مازال أهالي سيدي بوزيد بعد عام ونصف من ثورة التحرّر والانعتاق ينتظرون تجسيد طموحاتهم المشروعة إلى حياه أفضل يسودها العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بعيدا عن كافة أشكال الهيمنة والاستغلال وسياسة الأبواب الموصدة والحق في تنمية شاملة ومتوازنة تقوم أسسها على دعم الاستثمار في القطاعات الحيوية مما يخلق مواطن شغل إضافية تستجيب لحاجيات الشباب المعطل عن العمل وخاصة من حاملي الشهائد الجامعية والحق في بنية تحتية متطورة تقاوم مظاهر التصحر الاجتماعي والثقافي والفكري خاصة وأنّ إمكانات تجاوز الركود الحالي عديدة والبدائل المطروحة موجودة ولكن تبقى مناهج وآليات بلورتها وتجسيمها على أرض الواقع محلّ تساؤلات مشروعة تراود أذهان صانعي الثورة الذين يترقبون قطف ثمارها قبل فوات الأوان وخوفا من ظهور تقلبات مناخية محتملة ومباغتة، هل أنّ الحكومة المؤقتة قادرة فعلا على تحقيق تطلعات مواطني الجهة في هذه الظروف الصعبة والاستثنائية؟ وإكساب الولاية مقومات التنمية الذاتية وجعلها قطبا نشيطا في مستوى النمو والتشغيل بعد عقود من التهميش والإقصاء حيث ساهمت البرامج الاقتصادية الهشة والتوجه المعتمد في تونس خلال فترة حكم النظام السابق في ظلّ مرحلة الانفتاح على اقتصاد السوق وخصخصة المؤسسات العمومية وتراجع تدخل الدولة في اختلال واضح لعملية التوازن بين الجهات والذي أضرّ بالداخلية منها وحرمها من فرص جلب الاستثمار وتأمين مرافق العيش الأساسية لمتساكنيها. «الصباح الأسبوعي» رصدت انتظارات وتطلعات مختلف فعاليات المجتمع المدني بسيدي بوزيد التي ضربت موعدا استباقيا مع التاريخ في تفجير الشرارة الأولى لثورة الحرية والكرامة. «قطب فلاحي بوسائل تقليدية» مقارنة بما شهدته من تطور فإنّ الوسائل المستعملة في الإنتاج الزراعي لا زالت بدائية في كلّ مراحل العملية الإنتاجية ويتعلق المشكل الأساسي على هذا المستوى بمحدودية الإمكانيات المادية لذلك لا بدّ من حث البنوك على التدخل في هذا المجال من خلال تيسير شروط الاقتراض حيث اضطرّ جلّ المزارعين بالمزونة والرقاب والمكناسي ومنزل بوزيان إلى التفويت في ضيعاتهم التي امتلكها واستثمرها باعثون من غير متساكني الولاية بعد اشترائها بأثمان زهيدة نتيجة حاجتهم الماسة إلى الأموال ولعدم قدرتهم على تمويل مشاريعهم الفلاحية لعدة أسباب منها الآداء الضريبي وارتفاع سعر المحروقات والمواد الكيميائية وعدم حصول الفلاحين على تراخيص لكهربة الآبار السطحية فضلا عن بعض الإشكاليات المتصلة بتشتت الملكية العقارية الفلاحية والبنية التحتية والموارد المائية. وفي هذا السياق أكد الحقوقي بودربالة النصيري أنّ التشغيل في الجهة يرتكز على قطاعين عاجزين تماما عن تقديم الإضافة والنقلة النوعية لاستيعاب اليد العاملة والكوادر في مجالي الفلاحة والإدارة بسبب نسبة الاستغلال المفرط للمائدة المائية الذي يهدّد المنطقة بالعطش والتصحر فالمناطق السقوية حسب قوله تلفظ أبناءها ولا تجود بقوت عمالها وكذلك الإدارة المهترئة أصلا والتضحية بعملة الحضائر الظرفية وعلى هذا الأساس فإنّ البديل التنموي لا يمكن أن يكون إلا من خلال تحولات جذرية في الإستراتيجية بالاعتماد على محاور ذات أفق رحب لإنتاج الثروة بإحداث صناعات ذات طاقة تشغيلية عالية علاوة على منظومة تعليمية تمثل القاطرة المندمجة لدفع جهود التنمية الحقيقية وشبكة مؤسسات بنكية وإدارة تشجع على الاستثمار والتصدير إضافة إلى إعادة الاعتبار إلى الكفاءة والابتعاد عن الولاء. وهذا لا يتوفر إلا بمؤسسات حكم محلي منتخبة في منظومة ديمقراطية متكاملة تشمل السلطة الأقرب إلى المواطن تقطع مع المركزية وعمودية القرار، تفتح مجال الإبداع أمام طاقات الجهة التي لا يحتاج أبناؤها إلى لفتة كريمة أو زيارة رمزية فحسب ومنة أو هبة من الحكومة ولا إلى خطاب تطميني يتحدث عن المناطق المهمشة والمحرومة بل هم مدعوون إلى تحمل مصيرهم بأنفسهم وذلك ببناء مؤسسات الحكم المحلي الديمقراطي وإيجاد مجالس تنمية حقيقية. تحسين جودة الحياة وعلى الصعيد الاجتماعي ينادي المواطنون بمراجعة مختلف الآليات التي لها علاقة بالسياسة الاجتماعية كالسكن والتربية والتعليم والصحة الأساسية في إطار منظومة متكاملة توفر للولاية إمكانات الإدارة والمراقبة بالشكل الذي يضع حدا لكل ما يعيق البرامج وبالخصوص العمل على خلق حوافز مصلحية تدفع مختلف المتدخلين إلى عدم النزوح حيث دعت السيدة اسمهان ميري إلى العناية بذوي الاحتياجات الخصوصية والعائلات المعوزة ببعث موارد رزق قارة لفائدة المرأة الريفية ودعمها من طرف الهياكل المتدخلة في العملية التنموية وتوسيع الحضائر لتشمل المستحقين وتعبيد المسالك الفلاحية حتى لا تبقى الطرقات نقطة سوداء بالجهة فضلا عن تطوير شبكة الاتصالات خاصة وأنّ سيدي بوزيد لها أضعف انسياب (debit ) بالنسبة للأنترنات في الجمهورية ومزيد الاهتمام بالقرى والأرياف والمدن من ناحية التنوير وتعبيد الشوارع وقنوات التطهير وتهذيب الأحياء الشعبية علاوة على تجاوز مختلف العراقيل التي يتعرض لها المستثمر والمواطن بصفة عامة بتركيز إدارات جهوية بالولاية عوضا عن التبعية للولايات المجاورة في عدّة مجالات منها النقل والبنوك والقضاء. تردي أداء القطاع التربوي كما انعكس الواقع التنموي المكبل على أداء القطاع التربوي بالجهة الأمر الذي ساهم بصفة جلية في ارتفاع نسبة الرسوب والانقطاع التلقائي عن الدراسة في مرحلة مبكرة من أجل العمل الفلاحي أو بسبب الظروف المادية المتدنية للعائلات وخاصة الريفية منها بالإضافة إلى بعض العوامل المتعلقة بغياب التأطير والإحاطة وتفشي ظاهرة الفرق ومعلم الفصل حيث أشار الأولياء بكثير من القلق إلى تراجع المستوى التعليمي لمنظوريهم من سنة إلى أخرى نتيجة الاهتمام بالكم على حساب الجودة والبحث عن النتائج الحينية والأرقام التي لا تعكس واقع الأشياء وإجمالا يمكن الإقرار أنّ التلميذ لا يتوفر على عوامل المساعدة الفعلية التي تمكنه من النجاح والتميز. وبما أنّ الصحة تعد قطاعا مهما في المخططات التنموية وعنصرا أساسيا في تحسين جودة الحياة للمواطن مما يتطلب تكثيف حجم الاستثمارات وتكوين الموارد البشرية قصد تجاوز النقائص المسجلة سواء من حيث علاقتها بمستوى الرعاية المؤسساتية أو بطبيعة الآليات المعتمدة قصد بلورة استراتيجيا للارتقاء بجودة الخدمات العلاجية المسداة واعتبر عبد القادر فتيني التقني في الأشعة أنّ التزام الوزارة بتطبيق سياسة الجودة من خلال إحداث هيئة عمومية مستقلة لإسناد شهادات الاعتماد والإشهاد للمؤسسات والإطارات الصحية العامل الأهم لإنجاح هذا المشروع وينطلق العمل حسب تصوره بنشر ثقافة الجودة لدى مديري المؤسسات الاستشفائية عن طريق تنظيم ندوات ودورات تكوينية في هذا المجال. تباين الآراء حول مشاريع التنمية تبين بالكاشف أنّ سيدي بوزيد لم تجن من الثورة سوى مزيد التهميش والنتائج السياسية للانتخابات لإعادة توزيع السلطة التي بقيت لدى كبار المدن فبعد عام ونصف من أحداث 17 ديسمبر الخالدة مازال الانفلات الأمني وروح الأنانية الفردية والعروشية وسياسة اغتنام الأزمات لزرع الفتنة وحرق الممتلكات من طرف فلول النظام البائد مما يمثل مناخا غير ملائم للتنمية خاصة أمام عودة التملق و»قلب الفيستة» والتهليل للحكام الجدد الذين يزيدون الطين بلة بفكرة الغنيمة والغورة والتكفير وحقرة الرأي الآخر لكن المتفق عليه لدى أبناء سيدي بوزيد هو تقديم مزيد التضحيات من أجل الوطن وضدّ الاستبداد والإصرار القاطع على نصيبهم من المؤسسات الديمقراطية ومن خيرات التنمية العادلة. 307 مشاريع لكن... و كان الوفد الوزاري قد أعلن خلال زيارته الأخيرة للولاية عن إحداث 307 مشاريع بقيمة 474 مليون دينار تباينت وجهات النظر حولها بين مؤكد لدورها الفاعل في الارتقاء بواقع التنمية الجهوية والتشغيل ورافض لها باعتبارها ميزانية مقاولينا لأنها مرتبطة بدعم البنية الأساسية لبعض القطاعات ولا تلبي المطالب الحقيقة لأبناء الجهة في ظلّ غياب مشاريع الاستثمار الخاص كما اعتبرت الأحزاب المشاريع المزمع انجازها بالولاية قبل نهاية 2012 مجرّد وعود زائفة تندرج في إطار الحملة الانتخابية المبكرة للحكومة والترويكا وخاصة حركة النهضة التي بدأت في تلميع صورتها من خلال التسويق السياسي لبرامجها بأسلوب مغاير يقوم على التلاعب بالأرقام الخيالية لمشاريع التنمية.