرت كلها في الفترة الفاصلة بين نهاية مارس 2011 ومارس 2012. ويذكر ان الرواية التونسية المكتوبة باللغة العربية قد تطورت من حيث الكم بنسبة 200 بالمائة حيث لم يكن يتجاوز العدد السنوي 11 رواية وهذا يعنى بالضرورة أننا في عصر الرواية بامتياز خاصة بعد أن تفتحت على بقية الأجناس الأدبية وأصبح بإمكان الأدباء تطعيمها بكل أنواع الفنون والشعر. أما ما يميز هذا الكم الهائل من الروايات الصادرة بين 2011 و2012 فهو الوصف الدرامي المرير لأغلبها لما عاناه المناضلون السياسيون بكل أطيافهم من سياسة القمع في أماكن الإيقاف ومن سياسة التعذيب في السجون. وهنالك كذلك روايات وصفت الأوضاع السياسية الاستبدادية ومحاولات التصدي لها والانفجار الذي حصل يوم 14 جانفي 2011 وأدى إلى سقوط الدكتاتورية وهروب الرئيس السابق زين العابدين بن علي ؟
تكريس المصالحة بين القارئ والكتاب
هذا التحسن واكبه حسب ما صرح به السيد محمد بن رجب منسق الجائزة تحسن في مستوى المضمون سيؤدي بالضرورة إلى تكريس المصالحة بين القارئ والكتاب وهو الهدف الذي تعمل الكومار على تحقيقه وتتمنى أن تصل إليه من خلال الحرص الشديد للسيد رشيد بن جميع على استمرار هذه التظاهرة الثقافية ورعاية الشركة لها دون انقطاع أو شك في أنها تسير في الطريق الصحيح.. الطريق الذي يرفع من مستوى جودة رواياتنا التونسية بعد ان ارتفع كمها. وقد فاز بالكومار الذهبي للدورة 16 الشاعر المنصف الوهايبي عن روايته «عشيقة آدم» واعتبرتها لجنة التحكيم حسب ما صرحت به مقررة القسم العربي للجائزة : «مغامرة حقيقية في عالم السرد ونجاح في تحويل اللحظة السردية إلى لحظة الافتراضية «وقد عبر الوهايبي عن فرح شديد لا بالجائزة وإنما بوصول أفكار نحتها على الفايسبوك في الفترة الفاصلة بين 2009 و2010 وعلق مازحا: « بأنه لم يكن لآدم عشيقة وأنه كان وحيدا مع حواء». رغم ذلك حدث ما حدث». ورواية «عشيقة ادم» تخرج عن كل المقومات الروائية المعروفة لأنها مستوحاة من عالم الانترنيت والفايسبوك حيث أنها حوار بين رجل وامرأة نقله الوهايبي كما هو وكما جرى او كما تخيل بظروفه الفنية والأدبية وبتقنيات تفرضها قوانين الانترنيت. وتتلخص أهم أحداثها في أن البطلين لا يعرفان بعضهما البعض فيجمع بينهما حب جارف مع تطور الحوار ولكنه الحب المرتبط مباشرة بالشهوة حيث تمناها في الفراش منذ أول لقاء فايسبوكي بينهما وفي الأثناء تحدث مفاجآت جمة. وذهبت جائزة الكومار للرواية المكتوبة باللغة الفرنسية مناصفة إلى كل من آمنة بالحاج يحيى صاحبة رواية « لعبة أشرطة» والتي تناولت فيها بدهاء ودقة مسالة الحجاب في تونس وعزة الفيلالي التي عرت في « وطن « بعمق مظاهر الفساد الذي تمكن من المجتمع التونسي وتغلغل في كل شرايين دولة الفساد والمحسوبية.. دولة ما قبل 14 جانفي.
شهرزاد غنت فأطربت وأمتعت
وأسندت الجائزة الخاصة بلجنة التحكيم العربية المتكونة من ألفة يوسف ومسعودة أبو بكر وجليلة طريطر وفوزي الزملي ومحمد بن رجب إلى الطبيب الجراح نصر بالحاج الطيب عن روايته الثانية «انكسار الظل « لثراء لغتها ولجمال الوصف والطرح والتعامل مع الشخصيات والاستشهادات وتدور أحداثها في منطقة يسكنها المرازيق الأشاوس.. جماعة الملاحم البطولية والشعر الصحراوي الرائع. ونال جائزة الاكتشاف المرحوم مهذب السبوعي الذي توفي بعد أن سلم روايته إلى الناشر فصدرت بعد وفاته بشهرين وهي « المارستان» وتم بالمناسبة إحياء ذكرى وفاته ورثاؤه بقصيدة مؤثرة. وتناول ما ناله الراحل من عذاب لا تتحمله الجبال وعن الحيلة التي اعتمدها ليزج به جلاده في المارستان ليتعرض إلى عذاب نفسي أشرس وانكى. أما جائزة العمل الروائي البكر فقد ذهبت إلى سالم اللبان عن روايته «بوصلة سيدي النا...» الذي عبر عن سعادة مضاعفة بنيله للجائزة عن أول إبداع وأول إصدار لدار النشر «دار الجسر الصغير» وأول حلقة لسلسة «مرايا الكيان» وبالنسبة إلى جائزة لجنة تحكيم القسم الفرنسي التي تركبت من هالة باجي وهالة وردي وأنور عطية وسمير مرزوقي وبشير قربوج فقد نالها رفيق بن صالح عن روايته « دهاليز الدير « والتي فضح فيها الممارسات التي كانت تفرض على المعارضين السياسيين في دهاليز وزارة الداخلية التونسية وأسندت جائزة الاكتشاف لمحمد الدلاجي عن روايته «مومس بابل» وتناول فيها محاكم التفتيش الاسبانية وما عاناه الموريسكيون وقد عبر عن سعادة كبيرة بحصوله على الجائزة التي أهداها والرواية إلى زوجته. وحصل محمد رضا بن حمودة على جائزة العمل الروائي البكر عن روايته «زيتوايات» وتحدث فيها عن تونس عليسة وعن لقاء جمع عددا من الأصدقاء على جزيرة معزولة كما جزيرة قرقنة. الفقرة الغنائية في الحفل صدحت خلالها شهرزاد هلال بأغاني «علموك الهجر» و«زهر البنفسج» و«ياللي ظالمني» لعلي الرياحي وقد برمجت لتكريمه في مائويته لاقتناع القائمين على الجائزة بان علي الرياحي هو رمز الأصالة الحضارية التونسية وانه ذاك المبدع الفرد في صيغة الجمع شاعرا وملحنا ومطربا. ثم في نهاية الحفل أطلقت شهرزاد العنان لما وهبه لها الله من جمال الصوت وقدرة على الأداء وغنت يا «جارة الوادي» وبلاش تبوسني في عينية «ويا ورد مين يشتريك» و«امتى حتعرف امتى» وختمت باغنية ام كلثوم أغدا القاك».