بقلم: مصدّق الشريف* ما كنت أحسبني أكتب في يوم من الأيام بعد 14 جانفي 2011 في موضوع أجرة نوّاب المجلس التّأسيسي . لو حدّثني أحدهم يوم 14 جانفي 2011 في هذا الشأن لربما صفعته في الخدّ الأيمن و الأيسر. لو جرى الحديث عن الأجر الذي سيتقاضاه النائب داخل المجلس التأسيسي لاعتبرت الأمر كأنه الخوض في إمكانية عودة بن علي إلى الحكم و إعادة بطانته إلى مواقعها فتعود أمور البلاد كما كانت قبل 14 جانفي 2011 و يرجع آل الطرابلسي إلى قواعدهم سالمين يحدوهم النشاط والعزم للدّخول من جديد إلى معترك الرشوة و الفساد و الأمر و النهي حسب هواهم وبإشارة منهم تخرّ لهم القوانين ساجدة والبلاد في قبضتهم بقبضة من حديد. ماذا حدث؟ و ماذا صار؟ هل غاب الحياء تماما من وجوه البشر؟ هل استوت الأنوار و الظلم؟ هل أصبحت القاعدة الغاية تبرّر الوسيلة في كلّ الأحوال مهما تكن الغاية شنيعة خسيسة دنيئة تطلّق بالثّلاث الإيثارية وترفع عاليا شعار الأنانية؟ مازال شعار البطالين و المعطّلين و المهمّشين يتردد صداه في شوارع مدننا، في أزقّتنا، في أنهجنا، بدءا بالمدن الداخلية مرورا بالسّاحل وصولا إلى العاصمة: التشغيل استحقاق يا عصابة السّراق و شعارات أخرى تعبّر عن أنين أبناء الشعب من جراء الفقر والجوع والخصاصة والحرمان وعدم وجود الماء الصالح للشراب و المدرسة و المقعد و السبورة و الساحة. من أجل هذا و بهذه الشعارات المدوية في كامل أنحاء البلاد قامت الثورة و أطرد بن علي و زبانيته شرّ طردة وأطيح بالنظام الفاسد و زلزل عرشه. بسبب هذه المآسي التي انتشرت في ربوعنا و نكد العيش الذي يصبح و يضحي و ينام عليه المواطن، بسبب الأفواه التي كمّمت سنوات والسجون التي امتلأت بأصحاب الكلمة الحرة والفكر الحر و المعتقد الحرّ، زلزلت أرض شارع الحبيب بورقيبة يوم 14/1/2011 و تبدّلت الأرض غير الأرض و السماء غير السماء و التلفزة غير التلفزة و الإذاعة غير الإذاعة و المواطن غير المواطن. فقامت الثورة وبقي الشعب ينتظر أن تؤتى أكلها و أن تتحقق أهدافها. و فعلا تحقّقت أهدافها و لكن بمرارة، بحسرة ما بعدها حسرة وبلوعة ما بعدها لوعة حتّى و إن تراجع من أخذ القرار لأن الصّدمة حصلت و سقطت التسعة أعشار حيث مطالبة نواب المجلس التأسيسي بالزيادة في الأجر حتى تبلغ الملايين و تكاد تبلغ نصف عدد سكّان البلاد. أنا لديّ أسئلة لحضرة النّائب: هل تنام قرير العين و أنت تعلم علم اليقين بأن من كان سببا في وجودك بالمجلس التأسيسي ما يزال ينام على الطوى؟ هل تجد الطعام شهيّا و أنت على يقين بأن من أدخلك إلى المجلس مازال حافيا عاريا بطّالا مريضا عليلا شقيا ؟ هل تشرب مريئا و أنت جدّ متيقن بأن من أوصلك إلى المجلس الموقر يعيش السراب؟ و الأدهى و الأمرّ مازال منهم من ينزف دما و الأوجاع تنخره معلّقا بين الأرض و السّماء يندب حظه و يراوده ما أقدم عليه البوعزيزي و هو يردّد ما قاله شيخ المعرّة: خسست يا أمّنا الدنيا فأفّ لنا بنو الخسيسة أوباش أخسّاء . هلاّ يطاردك الأرق و طرفك في حرق؟ وأنت تعلم أن الرصاصة مازالت كامنة في جسد العشرات الذين انتفضوا في وجه قوات قمع بن علي و زبانيته فسالت دماؤهم الزكية وتبوّأت أنت المقعد داخل المجلس التأسيسي الموقّر؟ أنا لا أناقش غياباتكم المتكررة و تثاؤبكم الذي يملأ أرجاء قاعة المجلس، أنا لا أناقش كثرة الأوقات التي تقضونها في القيل و القال والإبحار في عالم النات. أنا لا أناقش تبريراتكم حول ما تدفعونه من أموال للأكل و الشرب و السّكن، أنا لا أناقش منّ الكثيرين منكم في تخليهم عن وظائفهم السامية ومرتّباتهم المرتفعة لأنّ كلّ ذلك لا ينطبق عليه إلاّ ما قاله ربّ العزة : كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (سورة الصف الآية 3) إنّنا براء منكم لأنّ نوابنا ليسوا فقط من بني جلدتنا بل الأهم أنهم يحزنون لحزننا و يفرحون لفرحنا و يحبّون لأنفسهم و لأبنائهم ما يحبونه لأنفسنا و لأبنائنا من دراسة و شغل و عمل و رفاهية و لكن صحّ عليكم قول الشاعر العربي العبّاس بن الأحنف: