الايزو 9000 مجموعة من المقاييس العالمية كونت سنة 1987 لضبط جودة مدخلات وعمليات ومخرجات المنتجات الصناعية. تحرص هذه المقاييس على أن تكون جميع العمليات الضامنة لجودة المنتج تعمل بانتظام في مجال الادارة ومعالجة الطلبيات في تصميم المواد والتخطيط لكنها لا تتدخل في طريقة تطبيقها. يتم اعتماد المؤسسات من طرف مؤسسات مختصة في المجال وتكلف عملية الاعتماد الكثير من الوقت والجهد والمال. وقد حرصت تونس أن تنخرط في هذه المنظومة فكثر عدد المؤسسات الحكومية والخاصة المعتمدة. وأصبحت الجودة إحدى أهم الشروط لاي تعامل تجاري خاصة مع بلدان السوق الاوروبية التي تعتبر الجودة وثقافة الجودة من المسلمات. إن الاعتقاد بأن اعتماد الايزو يحسن من مردودية المؤسسة ينبني على مبادئ الايزو العشرين التي تجعل من التحسين المستمر شعارها وهدفها, وتؤمن نجاح فرق الجودة لتجعل من رضاء الحريف غايتها الاولى. هل نستطيع تطبيق مبادئ الايزو على التعليم العالي؟ إن مؤسسات التعليم العالي كأي مؤسسات أخرى لها مدخلات وعمليات ومخرجات وتحتاج لدعم وضبط جودتها للتحسين من مردوديتها لكن مؤسسات التعليم العالي من الخصوصية التي تجعل تطبيق كل مبادئ الايزو من غير وعي كامل ورصين للعملية التعليمية أمر مستحيل وسيء في نفس الوقت. لقد جربت العديد من المؤسسات التعليم العالي تطبيق مبادئ الايزو والسعي جاهدة للحصول على الاعتماد وباءت محاولاتها بالفشل إذ تبين للجميع أن تحسين مردودية هذه المؤسسات لا يتم إلا عن طريق تجويد التعلم والكسب المعرفي الحقيقي للطلبة لا عن طريق تعليق شهادة اعتماد الايزو في مكان بارز في مكتب المدير. من المؤكد أن مختلف نظم جودة التعليم العالي قد استفادت كثيرا من نجاحات الايزو لكن تطبيق الايزو من غير وعي حقيقي لطبيعة المؤسسة التعليمية هدر للطاقات وللموارد. ولهذا استنبطت نظم أخرى خاصة بالتعليم منها مثلا نظام بلدرج الذي يعتمد على إحدى عشر قيمة أساسية أولها "التعلم محور التربية". يذهب الكثيرون في الاعتقاد بان أي نظام من أنظمة جودة التعليم سواء كان نظام بلدرج أو النظام البريطاني أو نظام الشبكة الاوروبية لاعتماد التعليم العالي أو النظام الياباني أو غيره هو نظام لا يعول عليه بما أنه لم يبلغ درجة النضج التي بلغها نظام الايزو 9000 ولم يصبح دوليا. لا أعتقد أن عدم دولنة معايير جودة التعليم العالي تنم عن ضعفها بل تنم عن خصوصيتها. كما أن المتفحص لمختلف هذه الانظمة والمعايير لا يجد اختلافا جذريا في فحواها ومبادئها فهي تتفق في مجملها على جعل جودة التعلم الهدف الاساسي والاول وتتخذ جملة من الضمانات لذلك. يكمن الاختلاف في أجزاء بسيطة تختلف باختلاف البيئة التي برزت فيها. إن قوة هذه المعايير لا يتمثل في دولنتها بل يتمثل في فهمها للواقع التربوي الذي تريد تحسينه وفي اختيار ما هو مناسب لهذا الواقع التربوي للتحسين من مردوديته. لقد أثبتت حركات دعم وضمان الجودة في جميع أنحاء العالم أنها لا يمكن أن تحسن من مردوديتها إذا ما اختارت أن تنقل تجارب بلدان أخرى وتحاول تطبيقها وفرضها على واقع هي تجهله ولا تعيه الوعي التام. يجب أن نتعلم من التجارب الناجحة والفاشلة للبلدان الاخرى ويجب أن نحاول جاهدين تطبيق منهجيات ومبادئ ومؤشرات جودة التعليم العالي ولكن تطبيقنا لهذه المنهجيات والمبادئ والمؤشرات لن ينجح ما لم نجح على التعرف التام للوضع الحالي تعرفا علميا. (*) كلية العلوم الانسانية والاجتماعية/ 9 أفريل - تونس عضوة الهيئة العالمية للجودة في التعليم العالي