شدّ انتباهي بلاغان صادران عن جهات حكومية لم يفصل صدور الأول عن الثاني غير أيام قليلة لم تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة. ورغم أن البلاغين صادرين عن الجهات نفسها تقريبا فإنّ طريقة كتابتهما توحي بأن من خطّهما جهتان لا علاقة لهما ببعضهما البعض. فالبلاغ الاول الصادر عن وزارتي الفلاحة والموارد المائية والتجارة والصناعات التقليدية تحت عنوان «الترفيع في سعر الحليب الطازج في مستوى الانتاج» والذي عمّم على كل الصحف وتلته حوارات لجهات مسؤولة جاء فيه «أنه في نطاق سياسة الدولة الرامية لتشجيع انتاج الحليب وتحسين مستوى دخل الفلاحين وتشجيع المربين للمحافظة على القطيع...تقرر الترفيع في ثمن الحليب الطازج ب50 مليما للتر الواحد ليصبح ثمن البيع 500 مليم للتر على مستوى الانتاج..» أما البلاغ الثاني الوارد على بعض المؤسسات الاعلامية من وزارة التجارة والصناعات التقليدية فقد جاء فيه أنه «تم ادخال تعديل على أسعار الحليب للشراب المعقم» موردا الاسعار الجديدة مضيفا «أن هذا التعديل يأتي بعد الزيادة التي أدخلت على أسعار الحليب على مستوى الانتاج والتي تهدف الى تشجيع المربين للمحافظة على القطيع..» واذا كان البلاغ الأول حاملا لصفة الطرف الناشر وهما الوزارتان متحدثا عن الترفيع محددا قيمته ومعللا أسبابه فإنّ البلاغ الثاني نُسب للمجهول «تم يوم أمس ادخال تعديل» أي بعد فوات الأوان وما خلفه ذلك من خلافات في المحلات التجارية متحدثا عن تعديل بما يزيد الغموض خصوصا وقد اختلطت الامور في ذهن المستهلك لكثرة التعديلات- والمعلوم لغويا أن التعديل قد يكون بالزيادة أو التخفيض- معللا دواعي التعديل في جانب منه بنفس التعليلات التي اعتمدت للترفيع على مستوى الانتاج. وقبل أن أواصل طرح وجهة نظري أؤكد أني لا أناقش الزيادة على مستوى الانتاج ولا على مستوى البيع بالتفصيل على اعتبار أني كبقية التونسيين واع بالارتفاع التي تشهده مختلف أسعار المواد الاولية وانعكاسات هذا الارتفاع على السوق الداخلية وعلى ميزانية الدولة.. غير أن ما يثيرني هي تلك الطريقة التي عومل بها المواطن وبشكل مختلف خلال أيام معدودات فعندما تم اقرار الزيادة على مستوى الانتاج تقدمت وزارتان وأكاد أقول تدافعتا للاعلان عن ذلك وعندما تقرر الترفيع عفوا التعديل في أسعار البيع للعموم أصبح المعلن مبنيّا للمجهول وبرّر التعديل بنفس الاسباب التي بررّ بها الترفيع على مستوى الانتاج تقريبا مع التنصيص كذلك على أن الدولة كانت بادرت بإلغاء المعاليم الموظفة عند التوريد منذ نوفمبر المنقضي. وإذا كنا تعوّدنا على هذه الانماط الجاهزة من البلاغات وقبلها المستهلك في العهود الماضية فإنّ التطورات التي شهدتها بلادنا خلال العشرين سنة من التغيير والوعي الذي أصبح يتميز به المواطن بفضل ارتقاء مستوى تكوينه ومستوى عيشه لم تعد تسمح لا بقبول هذه الاشكال من التبليغ ولا بالطريقة المعتمدة لتجسيم هذه القرارات.. فعندما تُحَدّث الوزارتان مربي الأبقار عن «سياسة الدولة الرامية لتشجيع انتاج الحليب» وتمتعّهم بزيادة قدرها خمسون مليما للتر الواحد ثم بعد 5 أيام يتم الترفيع في أسعار البيع للعموم بأكثر من القيمة المعلن عنها فإنّ المنتج كما المستهلك يخرجان بحقيقة واحدة هي أن الدولة أخذت من جيب المواطن لتضع في جيب مربّي الابقار. ورغم أن منطق السوق يفترض أن يكون الحال على ما هو عليه بحيث لا يسدد المستهلك الا ثمن الكلفة الحقيقية للانتاج ينضاف اليها هامش الربح ولا يبيع المنتج إلا بسعر الكلفة ينضاف اليها هامش الربح المنطقي فإنّ طريقة الابلاغ تذهب بنا بعيدا عن هذا المنطق بل تزجّ بالدولة في متاهات هي في غنى عن الدخول فيها.. لذلك فإن بعض الأجهزة الحكومية مطالبة اليوم بمراجعة الاساليب البائدة في الابلاغ بما يُشعر المواطن بأنه يُعامل معاملة الانسان الرشيد. حافظ الغريبي Mail to : [email protected] لردود الافعال