اعتبر العديد من الجامعيين والحقوقيين المشاركين في المنتدى الفكري حول قضايا الدين وحقوق الإنسان أن ظاهرة التعصب الديني والتكفير يجب أن لا تواجه أمنيا أو بتعصب مضاد أو "تكفير مدني".. بل بالحوار وبحزمة من الحلول الجدّية. وفي هذا الإطار قدم الدكتور مصدق الجليدي أستاذ العلوم الثقافية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقيروان خلال هذا اللقاء المنتظم بالعاصمة ببادرة من المعهد العربي لحقوق الإنسان محاضرة عن ظاهرة التعصب والتكفير في تونس، بين فيها أن التعصب هو حالة مرضية، وأن هذا المرض النفسي الاجتماعي يمكن أن يصيب الإخوة والأبناء والأصدقاء وغيرهم من الذين يقعون ضحية استدراج منظم من قبل جماعات متطرفة، لذلك لا يمكن عند الحديث عن الحلول التفكير في حلول عنيفة وتتبعات وايقافات وزج في السجون وتضييق على نشاطات هؤلاء. وقدم الباحث صورا لمظاهر التعصب الديني على غرار رفض الاختلاف وعدم الاعتراف بالآخر وشيطنة كل فهم مخالف للدين وتبني رؤى تآمرية بخصوص كل طرح مختلف للمسألة الدينية وتوجيه التهم الخطيرة للخصوم والتشنيع بهم مثل رميهم بالفسق والنفاق والتفسخ إلى حد بلوغ التخوين والتكفير وتهديدهم بالعنف والقتل والاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم. مظاهر متطرفة ومن الأمثلة على المظاهر المتطرفة في تونس، تحدث الجامعي عن هدم بعض النصب التذكارية والمزارات التاريخية والمنحوتات الاحتفائية بدعوى محاربة الشرك بالله وهدم الأصنام والطواغيت واستعمال أساليب عنيفة في التعبير عن رفض بعض الأعمال الفنية وانتصاب أيمة خطباء على منابر الجمعة دون تنسيق مع وزارة الشؤون الدينية رغم افتقاد العديد منهم للتكوين العلمي الضروري والرؤية اللازمة لمساعدة المصلين على بناء اتجاهات معتدلة انطلاقا من الحكمة الدينية والخلقية الإسلامية المترفعة عن المهاترات والجدالات المثيرة للفتن والمساعدة على مزيد اشتعالها وتوظيف سياسي فج لبعض هذه المنابر خدمة لاتجاهات ايديولوجية معينة فتعلو صيحات التخوين والتكفير، واللعنات والدعاء بالويل والثبور والتعريض بأعراض الخصوم. ويقول الجامعي إن تنامي ظاهرة السلفية في تونس مرده عدم فتح باب الحوار مع هؤلاء الأفراد والجماعات المتشددة دينيا.. وعن كيفية التعامل مع هذه الظاهرة بين أنه يجب تشجيع المتعصب على الاندماج في منطق الدولة الحديثة وقواعد النشاط القانوني والتعامل معه بما هو مواطن بحاجة إلى مساعدة وتوعية وتربية وتثقيف ورعاية ومساندة اجتماعية.. وفسر أنه يجب التمييز بين مختلف أصناف المتدينين السلفيين أو لمتشددين والتمييز بين مختلف درجات تعصبهم أو قابليتهم للتحاور والتعامل السلمي الهادئ،وقال :"إذا ما استبعدنا حالة المتشددين الذين يستعملون العنف بصفة منهجية لفرض نمطهم الاعتقادي والسياسي مثلما تم في حادثتي الروحية وبئر علي بن خليفة فإن باقي الحالات يمكن أن تقارب بطريقتين متكاملتين". تكون الطريقة الاولى على حد تعبيره بالحلول الوقائية وذلك بإصلاح المناهج التربوية الدينية بالابتعاد عن السطحية والتوظيف السياسي ومساعدة المتعلمين على اكتساب تصورات متوازنة بخصوص المسألة الدينية ووضع مناهج للتربية على التفكير العقلاني والجدلي وإضفاء النسبية على الاحكام واحترام الوجدان الديني العام وتجنب استفزازه فيما يمكن ان يعتبر من ثوابت الدين الاسلامي والمعلوم منه بالضرورة مثل عقيدة التوحيد ومكارم الاخلاق.. وتتم الطريقة الثانية بالحلول العلاجية وذلك بفتح حوار وطني علمي وثقافي هادئ مع المتشددين دينيا على أن يرعى هذا الحوار جهات تحظى بحد أدنى من المصداقية الأخلاقية والمعرفية لدى هذا الصنف من المتدينين لانه في الحالة المقابلة لن يكون لمثل هذا الحوار أي جدوى وسينظر إليه على أنه مجرد تآمر على عقائد المسلمين على ان يواكب الاعلام العمومي والخاص هذه الحوارات التي يجب ان تكرس فيها آداب الحوار المتمدن المتحضر بعيدا عن الاستفزازات والأحكام القيمية. ولاحظ الجامعي أن هذا الحوار لا يعد حلا علاجيا فحسب بل يمكن أن يكون حلا وقائيا في الآن نفسه للأفراد الذين لهم استعدادات للتحول إلى التشدد الديني.ويجب ان يرافق الحوار رعاية صحية ونفسية ومساندة اجتماعية ووجدانية للمعنيين بالامر. الاسباب وتحدث الدكتور مصدق الجليدي الذي تخصص أيضا في دراسة العلوم الإسلامية وقبلها العلوم الفيزيائية، عن أسباب ظاهرة التعصب الديني وبين ان منها ما يعود إلى ذات المتدين وأخرى مفروضة عليه خارجية.. وتتمثل الاسباب الخارجية في التربية التسلطية التقليدية التلقينية العمودية السطحية خاصة في المجال الديني إضافة إلى سياسة القمع والقهر والتضييق على الحريات الدينية وهي سياسة تجفيف المنابع والتشجيع الرسمي وغير الرسمي على اختيارات ثقافية وفنية مستفزة للشعور الديني والأخلاقي مثل المس من المقدسات وخدش الحياء بما يؤدي الى ردود أفعال فورية غالبا ما تكون متشنجة وعنيفة. وتتمثل الاسباب التي تعود إلى ذات المتدين يتمثل في تدني المستوى العلمي في مجال الدراسات الشرعية وعدم الإلمام بقواعد علم أصول الفقه بما ينطوي عليه من مناهج تشريعية ومناطات أحكام وفقه مآلات ومقاصد شرعية، وضعف الحس التاريخي أو تبني رؤى مطلقة لبعض منتجات التراث وإفرازات التاريخ واجتهادات القدامى، كما يمكن ان تكون الاسباب نفسية وجدانية نتيجة الوقوع فريسة بعض الاضطرابات النفسية مثل الفشل العاطفي في انجاز كبوتات ناجمة عن الغرائز والتأزم النفسي بسبب العيش في اوضاع عائلية واجتماعية صعبة أو بسبب مراهقة صعبة، والشعور الطاغي بالذنب بسبب سيرة حياة منحرفة اخلاقيا. وخلافا لما ذهب اليه الجليدي من أن التعصب مرض نفسي اجتماعي يرى الدكتور عماد الرقيق الطبيب المختص في الامراض النفسية ان التعصب الديني ليس مرضا نفسيا.. وليس كل شخص متعصب هو مريض نفسيا لكن التوتر النفسي يؤدي الى التعصب..وفسر: هناك صنفان: صنف من يختار أن يكون كذلك نتيجة اعتقاده في ايديولوجيا معينة وصنف يكون تعصبه خلالا وليس مرضا ويكون نتيجة توتر نفسي واكتئاب يمكن ان يؤدي به إلى تبني نظرية متطرفة أو ممارسة العنف او استهلاك المخدرات من اجل اشباع الفراغ النفسي الذي يعيشونه ..