مفاجأتان أساسيتان حملتهما نتائج الدورة الاولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية أما الاولى فتتعلق بنسبة المشاركة المرتفعة والتي تجاوزت الثمانين بالمائة من الناخبين البالغ عددهم أربعة وأربعين مليون ناخب وهو ما يحمل أكثر من اشارة في قاموس الخبراء والمحللين للسباقات الانتخابية عندما يتعلق الامر بمعاقبة رجل السياسة أو مكافأته خلال المواعيد الحاسمة. ولاشك أن نسبة المشاركة العالية تعني اكثر من رسالة واضحة من الناخب الفرنسي وهذا الاصرار على الالتزام بالمشاركة في العملية السياسية ورفضه البقاء على الهامش في مرحلة لا تخلو من الحساسية في تحديد الخيارات المستقبلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى الامنية في فرنسا. وأما المفاجأة الثانية في هذا الجزء الاول من السباق الانتخابي ,فهي بالتأكيد تلك المتعلقة بما حققته الجبهة الوطنية بزعامة ماري لوبان بعد ان احتلت المرتبة الثالثة في السباق لتنفي بذلك مختلف استطلاعات الرأي التي توقعت تقدم جاك ميلونشون زعيم اليسار على وريثة جون لوبان التي سارعت بتبشير الناخبين بأنها رمز المعارضة الجديدة بعد أن نجحت في تحطيم الرقم القياسي الذي سبق لوالدها تحقيقه سنة 2002 بحصوله على 18 بالمائة من أصوات الناخبين ...و بالعودة الى المتنافسين في سباق الانتخابات الرئاسية الفرنسية وهما الرئيس المتخلي نيكولا ساركوزي ومنافسه الإشتراكي هولاند فان النتائج لم تحمل مفاجأة تذكر بل ان لغة الارقام لم تخرج عن أغلب استطلاعات الرأي التي رجحت ومنذ فترة تقدم المرشح الاشتراكي على حساب الرئيس المتخلي, ومن هنا تتضح مجددا تلك الاهمية التي تكتسيها استطلاعات الرأي في السباق الانتخابي ودورها قي توجيه الناخبين خاصة عندما تنبني على اسس علمية وتتمتع بدرجة من المصداقية , وقد سجلت أغلب استطلاعات الرأي تراجعا ملحوظا في شعبية الرئيس المتخلي على امتداد الحملة الانتخابية لعدة أسباب لعل اهمها مرتبط بسخط وعدم رضا الناخب الفرنسي باداء ساركوزي في مرحلة لم تخل من التحديات على مستوى السياسة الداخلية بكل ما تعنيه من ملفات اقتصادية واجتماعية وأمنية كما الخارجية بكل ما تعنيه أيضا من التزام فرنسي على الساحة الدولية وفي مختلف الصراعات التي كان لفرنسا دورمباشر أو غير مباشر فيها... حتى هذه المرحلة يبدو أن هولاند اقترب خطوة باتجاه الاليزيه وأنصاره يعولون على 25 بالمائة من ناخبي لوبان و40 بالمائة من ناخبي بايرو لقلب المعادلة على مدى السنوات الخمس القادمة , على أن ذلك لا يعني بأي حال من الاحوال نهاية المعركة بالنسبة لساركوزي الذي يعول على حصول معجزة تجعله يفوز في السباق النهائي رغم توقعات استطلاعات الراي التي تتوقع فوز هولاند بنسبة 56 في المائة من الاصوات ... واذا كان ساركوزي سيبقى في حسابات اللعبة الانتخابية الرئيس الوحيد المنتهية ولايته الذي يفشل في كسب الجولة الاولى من الانتخابات خلال العقود الخمسة الماضية فان فوز هولاند اذا تحقق له في الجولة الثانية خلال أسبوعين سيكون نقطة تحول في الخارطة السياسية في فرنسا وحتى في أوروبا حيث عصفت الازمات الاقتصادية حتى الان بثلاثة رؤساء حكومات من ايطاليا الى اسبانيا واليونان ... بقي الاكيد أن ساركوزي الذي كان حريصا على عدم الاستسلام للامر الواقع سيكون أكثر اصرارا على مواصلة السباق حتى النهاية ولن يتوقف عن محاولة استمالة أصوات الناخبين لصالحه خلال الايام القادمة ولعل في دعوته لمنافسه هولاند الاحتكام الى ثلاث مناظرات قبل موعد الحسم بدل الاقتصار على مناظرة واحدة كما في تقليد فرنسا محاولة لا تخلو من حسابات الساعات الاخيرة للظهور بمظهرالسياسي المحنك صاحب الخبرة في مواجهة خصم يفتقر للتجربة السياسية ... وفي انتظار أن يسدل الستار على الانتخابات الفرنسية ليرفع بدلا من ذلك الستار في الولاياتالمتحدة لحسم سباق الجمهوريين والديموقراطيين فقد كان رد ساركوزي حاسما عندما صرح بأنه سيعتزل في حال فشله في الانتخابات ...و في كل الحالات تبقى كل السيناريوهات قائمة للوصول الى الاليزيه بعد أن فرض اليمين المتطرف موقعه على الساحة الفرنسية رافعا بذلك سقف طموحاته وتطلعاته السياسية المستقبلية...