قبل أن يعلن السيد حفيّظ حفيّظ الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل المسؤول عن الوظيفة العمومية، عن «نجاح» اضراب يومي 25 و26 أفريل، الذي نفّذه أعوان السلك الاداري المشترك بوزارة الداخلية ومراكز الولايات والمعتمديات، كان بارك الله فيه قد بادر باتخاذ قرار ثوري «ثأري»، امتنع بموجبه والوفد النقابي المرافق له، عن حضور الاجتماع التفاوضي الذي كان سيجمعهم بالطرف الاداري بمقر وزارة الداخلية، يوما واحدا قبل الدخول في الاضراب.. السيد حفيّظ حفيّظ ومن معه، اعتبروا مطالبة أعوان الاستقبال لهم بالاستظهار ببطاقات هويتهم، لتمكينهم من شارات الدخول الى مقر الوزارة مثلما تقتضيه التراتيب الادارية الجاري بها العمل، «إهانة» لهم و«استنقاصا» من هيبة الطرف النقابي، فكان قرارهم «الثأري» و«التاريخي» بالانسحاب في آخر لحظة، وبالتالي اجهاض المسعى الصلحي التفاوضي.. طبعا، يبقى من حق أي شخص أو جهة أن تختار الطريقة التي تراها أصلح للرد على ما يمكن أن تعتبره استفزازا أو استنقاصا من شأنها سواء بالكلمة أو بالإشارة ولكن في «قضية» الحال تبدو هناك مسألة أخطر وأدق يجب الوقوف عندها، وهي تلك التي تتمثل في عقلية «الخصم» التي أصبحت تصدر عنها بعض الأطراف والقوى الاجتماعية (نقابية وسياسية وإعلامية) في تحديد مواقفها من الدولة الجديدة وأجهزتها.. فإذا كانت منظمة عمالية مناضلة وعريقة في حجم الاتحاد العام التونسي للشغل، الطرف الأبرز تاريخيا في مسار بناء الدولة الوطنية، والشريك الذي لا يتغير في حين أن الحكومات تتغير في عملية التنمية وارساء مقومات العدالة الاجتماعية والدفاع عن الحقوق والحريات، يصبح على مثل هذه الدرجة من «الحساسية» تجاه بعض الشكليات.. وهي «الحساسية» التي ترجمها قرار الانسحاب الاحتجاجي من مقر وزارة الداخلية، دقائق فقط قبل انعقاد الاجتماع التفاوضي مع الطرف الحكومي حول اضراب أعوان وموظفي السلك الاداري المشترك بوزارة الداخلية، فهذا يعني أحد أمرين: 1) إما أن بعض قياديي المركزية النقابية من الجيل الجديد والمخضرم هم غير متمرسين، ولا تتوفر فيهم أهم «خصلة» نقابية على الاطلاق، المتمثلة في رباطة الجأش والشعور بأنهم «توانسة» بالكامل، بمعنى وطنيين ولا يمكن بالتالي لأية جهة أو طرف أن «يستفزهم» أو يدفع بهم نحو ردود أفعال «صبيانية» ومتسرعة لا تتناسب مع نبل أهداف العمل النقابي الوطني.. وهي بالمناسبة «الخصلة» التي عبر عنها «الأسد» المرحوم الحبيب عاشور الزعيم النقابي الكبير، حين أجاب عن السؤال الشكلي الاستفزازي: هل أنت تونسي؟ الذي ألقاه عليه رئيس جلسة محاكمته في أحداث جانفي 1978، بأن قال «تونسي ونصف»! 2) وإما أنه أصبح مطلوبا من كل وزارة ومصلحة ادارية يحل بها فريق نقابي لعقد جلسة تفاوضية، خاصة اذا ما كان يقوده قيادي «ثوري» زيادة عن اللزوم، أن تستقبله لدى الباب ب«الهلاّلو»!!! ما نرجوه هو أن يكون الأمر يتعلق بالاحتمال الثاني، لأنه الأهون والأقل خطرا على تونس، وعلى مستقبل المنظمة النقابية على حد سواء.