رغم دخول عدد من جرحى الثورة في اعتصام مفتوح أمام المجلس التأسيسي منذ 28 افريل الماضي وشروع بعضهم في إضراب جوع منذ 8 ماي وإقدام اثنين منهم على خيط أفواههما يبدو أنهم مصرين على مزيد التصعيد امام عدم ايجاد تجاوب من الاطراف المسؤولة. وعبر المعتصمون عن تذمرهم من تجاهل الجهات المسؤولة التي رفضت التفاعل مع مطالبهم المشروعة ليتواصل مسلسل المماطلة والتسويف خاصة انه لم يتم إدراجهم ضمن قائمة جرحى الثورة رغم ان إصاباتهم لا تحتاج الى اجتهاد على حد تعبيرهم. ويعاني المعتصمون الذين نصبوا خيمتين امام المجلس التاسيسي من أوضاع مأساوية في ظل آلامهم وجروحهم التي لم تندمل بعد بما يطرح عديد التساؤلات أمام الأطراف المسؤولة التي رفضت الاستماع الى مطالبهم التي يعتبرونها شرعية. تصعيد وبعد إقدام الثنائي حسام عصيدي وأيمن نجلاوي على خيط أفواههما احتجاجا على سياسة اللامبالاة وعدم تحقيق مطالب الجرحى المشروعة هدد عدد آخر من النسج على منوالهما اذا لم يجدوا أي تفهم من السلط المسؤولة. وقال حمزة ذيبي انه أصيب في وجهه ومازال يعاني من ألام جروحه في ظل قلة العناية وعدم توفر الأدوية بما عمق اكثر من معاناته. واضاف انهم توجهوا الى وزارة العدالة الانتقالية ولم يجدوا منها أي تجاوب وهو ما يطرح بالنسبة اليه نقاط استفهام محيرة .
نكران وجحود ومن جهته اكد الياس ويلاني انه اصيب برصاصة في ساقه اليمنى ورغم خضوعه الى عملية جراحية فانها لم تنجح وهو ما تطلب خضوعه الى عملية جراحية ثانية لم يتأكد نجاحها بعد حيث اصبح مهددا باعاقة اذا لم تتدخل الأطراف المسؤولة لمساعدته على العلاج وهو طلب مشروع لما قدمه للثورة التونسية من نضالات .وتابع «كيف نجازى بهذا النكران والجحود بعد كل الذي قدمناه من تضحيات حيث واجهنا الرصاص بصدور عارية» ولم تخف صباح الشابي الناشطة بجمعية الشهداء والجرحى بالقصرين التي التقيناها داخل المجلس التأسيسي من خيبة املها من جراء ما وجدته من تجاهل لحقوق الجرحى بشكل يثير الاستغراب والتعجب خاصة انها خضعت الى عملية جراحية بجنبها .وأشارت الى ان تقارير الطب الشرعي تثبت مشروعية مطالب الجرحى الذين عانوا الويلات منذ الثورة ولم يجدوا أي اعتراف بتضحياتهم وهو ما يستدعي اليوم من أصحاب القرار حسم هذا الملف. محمد صالح الربعاوي
د. مصطفي التليلي : اللجان الخاصة لم ولن تكون فاعلة.. مادامت صدى لسياسات الحكومة يرى مراقبون أن أداء اللجان الخاصة بالمجلس التأسيسي (لجنة الشهداء والجرحى وتفعيل العفو التشريعي العام ولجنة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد والرشوة خاصة) لم ترتق إلى ما هو مطلوب منها في الملفات التي بعهدتها و التي تعتبر ملفات حارقة وملفات ثورية بامتياز وبقيت تشتغل بطريقة تنمّ عن تبعية للحكومة أكثر من كونها لجان اقتراح وبحث عن حلول جذرية.. «الأسبوعي» اتصلت بالدكتور مصطفى التليلي الأستاذ الجامعي والناشط الحقوقي لمعرفة تقييمه لأداء اللجان الخاصّة بالمجلس التأسيسي.. وقد وافانا بالتحليل التالي: «اعتقد التونسيون عند انتخابهم للمجلس التأسيسي بأنّ الطريق أصبحت معبّدة نحو وضع دستور ديمقراطي يصون الحقوق والحريات ويقرّ الفصل الفعلي بين السلطات ويرسي قواعد التداول السلمي على السلطة ويضمن بذلك دخول تونس مرحلة جديدة من تاريخها المعاصر. لكنّ متابعة ما يدور داخل المجلس التأسيسي تدفع نحو الإصابة بالإحباط، فكتابة الدستور تسير بنسق بطيء جدا والمداولات تغلب عليها الاصطفافات الحزبية الضيقة في مرحلة تقتضي التمشّي الوفاقي والبحث عن القواسم المشتركة للتقدم في المسار الذي بدأته تونس في أول تجربة دستورية سنة 1861 وطورته في التجربة الثانية سنة 1959 بصورة تسمح بالاستفادة من التجارب الدستورية الديمقراطية للشعوب الأخرى، حتى يكون الدستور المنتظر في مستوى تطلعات التونسيين في العشرية الثانية من القرن 21 أي مواكبا لروح العصر ورافضا لكل أشكال الانتكاس والتراجع. إن الابتعاد عن العقلية الوفاقية برز حتى في كيفية توزيع مقاعد النواب داخل قاعة الجلسة وبعث الكتل وكأن الأمر يهمّ برلمانا عاديا وقد تسبّب ذلك في منع أيّ تفاعل بين وجهات النظر المختلفة وبالتالي أجهض عملية إثراء النقاشات والتقدم بها للوصول إلى الصيغ الأسلم والتي ساهم الجميع في الوصول إليها. ففي أغلب الأحيان ترفع أيادي النواب بصورة ميكانيكية في مشهد كاريكاتوري بائس وتلقى الخطب المهللة والمكبّرة بسياسات الحكومة بطريقة فجّة تذكرنا بماض لا نودّ أن نعود إليه.
يمثلون أحزابهم.. ولا يمثلون الشعب ويضيف الدكتور مصطفى التليلي «إن هذه الأجواء العامة السلبية أثّرت بالضرورة على أداء اللجان الخاصة وفي مدى تقدمها في معالجة الملفات الحارقة. فمثلا طبع التعامل مع ملف شهداء وجرحى الثورة بالارتباك والتردد، ولم تكن هناك رغبة حقيقية في تشريك مؤسسات المجتمع المدني في تصور الحلول والمساهمة في تطبيقها في نطاق الشفافية التامة. وتسبّب ذلك في تنامي الشعور بالغبن لدى عائلات الشهداء والجرحى الذين استمعوا إلى الكثير من الوعود خلال الحملات الانتخابية، واكتشفوا لاحقا بأن الأمر لا يعدو أن يكون إلا مجرد شعارات ترفع دون تحديد لصيغ ملموسة قابلة للتنفيذ. وقد نتج عن ذلك سوء تفاهم حيث رغم بعض الإجراءات المتخذة بتأخر كبير تواصل التوتر وبلغ الأمر إلى حدّ الصدّ والتعنيف الذي طال بعض المحتجين من العائلات في محيط وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية. أعتقد أن مداولات المجلس التأسيسي ولجانه الخاصة أثبتت أن العديد من النواب تناسوا أن أحزابهم رشحتهم لتمثيل الشعب داخل المجلس، وأصبحوا يتصرفون وكأنّ الشعب انتخبهم لتمثيل أحزابهم ومشاريعها السياسية فقط. ولذلك فإنّ الكثير منهم لا يرون حرجا في أن يتحولوا إلى مجرد صدى للسياسات الحكومية التي تنتهجها الترويكا وبالخصوص الحزب الأول من حيث التمثيلية أي حركة النهضة. اللجان الخاصة بالمجلس التأسيسي لن تكون لجان اقتراح فعليّ إن لم تقع إعادة الأمور إلى نصابها لكون النواب ممثلين للشعب ولا يلتزمون إلا بضمائرهم وما يعتبرونه المصلحة العليا للوطن ويكون من واجبهم التفاعل الايجابي مع المقترحات الصادرة عن الأحزاب الأخرى والمنظمات غير الحكومية والخبراء. إنّ الحلول الجذرية لن تتأتّى من طرف واحد مهما كان وزنه بل تنبع من خلاصة لمقاربات متعددة وتأليف بين أفكار مختلفة. وإن اعتقد طرف حزبي ما أنه يملك وحده الحلول وهو قادر بمفرده على تطبيقها فإن أبواب الاستبداد ستكون مفتوحة والانحراف بالثورة عن مسارها يصبح واردا.