إلى وقت غير بعيد كان الاستقرار العائلي ضمانا أساسيا لبقاء أي من المسؤولين الكبار في مناصبهم سواء في تونس أو في البلدان الأوروبية أو حتى في بلاد الحريات المبالغ فيها كالولايات المتحدةالأمريكية. وحسن تربية وسلوك أفراد عائلة أي مسؤول وأي مترشح لأي منصب سياسي أو المتقدم لأية انتخابات من العوامل الهامة التي يقع أخذها بعين الاعتبار في قبوله وترشيحه وانتخابه وبالتالي بقائه. ولكن للأسف قيمة الاستقرار العائلي لم تعد -في بعض الدول الأوروبية على ما يبدو من المؤثرات الهامة أو المحددة وخاصة في المناصب السياسية لذا أصبحنا نرى ونسمع عن رؤساء بصديقات عوضا عن زوجات وحكام بعشيقات تتباهين بوضعياتهن ولا تتورعن عن الظهور علنا والإدلاء بتصريحات . ولأننا كنا ومازلنا نستلهم مما يجد في أوروبا في جميع المجالات فانه عندنا أيضا على ما يبدو لم يعد من الغريب أن نسمع أن أبناء بعض الوزراء يحكمون ويأمرون وينهون أكثر من آبائهم.. وعن مسؤولين صلب الدولة يمتنع أبناؤهم عن الالتزام بالقوانين الداخلية للمؤسسات التي ينتمون اليها أو عن التساوي بزملائهم حتى في ما يفرضه القانون. طبعا هذه التصرفات ليست مستجدات ما بعد الثورة وإنما كانت موجودة من قبل يأتيها أصحابها سرا ولا يجاهرون بها ويتنصلون منها عند اللزوم لان البعض كانوا يخافون على مناصبهم رغم كل شيء ويتحسبون من استغلال ما يعلق بأقاربهم وأفراد عائلاتهم من ممارسات سيئة ضدهم. ولكن المستجد في ظاهرة استغلال المناصب وتجاوز القانون هو أنها لم تعد غريبة كما أنها لا تؤدّي بالضرورة إلى عزل الوزراء الذين لا يلتزم أبناؤهم بأهداف الثورة ويتجاوزون القانون على مرأى ومسمع من النخب والمواطنين العاديين هؤلاء الذين يسيء أبناؤهم للثورة باقون ويحاولون تغطية عين الشمس بالغربال وهذا من الأمور التي تحز في النفس حقا بالنظر إلى عدد الشهداء والجرحى الذين قدمتهم تونس للتخلص من مثل هذه التجاوزات . فأن يخطئ أبناء المسؤولين علنا وأمام الملأ فانه يمكن تنزيل خطئهم في إطار فورة الشباب وقلة التجربة و.. و.. و.. لكن أن ينزل المسؤول بثقل منصبه مناصرة لأبنائه وتأكيدا لعلويتهم على القوانين وان كانت قد وضعت قبل الثورة - فان هذا يحز في النفس ويذكر بدلال عماد الطرابلسي وغيره من أبناء عائلات الطرابلسي وبن علي قبل الثورة ويجعل المواطن يصيح عاليا ألم يكن استغلال المناصب وفرض القوانين الذاتية من أسباب اندلاع الثورة؟ ألم يكن القضاء على هذه الظواهر من أهم أهدافها. رجاء وحتى لا نقول أن الذي لا يتمكن من رعاية عائلته ووضع حد لدلال أبنائه لا يستطيع بالضرورة أن يكون عنصرا قياديا في هذه الدولة التي تحتاج اليوم وأكثر من أي وقت مضى إلى الصرامة في التعامل مع المتجاوزين مهما كانت انتماءاتهم والى أن يكونوا القدوة الحسنة في تعاملهم مع القوانين وفي احترام مشاعر المواطن.