تمر غدا ست وخمسون سنة على تاريخ انبعاث الجيش التونسي، الذي أوكلت له مهمة الدفاع عن الوطن ضد الأخطار الخارجية والمساهمة عرضيا في عديد المهام المدنية الداخلية، عند الكوارث الطبيعية وغيرها من الظروف الاستثنائية والذي أريد له أن يبقى بعيدا عن السياسة وتجاذباتها ومعاركها. ومنذ ذلك التاريخ إلى اليوم يمكن القول ان الجيش التونسي لم يحد عن دوره وحافظ على مسافة واسعة بينه وبين الساسة والسياسيين على حياد يكاد يكون مثالا في الرقعة العربية والإفريقية وهو ما جنب بلادنا الوقوع في براثن الانقلابات العسكرية وما تجره من تناحر وفتن ولا استقرار. وإن تقاليد الحياد هذه هي التي سمحت للثورة التونسية أن تصل إلى منتهاها بأقل التكاليف إن صح التعبير أي دون حمّام دم حقيقي كما حدث في ليبيا ويحدث اليوم في سوريا حيث اختار الجيش في عمومه الوقوف إلى جانب الماسكين بالسلطة ضد شعبه. وإن هذا الخيار المسؤول دعم أكثر الصورة الإيجابية للجيش التونسي في الأذهان ومنحه مكانة خاصة في القلوب، ترسخت أكثر بحيادية الجيش في العملية الانتخابية ليوم 23 أكتوبر ومرافقة التجربة وحمايتها والقبول بنتائجها وفي الواقع فإن مسؤوليات جيشنا إزاء شعبه في فترة الانتقال الديمقراطي تعاظمت فقد كشفت هذه الفترة عن أخطار جديدة أو بالأحرى جديدة قديمة تتربص ببلادنا وتتمثل في مطامع المجموعات الإرهابية وفي مقدمتها القاعدة ورغبتها في العثور لها على موطئ قدم بحكم الواقع الجديد على الميدان في المنطقة المغاربية برمتها وبحكم الكميات الهائلة من السلاح التي تسربت من مخازن معمر القذافي والتي «ضاعت في الطبيعة». إلا أن المواجهات الأربع التي جدت بين الجيش التونسي وعناصر إرهابية (في الروحية، وبئر علي بن خليفة وقبلي ومؤخرا في رمادة) بينت للأسف محدودية إمكانيات جيشنا وقدراته للتصدي الى مثل هذه الأخطار إذ تمكن الإرهابيون في أغلبها رغم المطاردات وعمليات التمشيط من الفرار تاركين وراءهم سلاحهم وعتادهم. ونحن لا نقول هذا ل»التخويف» بل لاستخلاص النتائج وبالتالي استنباط الحلول العاجلة لتنمية قدرات جيشنا وتخصصاته في مواجهة مثل هذه العصابات المتميزة بسرعة الحركة والتنقل و»التفرّق» عند الإحساس بالخطر. ويبقى دور المواطن هاما جدا بل حاسما في معاضدة مجهودات قوات الأمن والجيش إزاء مثل هذه الأخطار باليقظة والإرشاد فالوطن هو بيتنا جميعا، والدولة أصبحت دولتنا... وحمايتها واجب مشترك مقدس.