في وقت بلغت فيه الاضطرابات الجهوية مستوى فاق كل الاحتمالات، خاصة في المناطق التي عانت الكثير من مظاهر التهميش والبطالة والحرمان، وفي وقت سعت فيه الحكومة الى التركيز على هذه الاستحقاقات بتنفيذ عديد المشاريع الجهوية عبر ما وضعته في برنامجها القائم على مشروع الميزانية التكميلية للعام الجاري.. في هذا الوقت بالذات عاد ملف التجمعيين ومدى مشاركتهم في الانتخابات التشريعية القادمة ليطفو على الساحة السياسية، ويمثل الاهتمام الأول لدى النواب داخل المجلس الوطني التأسيسي، وأيضا في اهتمامات الأحزاب السياسية ورموزها خارج المجلس. هذه الصورة التي مثلها المشهد السياسي اليوم في البلاد تعكس في الحقيقة نظرة استباقية للجميع بخصوص تأمين مستقبلها عبر المحطات القادمة من الآن، ولا تمثل بشكل أو بآخر عمقا سياسيا يستجيب لمتطلبات المرحلة، بعيدا عن نبذ الذات واستجابة لمتطلبات المرحلة التي تنتظرها كافة الجهات والبلاد بشكل عام، وهي أمور وحسابات سياسية ضيقة بات يحسبها الجميع، ولا يتوانون في التخطيط لها ورسم طرق للوصول اليها ولو كان ذلك على حساب المجموعة الوطنية والاستحقاقات الحقيقية التي تتطلبها المرحلة. والتجاذبات حول التجمعيين ما كانت لتطرح بهذا الشكل وهذا المستوى من الحدة، لو أنها تمت في إطار الشفافية ضمن مرحلة تطبيق العدالة الانتقالية ووضع قانون انتخابي واضح يحدد معنى الاقصاء للرموز منهم على قاعدة ما تعلق بالبعض من قضايا عدلية وعلى اعتراف بعضهم بما قاموا به من تجاوزات وما طلبوه من اعتذار معلن وصريح أمام الشعب التونسي بشكل عام. اللبس والخلاف القائم اليوم بخصوص التجمعيين وطرق التعامل معهم، يبدو أنه عميق بين الاطراف السياسية، ففي حين يتمسك التجمعيون بحقهم في المشاركة في الحياة السياسية ويعتبرون الاقصاء عبارة عن تصفية سياسية لا تقوم على احترام القانون، فإن أطرافا أخرى تدعو الى التعامل معهم بشكل يقوم على المساءلة والمحاسبة ولا يطرح قضية حرمانهم من النشاط السياسي والانتخابي. أما مواقف «الترويكا» الحاكمة وحتى أعضاءها في المجلس الوطني التأسيسي من التجمعيين فيبدو أنها حاسمة وواضحة، خصوصا لدى حزب المؤتمر، حيث يدعو جميعهم ودون خلاف بينهم الى ابعاد التجمعيين من المشهد السياسي لمدة لا تقل عن 5 سنوات وقد تصل الى عشر سنوات. ونعتقد أن هذا الموقف الذي عبر عنه ممثلو «الترويكا» لا يترجم عن آراء شخصية لكل فرد منهم، بل كان حسب تصريحات بعضهم موقفا مبدئيا يعكس تصورهم لما سيضمنه القانون الانتخابي الذي سيجري اعداده في مرحلة قادمة بخصوص الموقف من التجمعيين واستبعادهم من المحطات الانتخابية القادمة. غير أن الملفت للانتباه في مظاهر الصراع الدائر بخصوص التجمعيين هو غياب بعض الاطراف عن الساحة وعدم ابراز مواقفهم من هذا الموضوع الحساس، ونعني بذلك قوى اليسار والحداثيين وغيرهم من الاحزاب القومية، فهؤلاء لم ينخرطوا بعد في الحديث عن هذا الموضوع، وبدوا وكأنهم غير معنيين به الى حد الآن، وهكذا انحصر الصراع في الموضوع بين أحزاب «الترويكا» والتجمعيين والدساترة بدرجة أولى، وكأني به يأخذ بينهم سباقا الى الانتخابات القادمة ويخوف كل طرف من الآخر على اعتبار أنه القوة السياسية الوحيدة التي تهدده أكثر من غيره.