نظرت أمس الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية العسكرية الدائمة بتونس في قضية شهداء وجرحى الوردانين وأحضر المتهمون الموقوفون بديع العشي وأحمد جرفال ونجيب منصور وصالح الفرحاني فيما أحيل الصادق الوطوطي ولطفي الغربي وإحسان السعفي ووائل مبروك وزين العابدين بن علي وليلى الطرابلسي بحالة فرار، وكانت دائرة الاتهام وجهت للمخلوع وزوجته تهمة التآمر ضدّ أمن الدولة الداخلي وحمل السكان على مهاجمة بعضهم البعض بالسلاح وإثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي ووجهت تهمة القتل العمد ومحاولة القتل العمد إلى بقية المتهمين. محامي الشهداء والجرحى «نيّة القتل متوفرة» وكانت المحكمة استنطقت في الجلسة الفارطة المتهمين الموقوفين وأفسحت أمس المجال لمحامي القائمين بالحق الشخصي الأستاذ زهير قريسة ولمحاميي الدفاع عن المتهمين للترافع، واستهل الأستاذ قريسة المرافعات بالتطرق إلى مسألة الانفلات الأمني الذي تزامن مع الثورة وتلا فرار المخلوع وزوجته ملاحظا أن الوردانين لم تشهد حالات انفلات أمني ورغم ذلك تشكلت لجان أحياء فخرج شباب تطوعوا للحفاظ على الأمن العام منهم من كان يعيش بالبلاد الإيطالية وعاد بعد ثلاث سنوات وأخذته رياح الثورة فخرج ليشارك مع لجان الأحياء في الذود عن الممتلكات والأشخاص مضيفا أن هؤلاء استشهدوا وهم يقدمون خدمة للصالح العامة. وبين الأستاذ قريسة أن الدورية الأمنية خرجت وبحوزتها ذخيرة مما يؤكد على أنها لم تكن تنوي تفريق مظاهرة أو التصدي لشخص حاول اقتحام مركز الأمن مشيرا إلى أن أحد الشهود صرح أن أعوان الدورية دخلوا في حالة هستيرية وشرعوا في إطلاق النار عندما صاح المتجمهرون «الجيش وصل»، وأكد على أن كل الطلقات النارية أصابتهم من الخلف مما يؤكد على أن أعوان الدورية لم يكونوا في حالة دفاع شرعي عن النفس ملاحظا أن الشهيد معز صالح تلقى ثلاث إصابات من الخلف اخترقت إحداها القلب فثقبته ومزقت أخرى أسفل الرئة مشيرا إلى أن قاتله كان في وضعية إطلاقا نار حيث جثم على ركبتيه ووجه فوهة سلاحه نحو معز ولم يترك له مجالا للنجاة. ولاحظ أن الشهيد ناجح زعبار أصيب بطلقة نارية بجبينه مما أدى إلى تناثر مخه بالمكان وكان أصيب حين كان يلتقط صورا للأحداث، وبين محامي القائمين بالحق الشخصي أن الركن المعنوي متوفر والطلق الناري كان كله من الخلف مما يثبت أن ما قام به أعوان الدورية لم يكن دفاعا شرعيا عن النفس وطلب الحكم بالإدانة. النيابة العسكرية تحمل المسؤولية للمخلوع وزوجته وبإعطاء الكلمة لممثل النيابة العسكرية لاحظ أن الرئيس المخلوع تصدى للمظاهرات بوحشية ثمّ قرر وزوجته الفرار وتوليا حمل السكان على التقاتل ليحميا مصالح عائلتيهما حتى بعد هروبهما مشيرا إلى أن بن علي لم يسلم الحكم بطريقة شرعية وكان عزمه على إدخال البلبلة بين صفوف المواطنين واضحا. وتطرق ممثل النيابة العسكرية إلى استرجاع ما حدث بالوردانين خلال الليلة الفاصلة بين 15 و16 جانفي 2011 مبينا أن لجان الأحياء تشكلت لحفظ النظام في إطار إعلان حالة الطوارئ وفي الوردانين حاول الأهالي إيقاف السيارات الأمنية الأربع إلى حين قدوم الجيش الوطني ولكن الأعوان أطلقوا عليهم النار، ولاحظ أن مسؤولية بن علي وزوجته واضحة ولا لبس فيها وتمسك بطلب إصدار الحكم الرادع في شأنهما كما طلب الحكم أيضا بإدانة بقية المتهمين من أعوان وإطارات أمنية وكذلك المواطن وائل مبروك الذي أطلق النار على الأعوان ليلة الواقعة، ولاحظ ممثل النيابة العسكرية أن ليس هناك مبرر لإطلاق النار على أولئك الأشخاص مبينا أنه كان بإمكانهم إطلاق النار فوق رؤوسهم أو صوب الأرجل مضيفا أن الأعوان كان من المفروض أن يكونوا مجهزين بالغاز والعصي ومهيئين نفسيا للتصدي للمتظاهرين غير أنهم استعملوا الأسلحة وأطلقوا النار بكثافة مما أدى إلى سقوط شهداء وجرحى. دفاع المتهمين: «موكلونا كانوا في حالة دفاع شرعي عن النفس» وبإعطاء الكلمة لدفاع المتهمين طلب محامو المتهمين المحالين بحالة فرار تسجيل حضورهم في حين رافع محامو المتهمين الموقوفين ولاحظوا أن الثابت في ملف هذه القضية أن الأعوان كانوا في مهمة ولم يكونوا تابعين للمنظومة السياسية ولم يكونوا يقومون بمهمة لفائدة جهة معينة مضيفين أنه في ذلك الوقت تشكلت حكومة جديدة وقد شهدت البلاد حالة من الانفلات الأمني وغادر جل الأعوان مراكزهم غير أن موكليهم وبقية أعوان تلك الدورية لبوا نداء الواجب وحملوا على عاتقهم تنفيذ مهمة لحماية الأملاك والأشخاص وظلوا حوالي ساعة يتحاورون مع المتجمهرين بمفترق مقهى الصيادين بالوردانين ولكن تمّ تطويقهم من قبل الأهالي ووقع ثقب عجلات سيارات الدورية وأصروا على منعهم من المرور وعلى أن قيس بن علي كان داخل إحدى السيارات ولكن التحريات والقضاء أثبتا عدم وجود أية محاولة لتهريبه تلك الليلة في حين تجرأ وائل مبروك وأطلق النار على الأعوان فتملكهم الهلع والخوف واضطروا للدفاع عن أنفسهم كما لاحظ دفاع المتهمين أن أقوال الشهود متضاربة ولذلك لا يمكن الأخذ بها ويجب استبعادها. كما أشار الدفاع إلى أن الركن القصدي للقتل غير متوفر ولا يوجد ما يؤكد أن موكليهم أطلقوا النار بصفة مباشرة على المتجمهرين رغم أنه تمّ رشقهم بالحجارة وثقب عجلات سيارات الدورية كما لاحظوا أن هناك شهودا أكدوا على تسلح عدد من المتجمهرين ببنادق صيد ذلك ما جعل أعوان الدورية حسب الدفاع يشعرون بالخطر فأطلقوا النار. وأضافوا أن موكليهم كانوا في حالة دفاع شرعي عن النفس وأن الفصل 20 من القانون عدد 4 لسنة 1999 المتعلق بالتجمهر يقول أنه بإمكان أعوان الأمن استعمال السلاح إذا لم تكن هناك طريقة أخرى للسيطرة على الوضع مشيرين إلى أنه في تلك الليلة لم يكن بحوزة الأعوان لا عصي ولا غاز مسيل للدموع بعد نهب وحرق مراكز الأمن وطلبوا الحكم في حقهم بالبراءة. وبعد أن سجلت المحكمة المرافعات قررت حجز هذه القضية للمفاوضة والتصريح بالحكم. وكان سقط في أحداث الوردانين عدد من الشهداء والجرحى في الليلة الفاصلة بين 15 و16 جانفي 2011 وأشيع أنه في تلك الليلة تمت محاولة تهريب قيس بن علي وأنه تمّ التصدي للسيارات التي كانت تهربه من قبل أهالي منطقة الوردانين فتمّ إطلاق النار تجاه الأهالي من طرف الأعوان الذين كانوا بالسيارات مما تسبب في استشهاد أربعة من أبناء الجهة وإصابة آخرين بجروح.