نحبّ الحياة و لسنا دعاة موت ولكن حبّنا للحرية أكبر - نتطلع قريبا لإنهاء الإنقسام و طيّ صفحة سوداء في تاريخنا لأن مسيرتها ارتبطت بالنكبة، ولأنها فدائية ومناضلة رضعت القضية التي حملتها بين جنباتها منذ سنوات الطفولة الاولى، ولأنها أم خبرت مختلف أنواع المهانة والحرمان في السجون والمعتقلات الاسرائيلية، فقد آثرنا أن تكون شهادة ربيحة ذياب صوت لكل فلسطينية أو فلسطيني في الشتات كما في المخيمات و الملاجئ أو في ظل الاحتلال لتروي للعالم عبر تجربتها معاناة شعب لا يزال يتطلع منذ عقود الى الحياة بعيدا عن قيود الاحتلال والاسر وينتظر أن يحقق حلمه باقامة دولته شأنه في ذلك شأن بقية شعوب العالم... ربيحة ذياب التي خرجت من السجون والمعتقلات الاسرائيلية الى النضال اليومي من أجل كرامة شعب رفض - ولا يزال - التخلي عن حقه المشروع في السيادة والكرامة، اخترنا أن تنقل الينا أصداء احياء الذكرى السنوية للنكبة. هي امرأة فلسطينية تعلقت بالارض منذ طفولتها المبكرة، وخبرت سجون الاحتلال ومعتقلاته قبل أن تتجاوز سن الثانية عشر... كان ذلك خلال مشاركتها في مظاهرة ضد الاحتلال سنة 1968 بعد عام على النكبة لتمضي بذلك التزامها بمواصلة الملحمة النضالية.. صنعت تجربتها النضالية ضد الوجود الإسرائيلي ورضعت ملحمة تلو أخرى. ربيحة ذياب تنقلت بين السجون حيث أعيد اعتقالها سنة 1976 وحكم عليها بالسجن 3 سنوات، واعتقلت مجددا في 1985 وقضي في حقها بالسجن لمدة 5 سنوات، قضت منها 4 سنوات، وبعد ذلك خضعت للإقامة الجبرية مرتين.. كل مرّة كانت لمدة 6 شهور. الطريف في مسيرة المناضلة ووزيرة المرأة الفلسطينية أنها كانت تتبادل الزنزانة مع زوجها، فإذا اعتقلت ربيحة يتم الإفراج عن زوجها، وعندما يُعتقل الزوج يتم الإفراج عنها. ولم تقف الأحداث عند تبادل الزنزانات،إذ خبرت السجون وهي حامل مرتين، جاءها المخاض وهي في قسم الشرطة وسجنت وحرمت من رضيعتها، بل ووقع تهديدها بالتخلي عن فلذة كبدها لفائدة عائلة يهودية. ترددها على السجون الاسرائيلية جعلها تحصل على الشهادة التي يحصل عليها الطلبة الفلسطينيون خلال ثلاث سنوات، بعد 25 عاما. تقول ربيحة ذياب أنها تأثرت في بداية مسيرتها النضالية بكتابات المناضلة الجزائرية جميلة أبوحيرد... بين النضال خلف القضبان والنضال من أجل الحياة على رأس وزارة المرأة، حدثتنا الأسيرة الفلسطينية السابقة والوزيرة الحالية عن المشهد الفلسطيني ومستقبل منظمة التحرير والقضية الفلسطينية ومأساة اللاجئين والمصالحة المؤجلة وغيرها من فصول الملحمة المستمرة للشعب الفلسطيني. وفي ما يلي نص هذا الحديث: * مرة أخرى تعود الذكرى السنوية للنكبة ومساحة الارض الفلسطينية تتقلص يوما بعد يوم والامل في قيام دولة فلسطينية يتراجع هو أيضا، فماذا تحمل هذه الذكرى للأجيال الفلسطينية المتعاقبة؟ - في كل عام نقول ونحن نحيي ذكرى النكبة أو النكسة أن هذه ستكون السنة الاخيرة مع الاحتلال وآخر ذكريات النكبة والنكسة، ولكن نرى أن العالم كله منشغل عنا بعيدا عن الاهتمام بمآسي شعبنا وكأن القضية الفلسطينية لم تعد قضية محورية تؤثر وتتأثر بكل ما يحدث في العالم، وهي القضية التي يمكن من خلال حلها وإعطاء الشعب حقوقه المشروعة بإقامة دولته المستقلة بحدودها المعلنة وعاصمتها القدس، أن تجعل العالم أكثر أمنا و استقرارا. نحن اليوم نحي الذكرى 44 للنكبة ونواصل شحذ الهمم ونحاول أن نقوي أنفسنا ونمنح شعبنا بارقة أمل.ومن له حق يجب ألا ييأس، نحن على تفاعل مستمر خاصة في مثل هذه الظروف، نتطلع الى المجتمعات والشعوب العربية، وما هو مطروح في دول الربيع العربي من مقاومة للظلم والاستبداد، ونتمنى بدورنا أن يكون الربيع العربي ربيعا بأتم معنى الكلمة وألا تذهب دماء الشهداء هباء وبما يعيد المجد للأمة العربية... فعمق القضية الفلسطينية هو العمق العربي نستند اليه وندرك أنه عندما تكون الامة العربية والمجتمعات العربية قوية ومتماسكة فإن ذلك مهم بالنسبة لقضيتنا. * اليوم كيف تنظر ربيحة ذياب الى المشهد الفلسطيني الراهن وإلى أين تتجه القضية الفلسطينية؟ - على مستوى الاحتلال الصراع مستمر ولا يتوقف، وفي كل يوم تقضم الارض الفلسطينية... نحن في مواجهات مستمرة مع قوات الاحتلال ومع المستوطنين. على الصعيد الآخر نحن لا نسقط بارقة الأمل المتبقية لدينا من أجل توحيد صفوفنا ولم الشمل بين الضفة وغزة، وفي اعتقادي أننا سنتوصل قريبا جدا لتوحيد شطري الارض وإنهاء فصل أسود في تاريخ الشعب الفلسطيني، ولكن المشهد الأهم هو في ما يحدث في القدس من تهويد يومي بطريقة ممنهجة من المستوطنين ومن الاحتلال... مازال شعبنا صامدا وهو بحاجة إلى وقفة جدية حتى يستطيع الوقوف أمام الطغيان والغول الاسرائيلي. * في خضم كل هذا، لماذا تتأجل المصالحة الفلسطينية، ولماذا هذا الاصرار على الانقسام والتشتت والضعف في مواجهة الاحتلال؟ - هناك اليوم جهودا مكثفة لغلق هذه الصفحة السوداء في نضال الشعب الفلسطيني، وقد بدأت فعلا لجنة الانتخابات المركزية في غزة في تحديث السجل السكاني وإحصاء من تجاوزوا سن الثمانية عشر ومن يحق لهم المشاركة في الانتخابات، وهناك أيضا مشاورات وخلال أيام سيتم تشكيل حكومة فلسطينية من كافة الانتماءات وستكون حكومة تكنوقراط حتى لا يقال حكومة «فتح» أو «حماس»، للتحضير للعملية الانتخابية. * وماذا عن اعلان الدولة الفلسطينية، وهل بات الحلم مستحيلا؟ - العالم تابع معركتنا في صلب الاممالمتحدة وما لقيناه من صد بسبب الفيتو الامريكي. نحن نحضّر أنفسنا مجددا للعودة الى الاممالمتحدة عبر الجمعية العامة وعبر مجلس الامن وربما تكون هناك طريق أخرى وسنتحرك على كل الاصعدة وسنعمل مع كل من يساعدنا على سيادتنا. لقد كانت اليونسكو نقطة مهمة بالنسبة لنا وسجلنا تغيرا ملحوظا في مواقف الدول الداعمة لإسرائيل وكل ذلك تحقق بفضل جهود الشعب الفلسطيني والسلطة. وسائل الاعلام كذلك تغيرت وباتت أكثر موضوعية والقضية الفلسطينية قضية محورية وباتت أكثر حضورا في الاعلام العالمي والعالم أصبح أقرب الينا وبات يرى الصورة أكثر وضوحا وهذه حقيقة مهمة في تاريخنا. * ألا تعتقد ربيحة ذياب أن الربيع العربي وما رافقه من اهتزازات قد ساهم في تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية إقليميا ودوليا؟ - قوتنا من قوة الشعوب العربية والربيع العربي يطرح القضية الفلسطينية ويدعمها، لكني أقول: من كان منهكا ومنشغلا في الداخل لا يمكنه الاستثمار في دعم القضية... ولكن في قناعتي أيضا أن الربيع العربي سيكون له تأثيره على القضية الفلسطينية على المدى البعيد وليس الآن ولذلك نحن نتمنى كل التوفيق للشعوب العربية في معركتها من أجل الكرامة لتكون سندا لقضيتنا. * هل أن المشهد الفلسطيني مرجح على انتفاضة ثالثة اليوم؟ - عودنا شعبنا على أن يكون باستمرار مع الحدث وعلى وعي بما يحدث من حولنا. نراهن على وجود مجتمع دولي يفهم حقوق شعبنا ولكن ذلك ليس كل شيء ولا يمكن لأي كان أن يتخيل أن الشعب الفلسطيني يمكن أن يتنازل أو يتخلى عن قضيته وعن حقوقه المشروعة... نحن بحاجة لاقامة دولة فلسطينية وهذا الطلب المشروع لا يغنينا عن المطالبة بحريتنا وسيادتنا ونحن جاهزون في أي لحظة ولن ننتظر إذنا لإعلان الانتفاضة وسنكون دوما في المقدمة. * بعد الانتخابات الفرنسية وفي انتظار الانتخابات الامريكية، هل من مجال للتعويل على تحولات في الموقفين الفرنسي أو الامريكي من القضية الفلسطنية؟ - نتابع باستمرار كل الانتخابات وليس فرنسا أو أمريكا فقط ومن سيأتي الى الحكم في باريس أو واشنطن. نحن مدعوون إلى فهم التحولات الحاصلة حتى نستطيع أن نعرف أين نقف... الانتخابات الامريكية لم تأتنا بجديد وكذلك الانتخابات الاسرائيلية، نتابع ما يحدث من تغييرات. فقد كانت هناك دول وقوى كنا نعتقد أنها لا تتغير ولكنها تغيرت وتهاوت وهذا ما حدث للاتحاد السوفياتي. خلاصة القول نقول أحنا ويّاهم والزمن طويل... لا نتخلى عن ظروفنا مهما كانت الظروف، نصر على حقنا في أن تكون لنا دولة فلسطينية ذات حدود. نحن لا نطالب بالقمر بل نطلب حقوقنا المشروعة وعلينا الاستمرار في مواجهة العدو. * وماذا عن منظمة التحرير الفلسطينية، أليست في حاجة للتجديد والتخلي عن بعض الوجوه والى ضخ دماء جديدة وطاقات تعيد إليها مكانتها؟ - لماذا المطلوب تغيير منظمة التحرير...؟. للشباب استمرارية ولكن هذا لا يعني التخلي عن الوجوه الوطنية للمنظمة، الاهم من ذلك دمج الشباب في كامل المواقع ليستفيدوا من خبرة الكبار، من المفروض أن يكون للشباب الفلسطيني دور ولكن المطالبة بتغيير كل القيادات في المنظمة تبقى كلمة حق أريد بها باطل لخلق حالات تمرد في وجه منظمة التحرير التي تبقى الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا والمنظمة تجمع قيادات تاريخية ولا أحد يرفض إدماج الشاب ليكونوا هناك ويواصلوا مع القاعدة مواصلة الطريق الى الحرية . * وماذا عن ورقة المقاومة الفلسطينية؟ هل ما زالت قائمة أم أنها أسقطت من الخيارات التي كانت مطروحة ؟ - المقاومة الفلسطينية لم تكن لهدف محدد ولكنها كانت وسيلة من الوسائل للوصول الى التحرير وفي مختلف مراحل صراعنا مع الاحتلال كان قيام الدولة الفلسطينية على أي شبر من أرضنا سلما أو حربا سواء كان ذلك من خلال المفاوضات والسلام أو من خلال المقاومة الشعبية والمقاومة المسلحة والمقاومة مستمرة وتستمر بكل الطرق والبندقية يجب أن تخدم الموضوع السياسي والهدف الرئيس وهي بالتالي ليست الهدف في حد ذاته. * رسالة تود ربيحة ذياب المناضلة والمسؤولة اليوم في السلطة الفلسطينية توجيهها للرأي العام؟ - أقول لكل دعاة الحرية وأنصار العدالة ولكل الهيات الانسانية والعربية والاوروبية وكل العالم نحن دعاة حياة ولسنا دعاة موت، نحن شعب يحب السلام ولا نطلب أكثر من حقنا في أن نعيش ككل شعوب الارض وأن يكون الحق لنساء وأطفال وشباب وشيوخ فلسطين في الحياة والسيادة والحرية والسلام... نقول للعالم لسنا من درجة أقل من بقية البشر. نحن شعب يعيش وكفنه بين يديه. نمد أيدينا للسلام ولكن ليس بأي ثمن، نريد السلام ونسعى اليه ونريد سلاما حقيقيا يرد الينا حقوقنا وبالتالي نحن مازلنا نعيش على أمل أنه في يوم ما سينصفنا العالم، وما احياء ذكرى النكبة والنكسة بكل ما فيها من قتل وتدمير إلا اشارة إلى أننا موجودون ومازالت لدينا بارقة أمل في تحقيق دولة فلسطين...