لا شك في أن المتابع لبطولة أمم أوروبا لكرة القدم قد أصابه الذهول وأخذت منه الدهشة مأخذها عندما يحاول عبثا مقارنة كرتهم بكرتنا. فأول ما يسترعي انتباهك هذا المشهد الرائع الذي تعيش على وقعه لمدة تسعين دقيقة وما يزيد فيخيل إليك أنك لست بصدد مشاهدة مقابلة لكرة القدم وإنما بصدد متابعة عمل مسرحي ضخم أبطاله ينسجون خيوطه وأحداثه داخل المستطيل الأخضر وأما البقية -أي الجمهور- فإن دوره يقف عند الفرجة والتشجيع والتصفيق -وليس التصفير- وأما عن تلك الأهازيج وتلك اللافتات والأعلام المرفوعة، وأما عن ردود الأفعال التي تأتي مباشرة بعد انتهاء المقابلة والتي تشيد بدور الهازم والمهزوم على حد سواء، فكل ذلك يحيلك إلى حقيقة واحدة. وهي أن هذه الشعوب قد استوعبت جيدا معنى ومفهوم كرة القدم التي تبقى في البداية وفي النهاية منافسة رياضية خالصة تعتمد بالأساس على فرضيات ثلاث: انتصار- تعادل - هزيمة. وحدث ويحدث أن يرتكب الحكم حماقة فيهزم المنتصر وينصر المهزوم ولكن لم يحدث أن هاج الجمهور وماج وكسّر كل ما رأته العين وطالته الأيادي بل إن هذا الجمهور لم ينزل إلى الميدان للاستنكار والتنديد ولم يطلق رؤساء النوادي صيحات التهديد والوعيد لأن الكل يدرك جيدا أن عين القانون عندهم بصيرة ويده جدّ طويلة بحيث لا مجال لترك الحبل على الغارب ولا مجالة لسياسة المكيالين ولا للمحاباة والمجاملات التي غالبا ما تحوّل لعبة كرة القدم من نعمة إلى نقمة على العباد والبلاد. تلك هي كرتهم، فماذا عن كرتنا؟ كرتنا -والحمد لله- حققت رقما غير مسبوق قد يدخلها موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية. وتكفي الإشارة فقط إلى أن مرحلة الذهاب قد أخذت من وقتنا زهاء السبعة أشهر (من 4 نوفمبر 2011- 20 جوان 2012) لندرك أن الرحلة الشاقة مازالت طويلة وأنه علينا أن نتسلّح بالصبر في انتظار نهاية سعيدة لهذه البطولة التي (فاح أريجها) لتنبعث منها رائحة كريهة مصدرها هذا الكم الهائل من التجاذبات التي طالت كل الأطراف المكونة للعبة (جمعيات - هياكل - لاعبون وجمهور) فعمت الفوضى جل الملاعب -حتى في عصر الويكلو- وساد منطق المؤامرة في غياب القرارات الردعية اللازمة فاختلط الحابل بالنابل وأصبحت مقابلة كرة قدم أشبه ما تكون بمقابلة في الملاكمة فغابت اللقطات الكروية الصرفة وحلت محلّها مشاهد اللّكم واللّطم. لماذا؟ لأن الكل يريد الانتصار ولا أحد يقبل بالهزيمة. كل هذا يحدث لأن عين القانون عندنا «ناعسة» ويد القانون أيضا قصيرة لأنه في غياب سلطة القانون يصبح كل شيء مباحا وتصبح شرعية الغاب هي السائدة ولأن الحال على ما هي عليه، لم تجد الجامعة التونسية لكرة القدم من حلّ سوى وضع ما تبقى من عمر البطولة في الثلاجة مؤقتا لعل الرائحة الكريهة تزول إلى ما بعد رمضان. كل ما نتمناه أن تنتهي هذه البطولة على خير وأن تضع أوزارها في أقرب الآجال لأن الخوف كل الخوف أن تكون بطولة كرة القدم لموسم 2012-2013 امتدادا لسابقتها فتعود مجددا إلى عزف نفس المعزوفة ونلوّك نفس الكلام ولسان حالنا يرّد: «من شبّ على شيء شاب عليه».