كان «صمت المقابر» هو السمة المميزة لمجلسي النواب والمستشارين في العهد البائد، على غرار البرلمانات الصورية الكاريكاتورية في مختلف الأنظمة الدكتاتورية، يمينية كانت أم يسارية، «ثورية» أو محافظة. وكانت مشاهد النقاشات، وحتى «المشاحنات»، في برلمانات الدول الديمقراطية، التي تصل أحيانا الى حد تبادل الشتائم، وحتى تبادل العنف، تبدو لنا مظهرا صحيا من مظاهر الديمقراطية، نتمنى أن نرى مثلها في يوم ما في بلادنا. وها إن أمنيتنا التي كانت ترتقي الى مرتبة الحلم الصعب المنال تتحقق، إلا أن ذلك لا يمكن أن يمر دون إبداء بعض الملاحظات. فالنقاشات العنيفة والمشاحنات بين مختلف الكتل ونواب مختلف الأحزاب، لئن كانت مظهرا مصاحبا ومرافقا للسجال الديمقراطي الحر، فهي ليست صلب الديمقراطية وقلبها وجوهرها، وهو ما يبدو للأسف أن النواب أو لنقل بعضهم لم يستوعبوه بعد. إذ يبدو الأمر غالبا لعموم الشعب، أقرب منه الى الملهاة و«لعب العيال» من المواقف المسؤولة من نواب اختارهم الشعب لتولي مهمة تمثيله في هذه الفترة من تاريخه، أي مرحلة الانتقال الديمقراطي البالغة الدقة، مما يسيء الى صورة المجلس لدى الرأي العام، ويتسبب في إضاعة وقت ثمين جدا، في ما لا ينفع ولا يجدي. والدليل على ذلك هو أنه لم يكتب الى اليوم، وبعد ستة أشهر من انتصاب المجلس، ولو سطر واحد من الدستور! وهو الذي كان مقررا له ألا تتجاوز مدة صياغته أكثر من عام. إن اضاعة الوقت في «البهلوانيات» اللفظية والاستعراضات الكلامية حبا، دون شك من قبل البعض من نوابنا في «نحت» صورة لهم عبر وسائل الاعلام والتلفزيون خصوصا، سعيا للنجومية أو تكوينا لرصيد، استعدادا للانتخابات القادمة، هو موقف لا مسؤول، ولا يبرره قط أننا نعيش «سنة أولى ديمقراطية»، خصوصا وأن بعض هذه المشاحنات المنقولة على الهواء، قد يغيب عنها أحيانا الحد الأدنى من اللياقة. كما لا يفوتنا أن نشير أيضا الى نقطة سلبية ثانية، وهي «آفة التغيّب» التي جعلت النصاب لا يكتمل أحيانا في بعض الجلسات، وهو موقف لا يقل لامسؤولية عن الأول، فمن قدم نفسه لخدمة الشعب، وتكفّل طائعا بهذه المهمة، عليه أن يتحمّل كل ما تفرضه عليه من واجبات، خصوصا وأن هذا التكليف كان عند المنطلق محددا في الزمان بمدة سنة لا غير.