إذا كان الاعتقاد السائد بأن وراء كل رجل عظيم امرأة، فكيف يمكن أن يكون الحال إذا كان وراءه مجموعة من النساء؟... السؤال بات يفرض نفسه منذ أزيح الستار عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة التي حملت في طياتها مفاجأة لم تكن متوقعة, وربما أراد الرئيس الفرنسي هولاند أن يرسل للفرنسيين إشارة بأن فترة رئاسته ستكون مختلفة عمّا كان سائدا وخارجة عن الكثير من البروتوكولات المتعارف عليها بين الفرنسيين. فهولاند الذي يدشن الأليزيه إلى جانب صديقته التي ستحمل لقب سيدة فرنسا الأولى دون أن يكون له ارتباط رسمي معها ويمنع على أبنائه حضور مراسم تنصيبه سيسجل لفرنسا في عهده وجود أول حكومة من نوعها حيث يتساوى عدد النساء والرجال فيها.. أول قرارات الرئيس الفرنسي هولاند تعلق بتخفيض "أجر" الرئيس بثلاثين بالمائة وكذلك الشأن بالنسبة لبقية أعضاء الحكومة قرار لا يمكن إلا أن يريح الكثير من الفرنسيين ولا سيما في خضم الازمة الاقتصادية الخانقة التي تعصف بفرنسا وبالعالم, على أن الأكيد أن القرار الذي من المرجح أن يكون وجد له صدى لدى مختلف الأوساط السياسية والاجتماعية الفرنسية غير هذا القرار ولعله يبقى ذلك القرار المتعلق بتركيبة الحكومة الفرنسية الخاصة التي قد تدعو إلى الكثير من المقارنات في عالمنا العربي حيث لا يزال نصيب المرأة من الحقائب الوزارية والمسؤوليات السياسية من الأمور النادرة وهي حتى عندما تحدث فهي تقتصر على الحقائب المرتبطة بالمرأة أو الطفولة دون غيرها وكأنها كائن وفكر غير مؤهل لغير الاهتمام بالقضايا الاجتماعية.. أربعة وثلاثون وزيرا ووزيرة بالتساوي في حكومة جان كارك إيروت أستاذ الألمانية صديق هولاند ورفيق حملته الانتخابية بعد تحديد الأولويات والتحديات المرتقبة, رقم ربما لم يتوقعه الفرنسيون ولكنه قد يثير تساؤلات الكثير من التونسيين وهم يتأملون تركيبة الحكومة الانتقالية في تونس التي يغلب عليها الطابع الذكوري والتي تجاوزت في عددها تركيبة الحكومة الفرنسية بنحو عشرة وزراء وربما تثير تساؤلات أشقائنا في المغرب عندما يحاولون إحصاء عدد الوزيرات في حكومة بن كيران فلا يجدون غير واحدة.. وربما ستثير المصريين قريبا أيضا.. صحيح أن مارتين أوبري زعيمة الحزب الاشتراكي المرأة الفولاذية غابت عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة وغابت معها سيغولان روايال، ولكن إذا كان غياب الأولى لحسابات شخصية فقد اعتبرت أن استثناءها من رئاسة الحكومة إقصاء لها وهي التي أعلنت في وقت سابق أنه لا يمكنها أن تقبل بأن تكون مجرد وزيرة في حكومة جان مارك إيروت فإن روايال من جانبها لا تزال تعلق آمالا عريضة على الانتخابات التشريعية القادمة وعينها على رئاسة الجمعية الوطنية في حال كان الفوز حليف الاشتراكيين. على أن الواقع أن لغياب سياسيتين محنكتين بحجم أوبري وروايال قابله حضور نسائي مهمّ في تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة التي كانت بالتناصف بين النساء والرجال وعكست توجها جديدا يسجل سابقة في فرنسا ويمنح للمرأة الفرنسية موقعا خاصا. وكأنه كان يتعين انتظار وصول الاشتراكي هولاند إلى سدّة الحكم ليحدث ما حدث وتكون الحكومة مناصفة حيث تمّ تعيين تسع وزيرات من أصل ثماني عشرة وزارة إلى جانب ثماني وزيرات مفوضات مناصفة مع الوزراء. على أنه إذا كان البعض قد حاول الربط بين ما يوصف بوزارات السيادة التي تقلدها الرجال وبعضهم من الأسماء المعروفة كما هو الحال بالنسبة لوزير الخارجية لوران فابيوس الذي تولى رئاسة الوزراء في عهد فرنسوا ميتران فإن ذلك لا ينتقص من الحقائب الوزارية التي تولتها النساء في فرنسا شيء وهن اللائي تولين الصحة والبيئة والاجتماع والعدل والثقافة والاتصال والطاقة فضلا عن مسؤولية الناطق باسم الحكومة والمكلفة بملف حقوق الانسان. والأهم من كل ذلك أن التعيينات الوزارية في الحكومة الفرنسية حالت دون تحقيق توازن بين جميع تيارات الاشتراكيين والتنوع العرقي والثقافي القائم في فرنسا فشملت ثلاثة وزراء من أصل عربي وأخرى سوداء من جزر الأنتيل الفرنسية.. كيف سيكون أداء الحكومة المتناصفة.. ذلك هو الأهم عندما يحين موعد المساءلة والمحاسبة...