يا حضرة الحكومهْ إنْ صحّت المعلومهْ بأنّ بعضًا خطّطوا ليُسقطوا الحكومهْ فذاك في تقديرنا أكبرُ من جريمهْ بل هوّ في بلادنا جناية عظيمهْ جزاؤها الإعدام باسْم الشعب لا الحكومهْ ****** الإعتصامات التي حالتها عميمهْ في بهْو كل معمل في صدر كل حُومهْ وفوْق سكّة القطار في انتصاب خِيمَهْ ترجو حلولاً لا وُعودًا هشّةً عقيمهْ. ووضْعنا الأمنيّ والزّطلة والجريمهْ وصوْلة النقاب في كلّية عليمهْ والخوف من مستقبلٍ أنفاسه مكتومهْ والفقر في الجيوب والبطالة المقيمهْ أظنّ أنها التي ستسقط الحكومه هذا نظم مرتجل من وحي تصريح بعض أعضاء الحكومة منذ أشهر بأنّ هناك من يسعى إلى إسقاطها وهي من أجمل القصائد الساخرة المتهكمة من بعض مواقف أو تصريحات مسؤولي الحكومة أو المجلس التأسيسي وقد جادت بها قريحة الشاعر محمد عمار شعابنية الذي التقته «الصباح « و سألته عن هذا القصيد وعن مشاغله كمثقف وكشاعر وكمواطن مسؤول عن بلاده وعن موقفه من مستجدات الساحة الثقافية فكان الحوار التالي: اقترن اسمك بالكتابات والتعاليق الساخرة فما هو جديدك في الكتابة الجادة وفي الكتابة الساخرة ؟ كتابتي الجادة تتطلب مني تركيزا ومعاناة ومخاضا عسيرا، ومع ذلك فالذي كتبته طيلة الواحد والعشرين شهرا التي عقبت تاريخ تقاعدي من العمل يعتبر أغزر مما كتبته طيلة العشر سنوات الأخيرة من العمل ،لأن الإبداع يحتاج إلى تفرغ ، فقد أنتجت في الأشهر الأخيرة مجموعة شعرية مشتركة مع الشاعر حسن بن عبد الله نشرناها بعنوان « حالات شتى لانتظار واحد : قصائد من ديوان الثورة « وقد طبعت مرتين في مارس وفي جوان 2011 وأعددت مجموعة شعرية ثانية سأنشرها عندما تسنح الفرصة بذلك ، وكتبت حلقات من مسلسل تلفزي وأعددت مغناة بعنوان «ما غْلى ترابك .. أو التراب الأخضر « سيُمْضى انجازها ببصمات فنية للمخرج كمال علاوي والملحن سمير العقربي وفرقة أولاد المناجم الملتزمة عندما تتوفر متطلبات الدعم المالي الكافية وهي مغاربية الوجهة منجمية الملامح ثورية السيمات . هذا إلى جانب مسرحية شعرية وكتابات أخرى وثلاثين حلقة إذاعية بعنوان « زخارم الكلام في مجالس شهر الصيام « لتقديمه خلال شهر رمضان 1434ه /2013 . أما في ما يسمى بالشعر الساخر فإنّ ما استوحيته من السرك الحكومي والحزبياتي والتأسيسي قادر على أن يملأ كتابا متوسط الحجم وقد كنت أرتجل جل منظوماته ولا أقول شعره، في دقائق قصيرة. ما رأيك في وضع الثقافة والمثقفين اليوم وبعد أكثر من عام ونصف من الثورة .وما الذي لفت انتباهك من المستجدات على الساحة الثقافية؟. سعى المثقّفون من مختلف التخصّصات الفنية والأدبيّة إلى تجاوز رواكد الماضي التي كانت تلغي حرية التعبير التي هي الشرط الأساسي لتحقيق الإبداع ولكن الذي يحصل الآن هو عكس ما اتجهوا إليه والأدلة على ذلك كثيرة ومن بينها الاعتداءات المتكررة على الفنانين من مسرحيين وفرق غنائية ملتزمة وصحافيين وقيام بعض الأطياف الدينية المتشددة والسياسية المحافظة بمنع عدد من المفكرين من إيصال آرائهم إلى الغير وفي ذلك سعي ممنهج لإحباط وكبت الأصوات التنويرية خشية أن يرتفع صوت الفكر الثقافي على الفكر السياسي الذي يتأرجح في خيوط واهية إلى حدّ الآن بينما كان من المنتظر أن تنتج الثورة زعماء بارزين كما أنتجت ذلك ثورات كبرى خلال العقود الأخيرة أو حتى في العصور القديمة وإذ تتأزم السياسة تتأزم الثقافة بسببها أو تبعا لأخطائها. والحل حسب رأيك؟ لعل البصيص الوحيد من الأمل هو المنتظر البوح به ضمن بنود دستور البلاد الذي يجب أن يشير بصريح العبارة إلى أن ّتوفير الدعم المناسب والمناخات الحرة والمطمئنة للإبداع الثقافي واجب ملح باعتبار أن الثقافة بمختلف ضروبها تعتبر ركيزة بارزة من ركائز الهوية وحضن واسع لمتوفرات الأصالة ومحرّض واع على تحقيق الحداثة ورافد ثري من روافد الثورة وحارس يقظ لمسارها من الانحراف والتشرذم وإذا لم يتطرق الدستور إلى الثقافة فسيبقى مبتورا. الذين يتحاملون على اتحاد الكتاب يخطئون ما هو موقفك من المشاكل الموجودة حاليا بين اتحاد الكتاب ونقابة الكتاب ورابطة الكتاب ألأحرار ومن اجتهاد وزارة الثقافة لحل الأزمة؟ تعددت الصَور وآلة التصوير واحدة ، وعندما تَغرس في البستان شجرة جديدة فإنّ الفلاح لا يفضّلها عن شجرة أخرى ولا يفضّل شجرة أخرى عنها إلا بما تستطيع إحداهما التّميز به من ثمار ، فالذين يتحاملون على اتحاد الكتاب يخطئون كثيرا لأنّ هذا الهيكل إرث ثقافي معتبر وليس أشخاصا ، والذين يعارضون تأسيس نقابة أو رابطة للكتاّب يسْعون إلى طمس معالم كل من يخالفهم الرأي أو يقدم تصوّرا جديدا ، والمهم بالنسبة لي أن يتحوّل الخلاف إلى تنافس يدأب من خلاله كل طرف لتقديم ما يقنع منظوريه وملاحظيه ،أما الشقشقات فإنّ للمشقشقين غثاءَها وجُفاءها .أمّا وزارة الثقافة فليس مخوّل لها الاجتهاد الخاطئ بأن تخصم جزءًا من المنحة المخصصة لاتحاد الكتاب لإسناد إعتمادات للنقابة والرابطة إذ لا بّدّ لهما من منحتين مستقلتين ، فالحكومة التي يقْدر على تسييرها ثلاثون وزيرا لا تخصم من أجورهم لتأجير واحد وخمسين وزيرا بل تضيف مرتبات أخرى إليهم. هل أنت راض عن وضعية الشعراء بعد الثورة ؟ وضعية الشعراء بعد الثورة في تونس لا تختلف عن وضعية جميع الثقافيين ( ولا أقول المثقفين الذين ينخرط في صفتهم المتعلمون) بل هي مماثلة لوضعية جرحى الثورة...لم يتغيّر شيء لتشجيعهم على الابتكار ، ولم تُتّخذ تدابير لتوفير المناخات الملائمة لترويج الإنتاج وتيسير ظروف الطباعة لنشر ما كتبوه من قصائد عن الثورة يتسم بعضها بالصدق والبحث الذي يؤهل عدد منهم إلى أن يصبحوا « ثوْقافيين» قادرين على صنع الأنماط والرؤى المحتضنة للخطابات الإبداعية المنتظرة بعد الثورة ، وفي غياب ذلك فقد كثر الثورجيون الذين ساعدهم تواجدهم بالعاصمة وما تاخمها ليتمسحوا بالمنابر فيقرأون نظما واحدا لا شعرا سبعين مرة وتعيد بعض الجرائد طباعته تسعين مرة فلا يلقى إلا صدى المجاملين . وبعيدا عمّا ذكرته أشير إلى أنّ القصائد التي بشّرت بالثورة أرقى بكثير من القصائد التي كتبت من وحي الثورة ، وللتأكد من ذلك يمكن الرجوع إلى مجموعات منصف الوهايبي وعمار منصور في ّ «يوميات بطال» منذ أكثر من ثلث قرن و«عياش» ، وعناقيد الفرح الخاوي» للمزغني و « اقسمت على انتصار الشمس» للمرحوم مختار اللغماني و«نشيد الأيام الستة » لأولاد أحمد ، و«وادي النمل» «لجمال الصليعي» و«طعم العرق» و«غبار الوقت» لي أنا وجل ما كتبه المرحوم منوّر صمادح وقصائد سميرة الكسراوي وزهرة العبيدي الغائبتين منذ سنوات عن الساحة.. كل ذلك في انتظار ظهور قصائد قادرة على الخلود للثورة وبها. قلت أن بعض الشعراء يستغلون فرصة سكناهم أو قربهم من العاصمة هل تعتبر أن السكنى داخل الجمهورية قد تمنع المثقف من البروز؟ما ذا تقترح للنهوض بالثقافة بالجهات ؟ قبل التوجّه إلى النهوض بالثقافة في الجهات لا بد من وضع خطة للنهوض بالثقافة الوطنية عموما بما يجب إقراره لفائدتها من تدابير وإجراءات تدعم ضروبها تشريعا وإنتاجا ونشرا وترويجا وحماية . وتبعا لذلك أو تعزيزا له لا بدّ من إبراز العناية الملائمة بالحركات الثقافية داخل الجهات لا بتكثيف مجهودات بناء الفضاءات الثقافية وتجهيزها ورصد الاعتمادات المالية للحث على الإنتاج ، بل أولى من ذلك العمل على تعزيز دور الثقافة والمكتبات العمومية والجهوية بالإطارات المختصة في مجالات التنشيط الموسيقي والمسرحي والفن التشكيلي حتى لا تندثر هذه الفنون كما أن الظروف المهنية والتأجيرية لمديري دور الثقافة وأمناء المكتبات لا تبشر بخير وأنسب فعل أصفها به هو « تْسخّفْ « مقارنة بوضعيات مديري ومنشطي دور الشباب أضرب مثلا على ذلك : في السنتين الأخيرتين تمّ انتداب عدد يقارب الأربعين من خريّجي المعهد العالي للتنشيط الشبابي والثقافي ببئر الباي للعمل بدور الثقافة التي رابطوا فيها منشطين إلى أن تمّ انتدابهم للعمل بدور الشباب فلم يترددوا في مغادرة الأولى إلى الثانية لأن فارق الأجر يزيد عن مائة وخمسين دينارا فمن أين يأتي الإبداع عندما يكون منشطوه من الجياع ونفوسهم تعاني من الأوجاع؟ ولكن مشاكل العمل الثقافي لا تكمن في ما ذكرت فقط بل هي مهدّدة بمخاطر من يرفضون الفنون ويعتبرونها حرام ؟ عندما تصبح الدولة قادرة على فرض القانون وعلوّ الأيادي الأمنية تُرمى الأحجار التي في الأيادي ولا يستطيع فرد أو مجموعة متطرفة أو حركة دينية سلفية أن يهدد ديمقراطية الانتشار الثقافي كما أنّ الفن الراقي والبعيد عن الإسفاف والتحريض على ما يخدش مشاعر الناس في مجتمع عربي إسلامي قادر على إفشال المساعي الرافضة لرواجه. ما هو حظك من ترجمة الشعر إلى اللغات الأخرى ؟ إنّ ما يترجم من أشعارنا إلى اللغات الأخرى أقل حظا مما يترجم من قصائد الشعراء الموريتانيين إلى الألسن الأعجمية وقد لا يصل إلى عشر ما يترجم لزملائنا بالمغرب الأقصى . فالمحظوظون بترجمة قصائد لهم في تونس لا بدّ من أن يكونوا من الفئات الثلاث التالية : أ: فرضت قصائدهم نفسها على مترجمين تونسيين لإعجابهم بها ، وأنا من بينهم في ترجمات الهادي خليل وعثمان بن طالب وابتسام ساسي . ب: تمّت دعوتهم من اتحاد الكتاب التونسيين إلى ترشيح بعض إنتاجهم للترجمة تنفيذا لاتفاقية ما مع اتحاد آخر أو جمعية كتاب أو نشرية أدبية أجنبية ، وقد ترجمت لي قصائد إلى الروسية واليوغسلافية وفق ما ذكرت . ج: تقديم قصائد من طرف صاحبها إلى طرف أجنبي وجّه إليه الدعوة للمشاركة في مهرجان شعري ببلده وقد حظيَتْ بعض أشعاري بترجمة إلى اللغة الرومانية بمناسبة استدعائي للمشاركة في المهرجان العالمي للشعر شرق غرب برومانيا في أفريل 2004.وهناك تجارب ترجمة مجاميع شعرية تونسية إلى هذه اللغة أو تلك لا يخلو أغلبها من المحاباة . وما عدا ذلك فإن المركز الوطني للترجمة أخجل مني بالإجابة عنه. أنت مقيم في الجنوب التونسي وبالتحديد في المتلوي عاصمة مناجم الفسفاط ، فما هو ، حسب رأيك ، دور المثقف في إخماد ما يحدث اضطرابات في الجنوب التونسي؟ ما يحدث في الجنوب التونسي بين الفينة والأخرى من اضطرابات ناتج عن كبت مزمن لم يسمح لأصحابه بالتعبير عن أرائهم الصريحة لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تردت في الفترات الماضية ،وهو غير معزول عما حدث في عدة جهات بالبلاد وليس أكثر منها تأزما ،لذلك فإن بعض المواجهات التي جدت بعد الثورة بين عروش أو قرى قد برزت لتصفية حسابات تراكمت تداعياتها مستغلة فرص الإنفلاتات الأمنية وعجز الدولة عن التصدي لها. فابن خلدون يرى أنه كلما ضعفت السلطة في النفوس كثرت القلاقل والفتن وأرى أن للمثقف دورا في التخفيف من حدّة الخلافات التي قد تؤدي إلى مصادمات ولكنه في ظروف كهذه لا يستطيع أن بقوم إلاّ بالدور الذي يعتمد على التنوير والتبصير لكنه غير مؤهل لتقديم الحلول الملائمة لإخماد نيران الفتن لأن السلطة هي المطالبة بل المجبرة على القيام بذلك.