يبدو اليوم شبه ثابت ومتأكد أن عملية «التطهير» التي أقدم عليها فرحات الراجحي أثناء «مروره» على وزارة الداخلية بإحالة 42 إطارا من الوزارة على التقاعد الوجوبي قد تسببت في مظلمة صارخة باعتراف الوزير نفسه.. و اعتراف الوزير الحالي أيضا إلا أنه لا أحد منهما تجرأ ولسبب مجهول على رفع هذه المظلمة أو على الأقل على فتح تحقيق لإلقاء الأضواء على ملابساتها ودوافعها.. هذه «المظلمة» استهدف لها العقيد لطفي القلمامي الذي انتمى إلى وزارة الداخلية طوال 21 سنة لم يتحمل أثناءها أيّة مسؤولية قيادية ولم يعرف عنه أي ارتباط أو ولاء لعصابات العهد البائد أو اختلاط بالأوساط المشبوهة وقد كان يشغل قبل إحالته على التقاعد الوجوبي خطة بقسم التشريفات ولا علاقة له بإصدار الأوامر كما سبق له أن شغل خلال العهد البائد خطة رئيس إدارة فرعية للتفقد والرقابة بالإدارة العامة للأمن الوطني التي تعتبر في واقع الأمر «تجميدا» أو ما يعرف عادة ب«الثلاجة» باعتبارها بعيدة عن خطط صنع القرار أو المشاركة فيه بصفة مباشرة أو غير مباشرة. مغالطات والغريب في الأمر أن الملف المقدّم إلى وزير الداخلية فرحات الراجحي احتوى على مغالطات كبيرة ومفضوحة إذ أضيفت لعمره -لتبرير الإحالة على التقاعد- 8 سنوات كاملة كما ذكر فيه أنه يشغل خطة مدير عام وهو أمر غير صحيح كما وقع اتهامه بالمشاركة في «الهجوم الشهير» على مكتب فرحات الراجحي بينما أجمعت الشهادات التي تمّ تلقيها على أنه كان يومها ملازما لمكتبه ولم يغادره. ولكن الأغرب من كل ما سبق هو أن فرحات الراجحي نفسه اعترف في ما بعد أنهم «غلطوه» في شأن العقيد القلمامي. بداية القصة هي أنه بعد تسلم السيد فرحات الراجحي لمقاليد وزارة الداخلية بأيام معدودة أقل من أسبوع وضعت على مكتبه قائمة «تطهير» تضمنت اثنين وأربعين اسما من إطارات الوزارة، وفي الواقع فإن القائمة تحتوي على 27 اسما فقط إذ أن البقية هم مسؤولون بلغوا السن القانونية للتقاعد ويوجد من بينهم من كانوا في حالة إيقاف بعد أن نسبت لهم قضايا عدلية. وكان يوجد من بين ال27 الذين تقررت إحالتهم على التقاعد الوجوبي العقيد لطفي القلمامي وقد ورد اسمه في القائمة محرّفا كما أضيفت إلى عمره -كما ذكرنا آنفا- ثمانية أعوام كاملة مما يبرز بصفة جلية سوء النية. "أنا على يقين" ويجدر التذكير هنا بما قاله الأستاذ الأزهر العكرمي الوزير السابق المكلف بالإصلاح صلب وزارة الداخلية حول الموضوع «إن ما حصل مع 42 ضابطا منهم من يستوجب إحالته على التقاعد الوجوبي ومنهم من كان ضحية الارتجال وإرضاء الشارع من بينهم أشخاص عملوا في التشريفات أمثال العقيد لطفي القلمامي الذي وجب أن تكون لدينا الشجاعة الكافية لإعادة النظر في ملفه». وللتذكير أيضا فإن فرحات الراجحي صاحب قرار الإقالة أقرّ هو نفسه بخطئه وبتعرض المعني بالأمر إلى مظلمة وبعث بمكتوب إلى وزير الداخلية الحالي يشرح فيه الوضعية. كما أن نور الدين حشاد رئيس الهيئة العليا لحقوق الإنسان كان قد وجه مراسلة لوزير الداخلية الحالي بتاريخ 3 أفريل الماضي طالبا إعادة فتح الملف، هذا عدا عديد المقالات التي نشرتها الصحف حول الموضوع. ولما قابل العقيد القلمامي وزير الداخلية علي العريض قال له: « واصل الدفاع عن حقك وأنا على يقين أنك مظلوم» ورغم ذلك لم يحدث شيء إلى اليوم وبقي الملف في نقطة الصفر ولما استفسرنا وزارة الداخلية حول الموضوع أجابتنا: إن ملف الإعفاءات لا يوجد ضمن الأولويات الحالية لوزير الداخلية وهو جواب أقل ما يقال فيه إنه غريب وغير مقبول إطلاقا. فهل أن قضية لطفي القلمامي هي: « قضية دولة... Affaire détat حتى يصعب إيجاد الحل النهائي لها؟.« فلئن كانت تمثل حقا مظلمة فإنه لمن العار حقا ألا يقع رفعها بعد كل هذه المدة الطويلة بعد كل هذه التظلمات وإن كان لها ما يبرّرها ويعللها وبعد ثورة قامت ضدّ الظلم أساسا فمن حق المعني بالأمر ومن ورائه الرأي العام- أن يعلم بدوافعها الحقيقية وبما هو منسوب له.