تحوّل التطاول على رجل الأمن أو السياسي وخرق القانون والنظام العام والاعتداء على مؤسسات الدولة (مراكز الأمن، مقرات الولاية والمعتمديات) منذ اندلاع الثورة التونسية وسقوط النظام السابق يوم 14 جانفي من فعل استثنائي شاذ الى قاعدة لتواصل وسلوك دائم يصدر عن عدد من المواطنين على اختلاف تواجدهم في شمال البلاد أو جنوبها.. زادته سياسة التساهل وغض النظر التي يتوخاها السياسيون في التعامل مع هذه الفئة من المواطنين حدة وأكسبته جانبا هاما من المشروعية.. في الإطار تساءلت «الصباح» عن كيفية تجاوز هذه الأزمة الأمنية التي ماانفكت تتفاقم حتى انها تحولت الى عنصر ارباك وقلق للسياسيين والمواطنين على حد السواء ؟ رؤية علم الاجتماع في بداية حديثه ل»الصباح « أوضح الباحث في علم الاجتماع السياسي طارق بلحاج محمد أن «التطاول الذي نعاينه اليوم هو تطاول لمواطنين على شخصيات سياسية ولا يعد تطاولا على هيبة الدولة كمؤسسات قائمة منذ عقود سابقة لتواجد الأشخاص.» وأعاد بلحاج محمد الأزمة الأمنية التي عايشناها منذ اندلاع الثورة الى ثلاثة أسباب: أسباب نفسية وتتمثل في وجود عداء تاريخي بين التونسي ودولته وهو سبب من أسباب اندلاع الثورة فلطالما كانت الدولة وأجهزتها أدوات قمع وقهر يعاني منها الازدراء والتجاهل ومع سقوط رأس النظام اغتنم التونسي الفرصة لتصفية ارثه القمعي مع هذه الدولة. أسباب اجتماعية، فقد قامت الثورة على استحقاقات اجتماعية (التنمية الجهوية والتشغيل..) كما أن الدولة ولسنوات بنت مشروعيتها من ضمانها لهذه الاستحقاقات (بورقيبة كان الأب وبن علي كان المنقذ) وعندما تعجز الدولة على الاستجابة لهذه المطالب يصبح من المنطقي أن يستهدفها الشعب ويشعر بتقصيرها خاصة أن المسؤولين قاموا بترسيخ مبدأ التواكل عند التونسي وتقديم الدولة على أنها راعية للمجتمع والمواطن. أسباب سياسية، فهناك من يتصور أن الاعتداء على مؤسسات الدولة ورموزها هو رسالة للسياسيين الذين عجزوا على الوفاء بوعودهم وهذا يعيدنا الى الخلط بين الدولة والأشخاص (الحكومة ) فمن يحرق مؤسسة هو في الأصل يحتج عن الوزير أو الوالي أو المسؤول وليس عن مؤسسات الدولة ويرسل بالتالي رسائل سياسية لأشخاص في الحكومة. استفزاز سياسي كما أن الساحة السياسية تسجل أداء مستفزا للسياسيين يميزه تبادل للاتهامات ووعود مهدورة واعتماد لسياسة المكيالين أفقد المواطن الثقة في من يسير الدولة وجعل جل المواطنين يرون أن من يحكم لم يستوعب درسين أساسيين الأول أن الثورة قامت ولها استحقاقاتها وتحقيقها لا يعد منة من السياسيين والثاني هو أنه لا يمكن أن نواصل في نفس السياسة التي تم انتهاجها سابقا والتونسي البسيط قد كسر حاجز الخوف من الدولة وكل عملية قمع ستجذر في المواطن عقيلة الرفض والتصعيد.. واعتبر الباحث في علم الاجتماع السياسي أن سياسة غض النظر أو التساهل مع الخارقين للقانون يدخل في إطار غياب الإرادة السياسية لفرض الأمن فمنطقة تالة مثلا يغيب عنها الأمن منذ الثورة ولم نسمع عن نداء لعودة الأمن إلا بعد حرق مقر النهضة كما أن غياب الأمن لم يكن مطلقا فقد كان له حضور يوم عيد الشهداء 9 أفريل وتصديه كان على الاحتجاجات ذات الطبيعة السياسية والاجتماعية.. هناك إذن من له مصلحة في استهداف الأمن وجره للاصطفاف وراء السياسيين لحمايتهم تزعجه المصالحة بين الأمن والمواطن. الحلول أما بالنسبة للحلول فرأى طارق بلحاج محمد أن على الدولة ان تقوم بواجبها على الأقل في الحدود الدنيا وأن تقف على نفس المسافة من كل المواطنيين على حد السواء وأن تتخلى على سياسة المكيالين وأن يكون السياسيون رجال الدولة وليس رجال أحزاب فالجمع بين العمل الحزبي والعمل السياسي عانى منه التونسيون لأكثر من 50 عاما. وأضاف أن على السياسي أن يحسن مستوى آدائه ويقدم خطاب فيه كثير من المصداقية ويبتعد عن الصراعات التي تسيء إلى الدولة وأن يكون الاختلاف تحت سقف الوطن وليس فوقه. وأشار في نفس السياق أن صفة المناضل أو الأمين العام أو المنتخب من قبل الشعب تكون في الكثير من الأحيان غير كافية لإدارة الشأن العام.. كما أن السياسيين عليهم أن يدركوا ان خلاف المواطن مع الحكومة لا يعني التشكيك في شرعيتها بل عدم اقتناع بأدائها.. رجل الدولة يوضح.. من وجه نظر رجل الدولة وأستاذ القانون لزهر العكرمي «عندما يتراجع النظام تتقدم الجريمة.. والخطأ الذي ارتكبه السياسيون أنهم ظنوا أنه يمكن استثمار هذا الوضع فقاموا ضمنيا وعلنيا بتشجيع هذا السلوك بتعلة الحرص على مكاسب الثورة وأهدافها ولم يكن الخطاب الذي قدمه السياسيون يستهدف ترشيد حركة الشعب بقدر ما كان استثمارا انتخابيا حتى أصبحت الحالات المتفرقة لظاهرة العنف ظاهرة عامة من الصعب السيطرة عليها.» وأضاف « ان المقدمات الخاطئة تؤدي ضرورة الى نتائج خاطئة فقد اعتقد السياسيون أن بمجرد المرور الى الشرعية سيتحول من يقومون بالفوضى الى عقلاء يحتفلون بالشرعية وهذا لم يحدث .» كما أنه من الخطأ أن يعتقد السياسيون أن الشرعية وحدها كافية لإدارة مرحلة انتقالية ففي ضل التوافق فقط يمكن السيطرة على الوضع .» وقال العكرمي :» أنا لا أحمّل المواطن المسؤولية فالإغراءات التي قدمها السياسيون هو ما دفعه الى المطلبية المشطة فلو حدد المسؤولون في الحكومة القدرة الحقيقية للدولة لما كان هناك هذا الحجم من المطلبية. و بين لزهر العكرمي الوزير السابق لدى وزير الداخلية أن الحل يكمن في وضع خارطة عمل واضحة يتم خلالها تحديد موعد للانتخابات يصاحبه تجميع ضد العنف لكل القوى الحية في المجتمع وذلك إلى جانب مراجعة منظومة القيم في الإعلام ولو اقتضى الأمر إقامة مؤتمر وطني ضد العنف.