يبدو أن الحكومة المؤقتة بدأت تعمل على احتواء تعقيدات الوضع السياسي الراهن للبلاد التي تعيش على وقع الاعتصامات والتشنج مما أدى في كثير من الأحيان إلى العنف السياسي. وقد اظهر رئيس الحكومة أمس في خطابه أمام أعضاء المجلس الوطني التأسيسي روحا جديدة من التفاؤل انتقلت إشارتها إلى العموم بتأكيده على جملة من المسائل الاجتماعية والسياسية تلخصت أساسا في مقاومة الفقر والحد من معاناة الجهات المحرومة و اقترا ح موعد للانتخابات بين ربيع وصيف 2013 على أن يقرر المجلس التأسيسي موعدا محددا لها بالإضافة إلى بعث مجلس للحكماء يضم كبار الساسة الذين خبروا الحياة السياسية ويملكون تجربة طويلة في إدارة الشأن العام». وإذا ما اعتبرنا جدلا أن الحكومة دشنت المرحلة السياسية القادمة بانتعاشة بارزة فإن دور المعارضة يكمن في استغلال هذه الفرصة الجديدة والدفع في اتجاه إنهاء صياغة الدستور في اقرب الآجال والمرور إلى الانتخابات وتحويل الموقف الجديد للحكومة إلى حل أو مشروع لولوج خيارات متعددة والخروج من الأزمة التي كادت تعصف بالبلاد.
خطوة لتصحيح مسار الثورة
وقال مؤسس حركة الوحدة الشعبية وعضو المجلس القومي التأسيسي السابق أحمد بن صالح «في الحقيقة لا يمكن التعليق على هذا الموضوع بما أنه لا يزال في طور الإعلان، وبالتالي لا يمكن لأيّ كان تقييمه الاّ بعد أن يتجسم على أرض الواقع و تلمّس نتائجه على الساحة السياسية وعلى المشهد الوطني ككلّ. إلا أنّه لا يمكن أن يختلف اثنان حول ايجابية الفكرة وتوقيت ميلادها نظرا لما تعيشه الطبقة السياسية من احتقان وتوتّر وما يسود لدى المواطن من ضبابية للرؤية وخوف من المستقبل. نحن نرحّب بهذه الفكرة، بل نعتبرها خطوة جدّية نحو تصحيح مسار الثورة وتدعيم لطريقها، خاصّة اذا بقي هذا المجلس فوق كلّ التجاذبات السياسية من جهة وأن يكون محلّ وفاق من قبل كلّ القوى، من داخل المجلس ومن خارجه، ومن داخل الحكومة ومن خارجها». نحن نرى أنّ في هذا المقترح، على الأقلّ، عودة لبعض المقترحات التي سبق لشيوخ السياسة، كما يحلو لبعض الاعلاميين تسميتهم، أن تقدّموا بها منذ 20 جانفي 2011، ولكن لم يجدوا الأذن الصاغية، بل وجدوا التعتيم والتشويه، وانظروا، على سبيل المثال، كيف تبنّى المجلس الوطني الانتقالي الليبي مقترحا كان قد قُدّم في 12 مارس الفارط أمام لجنة التوطئة والمبادئ الأساسيّة التابعة للمجلس الوطني التأسيسي، والداعي الى منع تشكيل الأحزاب على أسس دينيّة.
إعلان النوايا لا يكفي
وأضاف بن صالح « نحن نعتبر أنّ اعلان النوايا لا يكفي، رغم ما يتضمّنه من اشارات ايجابيّة من شأنها أن توضّح الصورة، ولكن لن يقبل أيّ كان أن تتشكّل هياكل مفرغة من كلّ محتوى، وتفتقر للحدّ الأدنى من الاجماع الوطني ومن الاطار القانوني. نحن نرى أنّ البقاء خارج دائرة الصراع السياسي شرط ضروري للقيام بتشخيص الوضع وتبين مكامن الخلل وطرح الحلول والبدائل، كما نعتبر أنّ تشكيل مثل هذا الهيكل، لن يكون ناجحا، الاّ اذا ما تشكّلت قناعة لدى كلّ الأحزاب السياسية والقوى الاجتماعية، بضرورة تواجد هذا الشكل من أشكال التحكيم الساعي الى بعث التوازن في الساحة السياسية، والضامن لديمومة الحوار بين كلّ القوى من أجل رعاية الثورة، وما لذلك من حفاظ على وجود هذه القوى في حدّ ذاتها، وعلى المناخ الذي جعلها تنطلق فيه نحو أفق جديدة للعمل والسعي في اتجاه تقدّم شعبنا وتحرّره، على أن يكون تقدما شاملا في مجتمع متوازن.
ممكن.. شرط أن
ومن جانبه بين الناطق الرسمي لحزب التكتل محمد بنور « أن تحديد موعد إجراء الانتخابات ممكن شرط أن ينهي المجلس التأسيسي صياغة الدستور في اقرب الآجال والابتعاد عن القضايا الهامشية.» واعتبر بنور « أن شهر جانفي قد يكون عمليا الوقت المناسب لإنهاء صياغة الدستور الذي يجب أن يتضمن روحا توافقية مشددا على ضرورة أن يتضمن التأكيد على فصل السلط و حرية السلطة الرابعة والابتعاد عن التجاذبات التي من شأنها أن تقسم الشعب وتضرب أبرز ملامح التونسيين القائمة على الاعتذار و الوسطية.» وبخصوص موقفه بشأن « مجلس الحكماء» بين بنور «أنه من المهم أن يضم شخصيات من شانها أن تفيد البلاد بواقع خبرتها على غرار احمد المستيري و احمد بن صالح ومصطفى الفيلالي وأضاف أن الحكومة أكدت على انفتاحها على الآخر ورفضها للتفرد بالرأي». واجب أخلاقي
وقال مصطفى الفيلالي عضو المجلس القومي التأسيسي « انه من الواجب الاخلاقي أن نفيد بعضنا البعض وأن تقع الاستفادة من كل الخبرات التونسية التي تمثل رصيدا وطنيا لكل الاجيال غير أن اللجنة المزمع إحداثها يجب أن تخضع إلى مبدإ الاستقلالية والحياد حتى تكون بعيدة عن التجاذبات السياسية بحيث يصعب التأثير فيها أو استغلالها من قبل هذا الطرف او ذاك». وبين الفيلالي أن مسالة تحديد موعد الانتخابات مرتبطة أساسا بانتهاء المجلس الوطني من وظيفته الأساسية المتمثلة في صياغة الدستور.