تعدّدت تصريحات كبار مسؤولي الدولة بما في ذلك رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ووزير التشغيل حول تعطلّ قطاع الاستثمارات بتونس بسبب القوانين المنظمة له. ورغم أنّ الثورة قامت على مطلب أساسي هو التشغيل، وجدنا أعضاء المجلس يناقشون مسائل هامشيّة لا تمتّ لمطالب الثورة بأيّة صلة فتارة يتحدّثون عن حادثة إنزال العلم وطورا يتحدثون عن «حدّ الحرابة»، فهم يجدون أنفسهم مضطرّين إلى مناقشة أحداث آنيّة. لكن أمام هذه المشاكل المتواصلة، والتي اعتبرها البعض متعمّدة لتحويل وجهة اهتمام الشعب عن أمهات القضايا، هل بادر بعض أعضاء المجلس وتقدّموا بمقترح لتعديل قانون الاستثمار الذي تشكّى منه العديد؟ صحيح أنّ أعضاء المجلس مكلّفون بوضع دستور للبلاد، لكن لهم صلاحيات وضع قوانين استثنائيّة لتجاوز العراقيل، وهو ما يمكن اتباعه بالنسبة لقطاع الاستثمار الذي من شأنه الحدّ من انتشار البطالة في البلاد والحدّ بذلك من انتشار الاحتقان الذي تشهده بعض المناطق الداخلية. فالثورة قامت على شعار «التشغيل استحقاق»، لكن مرّ أكثر من 4 أشهر على مباشرة المجلس التأسيسي مهامّه، ولم نسمع أيّ خبر حول تقديم أعضاء من التأسيسي مقترحا لتعديل القانون المنظم للاستثمار، رغم أنّ الفصل الرابع من التنظيم المؤقت للسلط ينصّ على أنّ «للحكومة وأعضاء التأسيسي حقّ اقتراح مشاريع القوانين». «لم نتلقّ أيّ مشروع» في هذا الإطار، اتصلّت «الأسبوعي» بسامية عبو نائبة رئيس لجنة التشريع العام التي أكدّت أنّ اللجنة لم تتلقّ أيّ مشروع قانون للاستثمار، قائلة: «لقد تلقّينا مقترحات مشاريع قوانين متعلّقة بمختلف المجالات، لكننا لم نتلقّ أيّ مقترح يتعلّق بقطاع الاستثمارات. وهو ما يدفعنا للتساؤل، هل من شأن المواطن أن يقدّم اقتراحات مشاريع قوانين للنهوض بالاستثمارات؟ أم من شانه كذلك مواصلة العمل بسياسة المطالب حتى تستجيب الحكومة والتأسيسي له؟ وتجدر الإشارة إلى أن رئيس الجمهورية المؤقت محمد منصف المرزوقي الذي اجتمع منذ شهر تقريبا برجال أعمال بولاية صفاقس داعيا إياهم إلى الاعتصام أمام وزارتي التشغيل والاستثمار والمطالبة بوجوب تعديل قانون الاستثمار. وهو ما يدفعنا للتساؤل: من المسؤول عن القيام بذلك أعضاء الحكومة أم المستثمرون؟ أم هل أنّ الاعتصامات أصبحت اليوم الحلّ الأمثل حتى لا نقول الأوحد لتحقيق المطالب؟ وما دامت الحكومة على علم بذلك العائق، لماذا لم تبادر منذ تنصيبها بإصلاح قانون الاستثمار قبل أن تنتظر صدور البرنامج الذي تضمنّ وجوب مراجعة القوانين المنظمة لقطاع الاستثمار؟ فهاهي المطالب تتحولّ من أقوال إلى حبر نأمل أن لا يكون على ورق وأن تسرّع الحكومة وأعضاء التأسيسي في تفعيلها للحدّ من الاعتصامات والاحتقان خاصة بالمناطق الداخلية. مغالطة ومناورة! لكن أمام التصريحات المتكرّرة حول عدم تفعيل مشاريع الاستثمار على أرض الواقع بسبب القوانين المعرقلة، قال الخبير الاقتصادي والناطق باسم تجمع من أجل بديل عالمي للتنمية فتحي الشامخي ل»الأسبوعي»: «ليس هناك أيّ تنازل ممكن في مجال الاستثمار ولم تقم به حكومة بن علي سعيا منها إلى تفعيل الاستثمارات، ويعتبر إعفاء المستثمرين من الضرائب أفضل إجراء لتشجيع المستثمرين». واعتبر محدّثنا أنّ تكرّر التصريحات حول تعطل المشاريع الاستثمارية بسبب الجانب التشريعي يعتبر «مغالطة ومناورة لإيهام الشعب بوجود عائق يحول دون تفعيل المشاريع الاستثمارية»، على حدّ تعبيره. وتساءل الخبير الاقتصادي قائلا: «لمَ لمْ نجد أيّ مسؤول قد تحدّث عن الثغرات القانونية الموجودة في مجلة الاستثمار بصفة دقيقة ويبرز مواطن الخلل حتى يقع تداركها». وأكد الأستاذ الشامخي أنّ المشكل الوحيد لتعطل الأنشطة الاستثمارية ولهروب المستثمرين، خاصة زمن المخلوع، هو تفشّي الفساد خاصة الرشاوى والتي مثلّت سببا للجوء المستثمرين إلى دول أخرى، وأضاف قائلا: «إن أرادت الحكومة تفعيل الاستثمار، فعليها الحدّ من انتشار الفساد والبحث في مدى تواصله خاصة أنّ تونس سيّئة السمعة لدى بعض المستثمرين بسبب الفساد والرشاوى»، مشيرا في هذا الإطار إلى وزارة الحوكمة ومقاومة الفساد التي من شأنها التحرّي في هذا الموضوع والمساعدة على إيجاد حلول ناجعة. صندوق سيادي للاستثمار! تضمّن برنامج الحكومة فيما يتعلّق بالشأن الاقتصادي وجوب إحداث هيئة وطنية للاستثمار من أجل إسراع وتسهيل الاستثمار خلال 2012 بالإضافة إلى إحداث صندوق سيادي للاستثمار خلال نفس السنة. وتعليقا على هذين النقطتين، قال الخبير الاقتصادي ل»الأسبوعي»: «يذكّرني ذلك بخطب بن علي الذي يسعى إلى كسب ودّ دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدةالأمريكية». وأشار إلى أنّ الحكومة الحالية لا تهتمّ بالبرامج وبتفعيلها على أرض الواقع بقدر ما تهتمّ بتضمين البرنامج نقاطا من شأنها أن تبرزها في أحسن صورة. واعتبر أنّ هذه الإجراءات تهدف إلى كسب ودّ أطراف معينّة، قائلا: «إنّ فكرة إنشاء الهيئة والصندوق مستوحاة من فرنسا، وإنّ الحكومة الحاليّة تتفاوض في سريّة تامّة مع أطراف أجنبية حول النموّ بالاقتصاد التونسي، وبسبب سياسة الديون، سترهن هذه الحكومة الحكومات القادمة». كما تساءلت بعض الأطراف عن كيفيّة إحداث هذا الصندوق في هذه الفترة لكونه يتطلبّ تمويلا ضخما وتونس تمرّ بفترة حرجة وحساسة على المستوى المالي. تصريحات رسمية متواصلة بوجود عائق قانوني لتفعيل الاستثمار، انتقادات وجّهها الخبير الاقتصادي فتحي الشامخي للحكومة تقابلها تصريحات رسمية متواصلة بوجود عائق قانوني لتفعيل مشاريع الاستثمار. فمتى تتحرك الجهات المعنية للبحث فعليا في صعوبات الاستثمار لتقليص نسبة البطالة والنمو بالجهات المسحوقة؟