تحت إشراف وزير التّعليم العالي الدّكتور منصف بن سالم تنظّم جامعة الزّيتونة والاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين المؤتمر الدّولي: «نحو تجديد في الفقه السّياسي الإسلامي»الذي افتتحت أشغاله صباح أول أمس الأحد بقصر المؤتمرات بالعاصمة وتتواصل أشغاله العلمية إلى اليوم. وقد حضر افتتاح هذا المؤتمر إلى جانب الأستاذ الدكتور عبد الجليل سالم رئيس جامعة الزيتونة رئيس فرع اتحاد علماء المسلمين بتونس الدكتور عبد المجيد النجار ووزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور المنصف بن سالم والأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور علي القره داغي ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور يوسف القرضاوي، والأستاذ راشد الغنوشي وعدد كبير من السفراء والأساتذة والدكاترة والعلماء والمفكرين والباحثين والجامعيين من تونس ومن عدد من البلدان العربية والإسلامية. وقد جاء في كلمة الأستاذ الدكتور عبد الجليل سالم رئيس جامعة الزيتونة في افتتاح المؤتمر أن الأمة الإسلامية تعيش اليوم تحولات تاريخية كبرى خاصة على الصعيد السياسي تفرض على النخب والعلماء فهما دقيقا وتقييما عميقا.. فالنظام العربي الرسمي فقد شرعيته منذ مدة ليست بالقصيرة وما سقوطه وتهاويه في هذه المرحلة بالذات إلا إعلانا عن وفاة طال انتظارها. وأضاف:» هذا النظام الرسمي قاده ليبراليون وتقدميون واشتراكيون مشرقا ومغربا وفشلوا جميعا في تحقيق حلم الحداثة السياسية والاقتصادية بما هي تداول على السلطة وترسيخ لإرادة الشعوب في الاختيار الحر وبما هي تنمية شاملة وعادلة... وما بشرت به الثورات العربية لن يكون إلا في صالح التيارات الإسلامية التي تقف على ارض الهوية والتاريخ والأصالة .» تجربة الرسول محمد كانت تنويرية بامتياز وفسر الدكتور عبد الجليل سالم كيف ان تجربة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام كانت تنويرية بامتياز حيث انه كان يصر على ان يكون الرسول لا الملك وكما ان أتباعه لم يكونوا مرؤوسين ومحكومين بل كانوا يسمون أنفسهم بالصحابة. ورأى رئيس جامعة الزيتونة ان إعادة بناء الفكر السياسي يجب ان تنطلق من إعادة تأصيل الأصول وتجديدها بمعنى ابراز نضارتها التي تؤسس النموذج الذي يمكن استخلاصه من مرحلة الدعوة المحمدية»وأمرهم شورى بينهم» وشاورهم في الأمر» وانتم اعلم بأمور دنياكم» وقال: « ان بعض من يكتبون في الفكر السياسي الإسلامي لا تزال نظرتهم واقعة تحت تأثير نظريات الماوردي.. وان آراء الماوردي والفرّاء وابن تيمية وابن خلدون وغيرهم من المتكلمين والفقهاء ليست ملزمة لنا لأنها مجرد آراء سياسية أملاها واقع سياسي معين. ولكن صحيح انها لا تمثل وحدها رأي الإسلام لأنه لا يوجد نص تشريعي من القرآن او السنة ينظم مسالة الحكم بل المسالة اجتهادية وفي العصر الحاضر ليس أمامنا غير أساليب الديمقراطية الحديثة على نواقصها وثغراتها.» وفي كلمته شدد د. منصف بن سالم وزير التعليم العالي والبحث العلمي ونور الدين الخادمي وزير الشؤون الدينية على أهمية تجديد الفقه السياسي الإسلامي بما يمكن من مواكبة التحولات التي تشهدها البلدان الإسلامية خاصة على الصعيد السياسي، وأكدا على ضرورة فتح باب الاجتهاد لإعادة بناء الفكر السياسي في الإسلام. وركز الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في مداخلته على ضرورة تجديد وتطوير الفقه الإسلامي حتى يكون مواكبا للعصر، وحتى يتم تنظيم مسألة الحكم وتحديد القواعد التي يتعين الالتزام بها لتحقيق مبادئ العدل والحرية وذكر بأنه فعلا زار تونس سنة 2009ولكنه لم يتكلم بتاتا وعندما مكن التلفزة التونسية من تصريح تم تقطيعه إربا إربا وقال:..»تصرفوا فيه كما أرادوا».أما الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة، فقد عبر في كلمته عن سعادة قصوى بان تشهد تونس فعاليات هذا المؤتمر وان تستضيف ثلة من كبار علماء الإسلام الذين لم يسمح لهم من قبل بزيارة تونس وحمد الله على ان مد في عمره ليرى تونس بلا طاغية ولا طغيان وقال: «. أن من تجليات هذه الحرية عقد مثل هذه المؤتمرات التي لم نكن نتصورها حتى في الحلم ، هذه المؤتمرات التي تمكن من تطارح الأفكار والنقاش حول القضايا التي تهم المسلمين في دينهم ودنياهم.»وأضاف: «العالم الإسلامي يشهد انطلاقة جديدة بداية من تونس». ويذكر ان برنامج المؤتمر يتضمن ثماني جلسات علمية تتمحور في مجملها حول كيفية تطوير الفقه السياسي في الإسلام وتمتين علاقته بالمجتمعات الإسلامية، إضافة إلى الاجتهادات المعاصرة في هذا المجال كصلاحيات رئيس الدولة وآليات النظام الديمقراطي في السياسة الشرعية والتمثيل الشعبي في الديمقراطيات العربية والوسطية في السياسة الشرعية عند الشيخ الفاضل بن عاشور. الحكم في الإسلام ديمقراطي بالمعنى الحقيقي للديمقراطية كما يتضمن برنامج المؤتمر عددا من المحاضرات العلمية من بينها التطبيقات المعاصرة للشورى للدكتور عبد السلام بلاجي والشورى عند المفسرين للدكتور مولاي عمر بن حماد من المغرب وفقه الشورى الإسلامي المعاصر:الشيخ محمد الغزالي نموذجا للدكتور محمد مراح من الجزائر. وفقه الدين والدولة عند شيوخ جامعة الزيتونة والتطبيقات المعاصرة لمبدأ الشورى وطبيعة الوظيفة التشريعية للدولة في الإسلام والتمثيل الشعبي.. آليات الاختيار وإشكالية الشرعي. وفقه الاجتماع السياسي الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور: من النقد المنهجي إلى التأسيس المقاصدي للدكتور محمد الطاهر الميساوي من الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا ومن أهم ما جاء فيها ان بعدين فكريين أساسيين صبغا غالب اعمال الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ومصنفاته. هذان البعدان هما النقد والتقويم والمراجعة من جهة ، والبناء والتأسيس والإنشاء من جهة أخرى وقال:» ومن أفق هذا النظر في اليات الاجتماع السياسي ومكانة الفطرة منه ارتباطا بمقاصد الشرع الكبرى وقيم الإسلام العليا، يعالج الشيخ ابن عاشور مشكلة طبيعة الحكم في الإسلام، فلا يتردد في تقرير كونه حكما ديمقراطيا بالمعنى الحقيقي للديمقراطية، فأساسه الشورى من الأمة أو الشعب اختيارا ومراقبة ومحاسبة للحكام الذين ليسوا سوى وكلاء للجماهير التي انتخبتهم في أي مقام من مقامات الولاية العامة كانوا، فمنها يستمدون شرعية سلطانهم وبتحقيق مصالحها وجلب النفع لها بما هو عدل ومشروع تتقوم مشروعية تصرفاتهم، وإلا فالعزل واستبدال غيرهم بهم. وبما سبق من قول يتبين طرف مما يسعى البحث لإثباته، وهو ان الشيخ ابن عاشور كانت له ريادة في تجديد الفقه السياسي منهجا وقضايا. علياء بن نحيلة
عبد الحميد الجلاصي نائب رئيس حركة النهضة ل"الصباح" : فاتحة لحوار فكري يعيد الاعتبار للخصوصية التونسية كان من بين الذين تابعوا الأشغال العلمية لمؤتمر نحو تجديد في الفقه السياسي الإسلامي الذي نظمته جامعة الزيتونة بالتعاون مع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عبد الحميد الجلاصي نائب رئيس حركة النهضة الذي سألته الصباح عما يمكن ان يثيره تنظيم مثل هذا المؤتمر في نفسه وهو الذي قضى 17 سنة سجنا من اجل قناعاته وعمله السري صلب حركة النهضة فقال: أتيحت لي سنة 1996 وكنت في سجن المهدية فرصة الاطلاع على كتاب الشيخ محمد الفاضل بن عاشور ومضات فكر في جزئيه فاكتشفت فيه عراقة الشعب من وجهة تحديد قوة اللغة وأناقة الأسلوب وقدرة الدين على مواكبة كل التحولات وكل العصور وكل الأحوال ولكن من جانب آخر اكتشفت الغبن الذي تتعرض له مجموعة من المفكرين التونسيين .. ثم حرصت سنة 2006 على مصاحبة التحرير والتنوير للعلامة المجدد الطاهر ابن عاشور و ترسّخت عندي نفس القناعات ونفس الانطباعات وهي ان تونس أريد لها من خلال نخبتها الحاكمة ان تكون ذات عين واحدة ملتفتة نحو الغرب ولم يكن كثيرون يتصورون ان تنعقد في تونس ندوات حوار تتناول التجديد في الفكر الإسلامي ولا حتى في الحلم. والآن نحمد الله على أن تونس أصبحت بعد الثورة منبرا تتلاقح فيه الأفكار والاتجاهات والتيارات.. وها هي تونس التي استقبلت سنة 1903 مجدّد الأمة محمد عبده تستقبل اليوم ثلة من المجددين دون ان تنغلق على الروافد الأخرى للفكر الإنساني ... وعن مدى الحاجة إلى مثل هذا المؤتمر اليوم بالذات قال: كل مشروع نهضوي ناجح لا بد له من أرضية ثقافية تربط حاجات وأشواق الشعوب بتاريخها وانتمائها وتراثها ، شاهدنا هذا مع تجارب اليابان وماليزيا وتركيا وغريها وأهمية النقاش الفكري الحالي هو ان يجذّر مطالب الديمقراطية والحرية والتنمية والبيئة والفنون والتعايش الحضاري في الأرضية الثقافية لشعبنا ويصالح بين الأصل والعصر ويصالح بين النخبة والجماهير ويصالح بين الضمير والوجدان من جهة وبين العقل من جهة أخرى. هذه فاتحة لحوار فكري ارجوا وان يتواصل ليتبلور مشروعا وطنيا جامعا يوحد كل مكونات الشعب ويربط كل حلقات التاريخ ويوثق الصلة بين الماضي. والمستقبل ويعيد الاعتبار للخصوصية التونسية والإسهام التونسي كرافد فاعل ضمن مسار حراك التجديد الفكري داخل الامة عامة وهذا سيعيد الاعتبار لأجيال من المفكرين التونسيين غمطهم التشدد والتشنج والانغلاق السلطوي والعلماني حقهم طيلة عقود.. وأنا متفائل جدا بهذا الحراك. وعما إذا كان متفائلا بنموذج تونسي قال عبد الحميد الجلاصي : في القرن التاسع عشر كانت هناك ثلاث عواصم إسلامية هي القاهرة واسطنبول وتونس الزيتونة وهذه العواصم كان لها دور في انطلاق شرارة النهضة العربية الإسلامية الأولى ونفس هذه العواصم سيكون لها الآن دور في استكمال بناء هذه النهضة في أبعادها السياسية والفكرية. كثيرون يتحدثون اليوم عن نموذج تونسي لا تصنعه النهضة وحدها وإنما يصنعه التونسيون كلهم بقدرتهم على الحوار والتفاعل فيما بينهم ومع غيرهم. علياء