"تمخض الجبل فأنجب فأرة".. عبارة رددها كثيرون ممن اطلعوا على التقرير الذي طال انتظاره لتوفيق بودربالة والذي يعنى بالتجاوزات المسجلة بداية من تاريخ 17 ديسمبر 2010.. فالتقرير اعتبره البعض مجرد استعراض للشهادات المستمع إليها دون أن يكلف نفسه عناء تقديم الإضافة أو تحميل المسؤولية لأي جهة تذكر الأمر الذي ساهم في تعقيد هذا الملف استنادا إلى أن القائمة النهائية لشهداء وجرحى الثورة قد يلزمها الكثير لترى النور. ويبقى السؤال المطروح: أية إضافة قدمها تقرير بودربالة؟ يعتبر نور الدين حشاد رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية في تصريح ل»الصباح» انه لا يحق له حاليا أن يقيم تقرير توفيق بودربالة استنادا إلى أنه لم يتسلم بعد التقرير من أية جهة رسمية تذكر. أما وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية فهي منكبة على دراسة التقرير وهو ما أكده شكيب درويش المكلف بالإعلام صلب الوزارة مشيرا إلى أن الوزارة ارتأت حاليا التمعن في التقرير علاوة على انه طبقا للمراسيم المعمول بها فان لجنة شهداء وجرحى الثورة ستتولى بدورها النظر في هذا التقرير على أن تتولى لجنة نور الدين حشاد التدقيق في التقرير وضبط القائمة النهائية لشهداء الثورة. تقرير سردي أجمع بعض ممن اطلع على تقرير اللجنة الوطنية لاستقصاء الحقائق بان التقرير سردي بالدرجة الأولى وتنقصه الجرأة المطلوبة لكشف النقاب عن حقائق وتفاصيل تهم ملفا يعتبر من أوكد الاهتمامات اليوم. فمن وجهة نظرهم لا يوجه التقرير أصابع الاتهام إلى أيّة جهة معينة كما اكتفى بعرض الأحداث والمعلومات التي تم جمعها أثناء التحقيق. بيّن شرف الدين القليل محامي عائلات وشهداء الثورة (اقليمتونس الكبرى) في هذا السياق ان قلة قليلة ممن كانت تعتقد أن التقرير من شانه أن يقدم الإضافة فقد جاء ذا صبغة تاريخية وتوثيقية أكثر منه تحقيقية. من جهة أخرى لم ينكر القليل أن التقرير رغم سلبياته الكثيرة تضمن بعض الايجابيات أبرزها انه توخى منهجية واضحة ومحترمة فضلا عن أن أصابع الاتهام كانت موجهة من قبل الجميع للداخلية بدرجة أولى فإذا بالتقرير يشير إلى تورط كل من وزارتي الاتصالات والصحة العمومية. أما في ما يتعلق بسلبيات التقرير ذكر انه يفتقر إلى الجرأة الكافية لمعالجة ملف بهذا الحجم من ذلك أنه ينص على أن بعض المعطيات والمعلومات منعت عن اللجنة دون ذكر الجهة التي لم تفصح بهذه المعلومات. كما أوضح أن التقرير يكرس لجريمة طمس الحقيقة والإفلات من العقاب فضلا عن انه تضمن بعض المغالطات من ذلك أن قائمة الوفيات في أحداث السجون تغافلت عن ذكر الوفيات الحاصلة في صفوف أعوان السجون والإصلاح الذين وافتهم المنية أثناء قيامهم بمهامهم. أما في ما يتعلق بالقناصة فقد جاء وفقا للتقرير انه لا وجود لجهاز في تونس يسمى بالقناصة وهي من وجهة نظر القليل مغالطة أخرى تحسب على تقرير بودربالة استنادا إلى أن جميع أجهزة الأمن يوجد داخلها فرق مختصة للقنص. وخلص المحامي إلى القول بان القضاء العسكري بقوته وسلطته منعت عليه بعض المعلومات فما بالك بلجنة وطنية فاقدة لجميع الصلاحيات متسائلا هل يعقل أن بلدا عاش ثورة يعجز عن ضبط قائمة نهائية لشهداء ثورته؟ صدمة كبرى واعتبر من جهته ماهر بوعزي محامي عائلات شهداء تالة والقصرين أن تقرير بودربالة مثل «صدمة» واصفا إياه ب»التعيس» إلى جانب كونه «فضيحة كبرى» نظرا لقلة المحتوى فالتقرير من وجهة نظره لم يقدم الإضافة المطلوبة إذ اكتفى بسرد الوقائع والأحداث التي جمعتها اللجنة إبان ال14 من جانفي مشيرا إلى انه كان من المنتظر أن يقف التقرير على تحقيق فعلي يؤشر لمعرفة الجناة الحقيقيين على غرار نوعية السلاح الذي استعمل أثناء عمليات القتل غير انه اكتفى بنقل شهادات تم الاستماع إليها إبان عمليات التحقيق والتنقل. واعتبر أن التقرير يمثل إهدارا للوقت وللمال العام مضيفا إلى أن أهالي شهداء الثورة صدموا من التقرير وأبدى بوعزي رغبته في أن يتكفل القضاء بهذا الملف الشائك حتى يتسنى معرفة الحقيقة. لغز قائمة الشهداء والجرحى.. ولعل الملفت للانتباه في هذا التقرير هو استعمال عبارة «المتوفين» أو ما يعرف بقائمة الوفيات بدل استعمال عبارة الشهيد الأمر الذي يطرح نقطة استفهام وفي تفسيره للأمر ذكر آزاد بادي عضو لجنة شهداء وجرحى الثورة بالمجلس الوطني التأسيسي انه وفقا للمرسوم 97 فان اللجنة التي يرأسها نور الدين حشاد هي وحدها الكفيلة بضبط القائمة النهائية لشهداء الثورة. وفي تقييمه أشار بادي أن تقرير بودربالة يعتبر تقريرا تفصيليا كما انه لا يرتقي إلى تطلعات تونس ما بعد الثورة إذ كان الأجدر أن يكون أكثر عمقا فملف الشهداء لا يقتصر على من استشهد فقط وإنما على من قام بعمليات القتل ايضا؟ وأضاف انه لا يمكن الجزم حاليا بأنه تقرير موثوق به إذ لا بد من دراسته أولا ولكن يبقى في اعتقاده مجرد تقرير يمكن الاستئناس به لا غير. وقال أن كثرة اللجان المنكبة على معالجة ملف شهداء وجرحى الثورة ساهمت في تشتته، ويبقى الحل في تفعيل دور لجنة شهداء وجرحى الثورة ومنحها صلاحيات تخول لها القيام بعملها.