الرسالة وصلت.. ولكن أين الخلق والإبداع؟ المفاجأة الكبرى ليلة أول أمس في افتتاح مهرجان قرطاج الدولي في دورته 48 كانت إضافة إلى الجمهور الكثيف من مختلف الأجيال حضور عدد كبير من الوزراء وأعضاء المجلس الوطني التأسيسي وهو ما لم يكن متوقعا بالنسبة إلى سهرة تونسية مائة بالمائة، ولكن يبدو أن احتواء برنامج السهرة على تكريم مطرب الخضراء علي الرياحي ورموز الأغنية التونسية كان سبب هذا الحضور المكثف رغم أن مثل هذا الاحتفاء أقيم في العديد من المناسبات. وما من شك في أنّ العديد من العوامل ساهمت وبشكل كبيرتفي إثراء حفل الافتتاح على غرار توظيف أكثر من ثلاثين مطربا تونسيا، من بينهم أشهر العازفين ووقوف كبار المطربين وراء أصوات شابة واعدة. هذا إلى جانب محاولة إرساء إستراتيجية جديدة في انتقاء أهم الأعمال التونسية ونزع الثوب القديم من الأساليب المنتهجة سابقا والتي كانت ترمي إلى تجاهل الفنان التونسي. إضافة إلى الظروف التي مرت بها تونس قبل ثورة 14جانفي حيث ولّدت كبتا على جميع المستويات وجعلت التونسيّين يحنون إلى أصالتهم وهويتهم. كل هذه الظروف وما تردد من أجمل ما غنى مطرب الخضراء علي الرياحي وما ألفته الآذان من سحر للكلمات الخالدة سواء لمحمود بورقيبة تأو بلحسن العبدلي أورضا الخويني.. ساهم في نجاح العرض في جوانب معينة. ولكن لسائل أن يسأل أين الخلق والإبداع؟ ألم يكن مهرجان قرطاج منذ عقود مجالا مفتوحا لكل عمل فني ديدنه التحليق بالإبداع عاليا؟ ألم يكن المسرحي علي بن عياد وغيره من المبدعين يسعون دوما إلى المشاركة في مثل هذه التظاهرات الكبرى بأعمال جديدة من شأنها أن تثري الحراك الثقافي؟ أم هي إشارة إلى أنّنا سنستمر في إحياء ذكرى عمالقة الفن الأصيل فحسب؟ ثم إنّ تكريم علي الرياحي في افتتاح مهرجان قرطاج من خلال العديد من الأغاني الخالدة من المفترض أن لا نقحم فيه بعض الأصوات الشابة غير المتمكنة من الطبوع التونسية بتعلة أننا يجب أن نشجع المواهب الصاعدة. كلمات ليست كالكلمات بدا العرض في مجمله كأنه عرض للرشيدية في ثوب جديد. زياد غرسة كان قائد الفرقة المتكونة من أكثر من ثلاثين فنانا وقد قام بتقسيم العديد من الوصلات في المالوف على آلة البيانو االعربيب تلته أغنية ااملى واسقيب (غناء جماعي) حتى أنّ العديد من الحاضرين كانوا يظنون أن بقية السهرة ستكون على نفس الوتيرة. إلا أنه سرعان ما انتقلت وصلات المالوف إلى أحلى أغاني علي الرياحي وكلمات أشهر الشعراء الغنائيين أمثال محمود بورقيبة وكرباكة .. على غرار أغنية اغزالي هرب..يا ليعتي ما ولى هز العقل وراهب وبما حبيتشي(كلمات وألحان علي الرياحي) وبتكويت وما قلت أحييتب وبزينة يابنت الهنشيرب(أداء سفيان الزايدي) وبالحب والفن والحياةب وبفي ضو القميرةب (آداء أسماء بن أحمد ومروان علي)..كلمات ليست كالكلمات ولكن للأسف ذباستثناء أسماء بن أحمد ومروان علي وخاصة سفيان الزايدي الذي تفاعل معه الجمهور تفاعلا كبيرا وطلب منه الإعادة أكثر من مرة- أصواتا متميزة تحسن أداء الطبوع التونسية. أغان عديدة رافقتها سولوات للعازف المتميز بشير الغربي (آلة العود) والحبيب التركي (آلة الكمنجة) ومحمد غنية (آلة الفيولونسال) ولسعد العذاري (آلة ايقاع) ليُستأنف الغناء الجماعي مع أغنية ايالي ظالمني(كلمات بلحسن العبدلي) فبأنا كالطيرب (آداء أحد المشاركين الشبان) وبيا شاغلة باليب(أداء حسن الدهماني) وبيا شاقة المراحب(كلمات رضا الخويني). بوشناق وتكريم الفنانين في آخر العرض توقع الجمهور أن يغني لطفي بوشناق ولكنه لم يفعل، ربما لأنه أدرك أنه لن يضيف شيئا ليلقي قصيدة لصلاح الدين بوزيان تتغنى بثورة14جانفي وتشير في الآن نفسه إلى ضرورة اتحاد كافة التونسيين، وهي الرسالة التي أراد أن يوجهها منظمو الحفل خاصة من خلال وقوف كبار مطربينا وراء الأصوات الشابة، رسالة تحمل أكثر من معنى. بعد إلقاء القصيدة كان الموعد مع تكريم ثلة من الفنانين التونسيين الحاضرين في العرض مع ذكر تمن تعذر عليه المجيء لأسباب معينة. قائمة المكرمين كانت تحمل أسماء عشرات الفنانين الذين ساهموا في إثراء المخزون الثقافي لبلادنا مثل الفنانة اعايشةب والسيدة سلاف ومحمد العش وسعاد محاسن وتوفيق الناصر وصفوة وعبد السلام النقاطي ومصطفى زغندة ورضا الحجام (المغني الفكاهي)..