تنفّست الساحة الفنية التشكيلية في تونس الصعداء بعد ثورة 14 جانفي وتحرّرت من أغلال القمع الطاقات تفجرت وتعددت ألوان الإبداع وها أن أروقة الفنون تتنافس من أجل تقديم معارض تستقطب الزائر في انتظار أن يتحقق حلم الفنانين التشكيليين في البلاد المتمثل في بعث متحف وطني يحفظ ذاكرتنا في مجال الفنون التشكيلية «سلام وتضامن» بدار الثقافةابن رشيق لآمال بن صالح زعيم زرنا عددا من الأروقة الفنية والفضاءات الثقافية فلمسنا من خلال المعارض التشكيلية مضامين ومقترحات فنية تصب حتما في بحر التحولات التي تمليها الثورة وتؤكد على أن الفن التشكيلي في تونس لا يرضى بموقع على هامش المجتمع وإنما هو في قلب التطورات التي تشهدها البلاد منذ انتصار الثورة الشعبية. وفيما يلي حصيلة جولتنا بين عدد من الأروقة الفنية بالعاصمة. «كانت فكرة السلام والتضامن تراودني دائما فأحلم بعالم أفضل أردت أن ألج هذا الموضوع من باب الحروف باعتبارها أداة تواصل بين الشعوب وجسر تلاقي الثقافات»..هذا ما صرحت به الفنانة التشكيلية آمال بن صالح إثر زيارتنا الى معرضها بدار الثقافة بن رشيق الذي سيتواصل الى غاية 10جوان القادم. تحدّثت الفنّانة عن ضرورة إرساء قيم السلام والتضامن وبيّنت أن أملها الوحيد هو أن تحمل رسالة في هذا الوجود. وما عناوين اللوحات «فلتسقط الأسلحة» و»سلام وتضامن» و»النصر لفلسطين» و»أنا والآخر» و»مرآة»..إلا دليل على أهداف نبيلة ارتأت آمال بن صالح أن تكون في شكل إحالات ودلالات عبر الحروف. ثم إنّ المتأمّل في أعمالها يلمس مدى حسها الفني ورقي طرح الموضوع إضافة الى حسن توظيف الحروف في إطار السياق التعبيري للثورة عن كل مظاهر الاستبداد والحروب والاحتلال والهيمنة.. من جانب آخر بدت الفنانة آمال بن صالح زعيم متمرسة في فنّ الخط بكل أبعاده ليكون معرض «سلام وتضامن» عبارة عن معرضين، معرض يجسد أفكارا معمقة وآخر ينمّ عن مهارات عالية في فن «الكاليغرافيا». «نفحات من التراث» لمحمد الرقيق في المدرسة السليمانية منذ الوهلة الأولى وأنت تتأمل أعمال الفنان التشكيلي محمد الرقيق بفضاء المدرسة السليمانية بالمدينة العتيقة بالعاصمة(معرض افتتح يوم4ماي ويتواصل الى غاية 31ماي الجاري) يشدك تداخل الألوان والأشكال التي تنأى عن التحديد ولكنها في الآن نفسه تحمل دلالات ذات أشكال تعبيرية لاواعية متصادمة غير قابلة للتفكيك والقراءة. من جهة أخرى بدت عشرات اللوحات ذات الحجم الصغير منصهرة في أهداف الثورة لتكون الألوان والأشكال المختلفة عبارة عن أصوات الجماهير التي تحدت رموز الدكتاتورية في شكل ردود أفعال متباينة. لوحات جاءت في شكل تحرر من الكوابيس التي عاشها الشعب التونسي نحو التحرر الفكري ولو بطرق مغايرة. «بكل حرية» هو عنوان معرض الفن التشكيلي الممثّل لمجموعة من الرسامين التونسيين على غرار عبد الرزاق السنوسي وفاطمة عطاء الله وهالة بن براهيم وسميرة بن عمارة وسعاد بن مختار ورجاء بوحجبة ورشيدة زمّيتي وتوفيق بن صغير. المعرض يتواصل بفضاء صلاح الدين بسيدي بوسعيد إلى غاية 28 من الشهر الجاري. الملفت للانتباه في الأعمال التشكيلية التي بدت متنوعّة من حيث الرؤى الفنية وحتى أحجام اللوحات (صغيرة وكبيرة) أنها تبنت فن الواقعية الجديدة بمفاهيم فلسفية وفنية ذلك أن المتأمل في اللوحات التي تعد بالعشرات يلاحظ أنها تنم عن إيمان صادق من أصحابها بأهمية التعبير عن الواقع بكل ايجابياته وسلبياته، وكأنهم يرفضون الأعمال المتخيّلة التجريدية بغية إقامة علاقة مباشرة مع المشاهد والوقوف عند الحياة اليومية التي صاغتها المتغيرات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الجديدة، معتمدين في ذلك على المنطق العقلي. مجموعة «بكل حرية» في فضاء صلاح الدين عندما يكون الواقع معبرا أكثر من الرمز مجموعة «بكل حرية» اعتمدت أيضا طرقا تقنية وأساليب أدائية متميزة أحالت بصفة مباشرة عن غرض الفنان ألا وهو التأكيد على حالة راهنة ليصبح الشيء حدثا وليس رمزا. من جهة أخرى وعلى خلاف ما يذهب إليه البعض من الفنانين وعشاق الفن التشكيلي بأنّ روّاد المدرسة الواقعيّة يشبهون في طابعهم المصوّرين الفوتوغرافيين-إذ لا يبذلون جهدا كبيرا من حيث الجانب الرمزي والايحاءات الهادفة- تكاد أعمال مجموعة «بكل حرية» تنطق وتنفي هذا الرأي ناهيك أن لوحات التشكيلي عبد الرزاق السنوسي وتوفيق بن صغير مثلا رغم تقيدها بالواقع فإنها مشحونة بالدلالات والرموز رغم أنها اعتمدت على الرسم الزيتي والأدوات البسيطة التقليدية. فالرسالة التي يريد الفنان ايصالها يجب أن تكون موظفة أحسن توظيف وتوسع دائرة الفن فتشمل صناعة الكلام والكتابة والموسيقى والغناء والرقص وكل آداء فني. أهداف فنية تتطلب حتما ثقافة واسعة وتمكنا كبيرا من آليات الفن التشكيلي التي من شأنها أن تثير الانفعالات والأحاسيس وترسم قيما نبيلة..وهو ما عكسته أعمال مجموعة «بكل حرية» بفضاء صلاح الدين بسيدي بوسعيد.